يطغى على المجتمع السعودي حبه لعمل الخير، بغض النظر عن المتبرع له إن كان يستحق أو يصطنع المسكنة والإعياء ليكسب من مال الصدقات. وقد تعود المجتمع ومنذ مدة على التبرع والتصدق إلى أي محتاج بما تجود به النفس سواء عند المساجد أو الإشارات المرورية وغيرهما من الأماكن العامة. من اللافت انتشار ومنذ مدة ليست بالقصيرة ظواهر سلبية قد يؤدي استمرارها إلى مشاكل ليس لها حصر، بل ستؤثر على ثقافة عمل الخير وتوجهها إلى غير أماكنها الصحيحة. من بين هذه السلبيات ممارسة عمال النظافة للتسول عند الإشارات بدلا من القيام بواجب تنظيف الشوارع، حيث تكاد لا تخلو أي إشارة مرورية في الشوارع الرئيسية أو محطات البنزين من عامل النظافة المتسول الذي يوحي مظهره العام بالضعف والوهن لكسب عطف الناس، وأصبحنا نشاهد بشكل متكرر عمال النظافة متواجدين لساعات طويلة في مواقع محددة، وهنا تجب الإشارة إلى أن مسؤوليات هذا التجاوز تتحملها الجهات الرقابية، وبالأخص الشركة المشغلة. وهذه العشوائية في الرقابة تثير الشكوك بأنه من المحتمل تواجد سوق سوداء واتفاقيات بين هؤلاء العاملين والمشرفين على توزيع المواقع بغرض التكسب من هذه الأعمال غير المشروعة وتوزيع الأرباح بينهم، وقد تكون هناك تجارة ملابس بين عامل النظافة ومتسول آخر، فالمبالغ المحصلة من يوم واحد للتسول وفق هذا النمط تساوي راتب العامل على مدار الشهر. وفي ظاهرة أخرى، بتنا نلمس وجود بعض المحترفات من النساء من جنسيات مختلفة يتكسبن المال من التسول وفق طرق جديدة، فبعض هؤلاء المتسولات على سبيل المثال أصبحن يجدن في أيام العزاء فرصة لأرباح مضاعفة، فالدخول في العزاء للعشاء وملء البطون، والتذلل عند أهل العزاء لتسول المال، وسرقة ما يمكن سرقته من المنازل في ظل انشغال أهل العزاء من السيدات بأمور عزائهن، كل هذه الأمور أمست ظواهر نشاهدها ونسمع عنها بشكل متكرر وملفت. وهناك أيضا ظاهرة أخرى، تتمثل في «نابشات النفايات» اللاتي يجمعن علب المرطبات لغرض بيعها لمصانع التعبئة والتدوير، وكان من الملاحظ أن هذه المهنة ظلت منذ مدة مقتصرة على سيدات ومن جنسيات أفريقية فقط، ولكن يلاحظ مؤخرا دخول جنسيات أخرى تنافسها في هذه المهنة، وهم نابشو القمامة والنفايات البنغلاديشيون، وهؤلاء يمتازون بأنهم أكثر رشاقة وحركة ولديهم قدرة على ما يبدو في نبش ضعف عدد الحاويات التي تقوم نابشات القمامة التقليديات بنبشها، ويمتازون أيضا بحسب المشاهدات والرصد اليومي بقدرتهم على دخول الحاويات بقفزة بهلوانية واحدة، وهي بالمناسبة ذات دلالة بأنهم يستطيعون أن يكونوا داخل أسوار منازلنا وفق هذه المهارات. ومن هنا نختم القول بأن هذه الظواهر أصبحت وأمست وباتت جزءا من حياتنا اليومية للأسف، ونخشى من عدم وجود ردة فعل رادعة من الجهات الرقابية، وهو ما يدفع لتنامي هذه الظواهر في ظل ضعف الرقابة من جهة ونقص الوعي المجتمعي من جهة أخرى، وبقاء الحال على ما هو عليه لا شك أن له سلبيات على جميع الأصعدة اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وأمنيا.