فتح باب الابتعاث الخارجي نافذة واسعة للشبابنا من الجنسين على العالم، وعلى الرغم من الإيجابيات والثمرات التي قطفها الوطن، من المشروع التنويري الجبار، إلا أن ثمة منغصات تعترض طريق الفتيات، منها اشتراط وجود المحرم، ما شكل عقبة كأداء أمامهن، وحرمهن من تحقيق طموحاتهن على الرغم من تفوقهن الدراسي. واعتبرت ابتسام عبدالعزيز العمري (مديرة إحدى الشركات)، الابتعاث فكرة جبارة قدمتها الدولة لأبناء الوطن، لتطوير مداركهم وزيادة أفكارهم وخبراتهم، موضحة أن من المشاكل التي توجه الفتاة المبتعثة عدم وجود المحرم لأنه ليس كل الفتيات تستطيع أن توفر المحرم. وقالت العمري: «إذا لم تسافر الفتاة للابتعاث تخسر فرصة لا تعوض ومستقبلها وخدمة هذا البلد، فيجب أن نقوم بمعالجتها في نقاط معينة بحيث نوسع الوعي في المجتمع السعودي حتى يخدم الفتيات والشباب»، معتبرة المشكلة للفتيات المبتعثات تبدأ بالمحرم وتنتهي بتكيف الفتاة وتعايشها مع المجتمع الخارجي، خاصة أن الفتيات ليس لهن خبرة وعدم احتكاكهن بالعالم الخارجي إطلاقا. وذكرت أن المجتمع يحتاج إلى وعي كبير بالابتعاث وطرقه وكيفية التعامل في الخارج بالنسبة للمبتعثة، مشيرة إلى أن كثيرا من الفتيات رجعن إلى الوطن في بداية الابتعاث ولم يكملن المسيرة، لعدم تكيفهن مع الأجواء الخارجية. وأوضحت أن جهود الدولة مكثفة ولكن اليد الواحدة لا تصفق فيحتاج المجتمع إلى وعي كبير، مشددة على أهمية تعاون المجتمع والأسرة في هذا المجال، وأن يعرفوا أن مستقبل أبنائهم بيدهم ومساعدتهم لكي يتجاوزوا هذه النقطة. إلى ذلك، بينت الموظفة عبير فلمبان أن أبرز المشاكل التي تواجه الفتاة المبتعثة عدم وجود المحرم، لافتة إلى أنه يجب أن يكون الحل بيد الدولة، خصوصا أن هناك عددا لا بأس به من الفتيات لا يستطعن توفير المحرم. ورأت الحل لهذه المشكلة في الاتجاه للابتعاث الداخلي للطالبات في كثير من المجالات، مع توفير التخصصات المطلوبة بشكل كبير حتى لا تحرم الفتيات من التعليم العالي وخصوصا في التخصصات النادرة. وأشارت فلمبان إلى أن الابتعاث الخارجي يكسب الطالبة كثيرا من الصفات الجميلة منها الاعتماد على النفس في جميع أمورها الدراسية والحياتية والجدية في العمل. وتمنت آية ناصر وصديقتاها العنود خياط وليان ناظر (طالبات ثانوية على وشك التخرج) الحصول على الابتعاث لإكمال البكالوريوس في الخارج، مشيرات إلى أنهن يجدن أن الظروف تساعدهن لإكمال الدراسة في الخارج. واتفقن على أن الابتعاث إلى الخارج له مميزات إيجابية وسلبيات في الوقت ذاته، مشيرات إلى أن الطالبة تحوله إلى إيجابي عندما تستشعر المبتعثة أنها تمثل أهلها وبلدها الذي هو قبلة المسلمين، أما إذا لم تأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار فسيكون الابتعاث سلبيا. في حين، ذكرت فيافي أنه بعد تخرجها من الجامعة أرادت إكمال دراستها العليا في الخارج لتحقيق أحد أحلامها، إلا أنها اصطدمت بجدار المحرم كعقبة أولى يستحيل تجاوزها. وقالت: «حتى تفوقي لم يشفع لي ويقدمني على أخريات استطعن الابتعاث لتوفر المحارم حتى وإن كن أقل مني تفوقا، بعدها اضطررت للانتظار لسنتين حتى يبلغ أخي الأصغر الثامنة عشرة ليستطيع مرافقتي». وألمحت لمى إلى أنها استطاعت الالتحاق ببرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث فور تخرجها، وكان والدها مرافقها، ودرست لمدة سنة كاملة، إلا أنها اضطرت بعد مضي عام إلى العودة مع والدها، بسبب ظروف عائلية. وذكرت أنها اضطرت للزواج من أحد أقاربها لإكمال دراستها على الرغم من عدم رغبتها في الزواج خلال فترة الدراسة لتتفرغ لها بشكل كامل. وأشارت رنا إلى أنه بعد تسجيلها في برنامج الابتعاث تقدم لها خاطب، ووافقت عليه قبل موعد السفر بأيام عدة، مشيرة إلى أنها ارتكبت خطأ فادحا لأنها سافرت معه قبل أن تتعرف عليه جيدا، مبينة أنها عادت من بلاد الابتعاث قبل مرور سنة على سفري بسبب المشاكل الزوجية. بينما، ذكرت عبير أنها تقدمت لبرنامج الابتعاث وسط مباركة من عائلتها، وتقرر أن يكون شقيقها الأكبر محرما لها، «وبعد المضي في الإجراءات وقبل إصدار قرار الابتعاث ألقى أخوها القنبلة عندما صرح بأنه لن يستطيع الذهاب معها». وأشارت إلى أن حلمها بالابتعاث لم يكن بيدها بل في يد من سيقبل الذهاب معها، موضحة أنها شعرت أن كل ما قامت به لا معنى له طالما لا يوجد محرم يقبل مرافقتها. وأرجعت إيمان بايونس منع زوجها من مرافقتها في رحلة الابتعاث إلى أن الشركة التي يعمل فيها رفضت منحه إجازة طويلة، وحددوا له شهرين، وهي غير كافية، «لذا لا يستطيع زوجي ترك عمله ولا يمكنني الموافقة على قرار الابتعاث بدونه». وترفض الدكتورة جواهر قناديلي عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى (الإدارة التربوية والتخطيط) الموافقة على الابتعاث بالنسبة للفتيات دون مرافقة المحرم لها لأن الفتاة السعودية تختلف عن غيرها بسبب كونها منذ نشأتها مخدومة من ذويها فهي تعتمد على والدها وأخيها أو أحد أقاربها من المحارم في تدبر بعض أمورها. وتوقعت قناديلي أن تواجه الفتاة السعودية صعوبات ومعوقات تمنع مواصلتها للتعليم مثل اللغة ومواجهة مجتمع غريب عنها ومختلف دينيا واجتماعيا لذلك ترى أنه من الضروري جدا وجود المحرم. وفي السياق ذاته، أشارت أميمة محمد إلى أنها تخرجت من الثانوية بنسبة 99 % و وتقدمت إلى برنامج الابتعاث على إحدى الجامعات بالولايات المتحدةالأمريكية وتوقفت عند شرط المحرم ولظروف أشقائها العملية وارتباطاتهم الأسرية مكثت سنة أنتظر دون أي حل، لافتة إلى أنها قررت بعدها الالتحاق بجامعة الملك عبدالعزيز في تخصص علم اجتماع وتحطم كل طموحي بسبب شرط المحرم. كما ألمحت جوري العبدالله إحدى الطالبات المبتعثات إلى أنه بعد مضي سنتين من الدراسة في كندا، اضطر شقيقها المرافق إلى العودة للمملكة لظروف طارئة ولكن لم يعد إلا بعد أن أمن لي السكن مع مبتعثة من الأقارب. وقالت العبدالله: «وعلى الرغم من أن وجودي في بلد الابتعاث لا يتعدى أسوار الجامعة والسكن ومع هذا حرمنا حينها من المكأفاة، والتي أنا بحاجة إليها لأكمل مشواري التعليمي، مما أرغمني على العودة والتضحية بحلم الدراسة»، متمنية أن توجد الحلول المرضية التي تراعي المصلحة العامة، خصوصا أن المشكلة يعاني منها كثير من المبتعثات. واقترحت إبتسام محمد على وزارة التعليم العالي تأمين سكن للطالبات من خلال ابتعاث مجموعة من الطالبات إلى جامعات بعينها ويتم إسكانهن معا تحت إشرافها بشكل مباشر بوجود عدد من المشرفات والمسؤولات في الملحقية في بلد الابتعاث؛ لكي تستطيع الطالبة المبتعثة مواصلة دراستها في ظروف آمنة. واعتبرت قرار وزارة التعليم العالي بتطبيق إيقاف مكافآت الطالبات المبتعثات للدراسة خارج المملكة غير المتقيدات بشرط المرافق أو المحرم، غير منصف، خصوصا أن ولي أمرها لن يتركها في بلد الابتعاث إلا وهو مطمئن لحالها. في حين، بين نزار عبده أنه قرر تأجيل فكرة الزواج وقدم استقالته من إحدى الشركات الخاصة التي عمل فيها لمدة سنتين وسافر لمرافقة شقيقاته منى وفاطمة ولجين لإكمال دراستهن في طب الأسنان وعلوم طبية تطبيقية بإحدى الجامعات في بريطانيا، وفي بداية الأمر اضطر للبحث عن سكن مناسب يكون قريبا من الجامعة ولتوفير وسيلة مواصلات وتوفير الجو المناسب لشقيقاته وبعد سنة قرر الالتحاق بأحد المعاهد لتعلم اللغة الإنجليزية والتحق لإكمال درجة الماجستير في إدارة الأعمال. وأكد فارس الجارالله أنه ضد فكرة سفر البنت إلا مع محرم، منعا للفتنة والحفاظ على كيان المرأة وقد ورد ذلك في السنة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم»، مبينا أن علماء الأمة اتفقوا على أن سفرها بلا محرم لا يجوز حتى لو كان لواجبات شرعية أو دينية لا يجوز. وقال: «لا أعتقد في زماننا المليء بالفتن واضمحلال الأخلاق والقيم والانفتاح الكبير الذي نعيشه أنه بالإمكان أن تسافر المرأة لوحدها»، مشيرا إلى أن الفتنة تتفاقم حين تسافر الفتاة للدراسة في بلدان لا تمت للدين الإسلامي بصلة. واتفق الشاب عبدالملك الضبعان مع الجارالله أنه يرفض سفر المرأة للدراسة بالخارج دون محرم.