(1) فيم آلامي، و بأي العابرين ستفتك في هذه الظهيرة، يا جسر بروكلين؟ كتبت على عمود الإنارة مقطع شعر أحببته، قطعة من قلب أحمد الملا.. حفرته بالقلم والقلب.. فأضاء العمود. ضحيت بأحمد ذلك اليوم، أخبرت الجسر عنه وأشرت للطريق، سيفتك به يوما، سيركض خلف أيامه حتى يأتي الملا إلى بروكلين، وإذا زار الجسر، سيبحث عن العمود، لكنه لن يجده.. سيظن أنني كذبت. والقصة كلها حقا أن جسر بروكلين، مهما أخبرته عن ضحايا وطرائد، ينتهي إلى أن يختارني أنا، بسيناريو آخر وحبكة جديدة.. هذا الجسر الذي نجا من حروب وقذائف وديناميت، يفعل بي كما كان يفعل بي أبي؛ عندما يغطس في البحر، يختفي، ولا أعرف أين يذهب تحت الماء، يعضني الخوف وأرى حياتي تسيل ضياعا، تضعف أقدامي عن المشي، أنغرس في الرمل، ثم يربت على كتفي فجأة، ولا أدري من أين خرج. #BrooklynBridge (2) خذ لعرق الجبين صورة وضعها في ألبومك، يا جامع العملات، بخفة تحت رقاقة البلاستيك الشفافة، عملة ورقية قديمة.. أو دعه يتدلى ولدا بارا لكل فرد من سلالتك في شجرة العائلة ، إلا هذا الجيل المرفوع على مخلب جرافة تهدم العالم. سل مخرجا أن يصوره لثوانٍ معدودة ساقطا من مفرق الرأس، كسقوطنا في أحلامنا من شاهق ثم نصحو فزعين نتلمس أطرافنا ومحبين للحياة.. يوضع العرق الآن في متحف يليق به، بوصفه مخلوقا نادرا وقيد الانقراض دون أية محاولة لإنعاشه بكفين تضغطان على القفص الصدري، تدفعان القلب ليصحو.. تم تسجيل مقاسات العرق وشكله وظروف تكونه كظاهرة طبيعية خارقة؛ لأن جيب العالم ومحفظته هنا، في الوول ستريت؛ والد الجلطات الاقتصادية دون أن يعرج أو يطلب عصا يتوكأ عليها.. سرطان البزنس، سكاكين شركات التأمين وألغام الماستر كارد وقفازات السياسة الناعمة.. التاجر مستلقٍ على الكنبة طوال الوقت، لا يسير على أرض ولا يرى أحدا.. الدراهم أرقام في كيابل متينة، أشجار ورق المال تنمو في الشاشات وحدها، لا أحد يخترع شيئا، العامل أغلق مصنعه والفلاح تمثال في الحديقة، فقط وحوش ببدلات رسمية وشنط كلاسيكية وبطاقات عمل أنيقة جدا (اتصل بي)، لا صوت بكرات تدور ولا ريح تطيح ثمرة، كل ما يحدث أن مضاربي البورصة يحركون المال في وول ستريت في دوائر لا تنتهي، كالطاقة، تنقص في مكان لترتفع في مكان آخر. وول ستريت الطمع.. ألعاب الحظ، مونوبولي، سلالم الأفعى والبوكر والنرد.. الجبنة والفأر. #WallStreet (3) متحف الهنود الحمر.. في أقدم بقعة من مانهاتن، تلك المطلة على مباني التجارة و تمثال الحرية ومتحف الهولوكوست اليهودي. في غرف زجاجية في جدران المتحف، توضع فناتير ألبست الكثير من الحلي والريش وسهام الصيد ليبدو الرجل الواقف هنديا أحمر أو هندية حمراء. في غرف زجاجية، يثبت الصقر والقارب وقناع الصيد ودائرة الرقص. لكن، ليس هذا ما بعث الهنود الحمر في الناس من جديد، وإنما الموسيقى.. الموسيقى التي طورتها الأجيال المدنية منهم.. جعلوا من الساكسوفون حيوانا آخر، طوطما يقودهم لحياة جديدة. جلست في خيمة هندي أحمر، تلك الحميمة التي ليست للضيوف البشر، هنا فقط ينزعون عن أجسادهم الحيوانات، الأسنان والريش والعظام، هنا يتعرون ويهدأون ويكفون عن العدو.. تفتح الخيمة عينيها، وتحكي لهم «كان يا ما كان» حتى يناموا. @AmerIndianNYC (4) بجانب المتحف الذي يؤرخ أحداث هجمات 11 سبتمبر، حدائق تزرع فيها شجرة الحياة؛ شجرة زهرها أبيض خفيف كالنظرات الشاردة.. نجت هذه الشجرة من الهجمات وكانت تطل برأسها من الركام، فحملوها بخفة الطفل من جذورها واعتنوا بها حتى استعاد المكان عافيته، ثم أعادوها وأنبتوا بها الحدائق حول وطأة أقدام البرجين. أزيل البرجان، وحفر مكان كل واحد منها بركة متدرجة نحو الأرض، تضخ المياه من أطراف البركة نحو وسطها.. وحفرت على سياج البركتين أسماء القتلى. في ذكرى الهجمات السنوية، تنبثق أشعة ليزر زرقاء من أطراف البرك، تبني في الفضاء برجي التجارة من جديد بارتفاع لا حد له، ناطحتي سحاب من ضوء أزرق لامع يرى من كل زاوية في نيويورك. @Sept11Memorial (5) ما أرعبني أن لكل قتيل وجها، لكل قتيل اسما وابتسامة ومستقبلا، له صوت أمه وله مشاغبات أصدقائه.. حوائط صور القتلى هذه ترعبني، كل قتيل في العالم يستحق أكثر من أسطوره، يستحق تماما ما حيك حول كل المقتولين من أكفان وذكرى وعشب. صاروخ يهمي على عمارة، يموت سكانها طحنا تحت الأنقاض. رصاصات تنتشر كالعصافير في كل مكان، إلا أنها لا تغرد إلا بالموت.. مرعبة هي الحروب، مرعبة.. لم أكن في متحف اليهود لحادثة الهولوكوست سوى تلميذ أمام بشاعة الحرب العالمية الثانية.. لو فهمنا حقا ماذا فعلته الحرب العالمية الثانية بالعالم لفككنا الكثير من ألغاز ما يعيشه العرب، خصوصا في أوضاعهم السياسية. يغطي المعرض وضع اليهود في العالم منذ الأمد وحتى الحرب العالمية الثانية؛ عاداتهم وتقاليدهم، بيوتهم وأدوات طبخهم وأغراض أعراسهم.. يأخذك في رحلة حتىسجون الغيتوز والأفران التي أحرقهم فيها هتلر.. كان ذلك كله جديدا بالنسبة لي، أن أرى شواهد الفيديو والصور والأصوات وغيرها.. لا يرى إنسان هذا كله إلا ويتعاطف مع الإنسان في محنته والظلم الواقع عليه ومحاولة محوه. لكن، لم يمنع ذلك من تطاير غيظي من تصميمهم للقاعة الأخيرة المسماة: بعث اليهود. هذا البعث الذي يعنون به العودة إلى القدس.. هكذا فقط وبكل بساطة، بعد بشاعة ما لاقوه في الحرب العالمية الثانية.. أما بشاعة ما اقترفته الدولة الإسرائيلية من تدمير وتشريد واحتلال، فليس له ذكر، وقد أفردوا له مكانا: جدار أبيض تماما، ناعم ولا يحمل على ظهره شيئا سوى وعد غامض بشيء ما، لا أدري ما هو.. ربما يحمل ما ننتهي إليه بعد مشاهدة فيلم (Zaytoun). @MJHNews