تنظر الكثير من اليتيمات بعيون اليأس لمستقبلهن العلمي والدراسي، في وقت يعتبرن أنفسهن ضحية دون ذنب، بعدما وقف غياب المحرم بالمرصاد لهن في إكمال دراستهن بالخارج. هن يرين أنه لا ذنب لهن في غياب المحرم، بعدما فقدن من يعول أسرهن سواء الأب أو الأخ، فيما لا أمل ولا حيلة لهن في توفير الزوج، مما يضعهن في خيار صعب، ربما يجبرهن على الانصياع للأمر الواقع واختيار زوج دون التثبت من أي تفاصيل، وهنا مكمن الخطر. وتعيب الكثير من اليتيمات الطموحات على وزارة الشؤون الاجتماعية عدم التدخل الحاسم لإعادة الأمور إلى نصابها، بدلا من حالة الحرمان المزدوجة التي يعشن فيها، آملين أن تتحرك أي جهة لتتبنى مطالبهن. لكن على الصعيد الآخر، لازالت بعض دور الأيتام تفتقد لأبسط مقومات الدور النموذجية من حيث الرعاية والاهتمام، والتي يفترض منها أن تحتوي على كل ما فيه رفعة لليتيم وتنمية لأفكاره وإبداعاته، والبعض منها يكون داعما له لتأسيس فكرته وتنميتها، ولكن أغلب تلك الدور تفتقد أساليب الرعاية الإبداعية لدى الأيتام والعمل على تنميتها وأيضا لأشكال الترفيه والتسلية أو التي تنمي لدى البعض أفكارا إيجابية والتي تروح عن البعض الملل و«الطفش» من جراء تكرار الروتين اليومي بدون برامج ترويحية أو رحلات استكشافية أو فنون إبداعية أو أعمال يدوية إبداعية أو برامج حاسوبية عن طريق عمل دورات تدريبية تحفزهن على صنع أفكار مميزة تنهض بعقولهن بعيدا عن كل أفكار سلبية زرعت فيهن الإحباط من جميع النواحي الإنسانية والإبداعية التي تسكن دواخلهن. (أ.أ) يتيمة كان حلم حياتها الابتعاث لاستكمال دراستها بالخارج، لكنها وجدت نفسها ممنوعة من تحقيق هذا الحلم، بسبب أنه لا يوجد لديها محرم، وتقول: أنا يتيمة وليس لدي محرم لا أب ولا أخ ولا أقارب فمن أين سآتي بمحرم ليسمح لي بالابتعاث لمواصلة دراستي وتحقيق حلمي، كثرة العراقيل حطمتني ولا أدري من أين استحدثوا قوانين المنع هذه، ولماذا يشترطون علينا للابتعاث إذا تزوجنا ونحن لا نريد الزواج الآن بل نريد تحقيق ذاتنا أولا ومن ثم تأسيس أسرة مستقبلا، فلم تصدر أي قوانين من الوزارة تمنع السفر لليتيمة فالكثير من الفتيات المبتعثات في الخارج لسن يتيمات وقد ذهبن بدون أزواج، فلماذا يشترطون علينا هذا الأمر، وليست لدينا أي أسرة، ويمكن أن تكون السفارة لنا بمثابة الأسرة الراعية والمتابعة لأمورنا في الخارج، ويجب ألا تحدث أية عراقيل التي توضع لليتيمات، بمنعنا من الابتعاث بدون محرم، ونتمنى من وزارة الشؤون الاجتماعية الالتفات لأمر ابتعاثنا بعين الرأفة بعيدا عن التعقيدات التي لا داعي لها، والتي لا أساس لها من المنطق، فالمحرم لن يتوفر لأي يتيمة قبل الزواج، والكثيرات لا يرغبن في الزواج المبكر الآن، وربما لا يجدن العريس المناسب حاليا، وربما لا يجدن أي عريس حاليا، فلماذا يهدم مستقبلها العلمي من أجل رجل وزوج؟. أين الترفيه؟ وترى اليتيمة (ر.ع) أنها والأخريات يفتقدن في الدار لأي من أساليب الترفيه والتسلية وحتى بعض أعضاء التطوع الذين يسخرون لنا جزءا من وقتهم لزرع ابتسامة بسيطة على شفاهنا، للأسف لا يتم التعامل معهم على هذا المنحى، بل يطرد البعض وتعمل لهم المشكلات رغم أنهم لم يخطئوا وإنما جاءوا من أجلنا، فنحن نحتاج لمن يأخذ بأيدينا للإبداع وزرع الثقة بنا بدلا من تحطيمنا، خاصة أن معنا صديقات خارج الدور نراهن مبدعات ونتمنى أن نصبح مثلهن، وهن خريجات دورات مكثفة في اللغة الإنجليزية وأخرى بالحاسب الآلي، وأخرى في الإدارة أو حتى الطهي، أو الحياكة، لكننا للأسف في الدار على نفس الحال منذ فترة ننام ونصحو ونأكل ونشرب فقط بلا حراك إبداعي فنضطر للمطالبة بالذهاب للسوق للترفيه عن أنفسنا، فالدور أصبحت بمثابة المقابر لنا، لا يطلب منا سوى ملازمة الدار ومشاهدة التلفاز 24 ساعة، وأعتقد أننا لم نعد أطفالا تلهيهم البرامج الكرتونية ولسنا توحديات، نحن فتيات نحتاج لسماع صوت الإبداع بنا وتنميته ورعايته بكل إنسانية. تخلصوا من «لا» المعلمة نورة السهلي تصف البعض من اليتيمات في المدارس بالأكثر انطواء على أنفسهن وعدم احتكاكهن كثيرا بقريناتهن من الطالبات، والبعض الآخر نلاحظ عليهن التفوق وحب المشاركة في الإذاعة المدرسية ومنهن من تأتي بأفكار نيرة ولكن تحتاج لدعم وأخذ بأيديهن للإبداع فبعضهن يمتلكن قوة تعبيرية وذائقة شعرية تنم عن كاتبة مستقبلية وأخرى تنثر إبداعها بالرسم وتبهر جميع المعلمات ولكن ينقصهن الدعم المعنوي والبيئة المنزلية السليمة ليبدعن أكثر ونحن في المدارس كمعلمات نساعدهن تربويا في كل ما يحتجن له من دعم ونثني عليهن ونحب مشاركتهن في الأعمال الإشرافية للأنشطة بالمدارس لرغبتهن في حب المشاركة لو بالقليل حيث إن البعض منهن موهوبات في الشعر والكتابة القصصية والرسم والحياكة وأشياء أخرى فما أتمناه أن تكون هناك جهة رسمية تتولى الدعم المادي والمعنوي لهن لتحقيق أحلامهن وتأسيسها على أرض الواقع وعدم الاكتفاء بالمدرسة فلهن حق في أن يرى الجميع لمسات إبداعهن، ولا شك أن انخراط اليتيمات في برامج إثرائية إبداعية ثقافية تزيد من قابليتهن ومن ثقتهن في أنفسهن بدلا من الحرمان من كل شيء والجلوس في الدار وعدم إنعاش العقل الذي خلقه الله فينا وفيهن للتفكر، فلم نحجر على عقولهن بكلمة «لا» بدلا من «نعم»، فكلمة «لا» دائما لها ردود فعل سلبية نفسية عكس كلمة «نعم» وما فيها من أمل يزرع الخير في طريقهن لكل ما هو مفيد. تفريغ الكبت وترى الأخصائية الاجتماعية خلود الطيب أن الإبداع فطرة يخلقها الله في كثير منا كالشعر وكالكتابة وكالرسم وكالنحت، وفئة الأيتام كغيرها من الفئات التي يظهر في البعض منها الإبداع في شتى المجالات، ولكن الكبت يمنعهن من إظهار ذلك الإبداع فيضطر بعضهن للهرب من أي نشاط بسبب الإحراج من قبل المسؤولات عليهن والذي يلقي بهن إلى الحزن. وتساءلت لماذا لا تصنع لهن برامج تثقيفية ورحلات استكشافية ومعارض تشكيلية وينخرطن في دورات تدريبية ترفع من كفاءتهن وتنمي من مواهبهن، فلا بد من تفريغ لهذا الكبت بدلا من تفريغه في سلبيات وأفكار لا تنفع فالعقل نعمة يستثمرها الإنسان لما فيه خير إن وجد مجالا يفتح له الأبواب وينغلق العقل إذا تعطل عن عمله وأصبح على روتين يومي ممل ولا حراك اجتماعيا يثري ثقافة اليتيمة ويجعلها عضوة فعالة في مجتمعها فهي إنسانة تحب تبادل الزيارات مع رفيقاتها وحضور المناسبات والترويح عن نفسها مع زميلاتها في المدرسة والمنع من كل شيء يفقدها الشعور بالحياة ويجعلها في نفسية صعبة وانطواء قاتل. الظواهر الشاذة الدكتورة عهود الرحيلي تقول: يصنف الأيتام من ضمن الفئات الخاصة في المجتمع والتي تحتاج إلى تقديم العديد من الخدمات التعليمية والتأهيلية الخاصة التي تراعي حاجاتهم النفسية والاجتماعية، ومن أهمها الحاجة إلى الشعور بالحب والتقدير الاجتماعي والشعور بالأمن النفسي، وبإشباع تلك الحاجات يتحقق لليتيم الشعور بالثقة بالنفس والرضا عن الذات وينشأ فردا سويا ومواطنا صالحا، وبالتالي فإن معظم المشكلات السلوكية التي يعاني منها الأيتام كالجنوح والشذوذ والانحراف هي نتيجة الشعور بالنبذ والإهمال والقسوة في المعاملة فينشأ اليتيم عدوانيا وقد يوجه عدوانه ضد ذاته أو ضد المجتمع، وانتشار التدخين بين يتيمات الدور على سبيل المثال دليل على ذلك، فالتدخين في مثل تلك الحالة قد يكون عبارة عن رد فعل عدواني ضد الدار كصورة من صور الاحتجاج والمعارضة على حبسهن داخل الدار لفترات طويلة وعلى سوء المعاملة، لذلك كان لا بد من المسؤولين على دار رعاية الفتيات مراعاة احتياجاتهن النفسية والاجتماعية ودمجهن في المجتمع مع وجود جهة إشرافية عليهن، من خلال المشاركة في الأعمال المجتمعية التطوعية إن أمكن وحضور حفلات الزفاف وزيارة الحدائق والأماكن الترفيهية وإن تعذر عليهن الخروج لأسباب خاصة فبالإمكان إشباع حاجاتهن لتحقيق الذات داخل الدار عن طريق تقديم دورات تدريبية كدورات الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية ومهارات تأكيد الذات وغير ذلك مما يرفع من مستوى الرضا عن الذات ويحقق التوافق النفسي والاجتماعي وتنشأ فتاة الدار تنشئة سليمة وسوية بعيدة عن السلوكيات والظواهر الشاذة.