«عبور جديد قطعته مصر على نفسها عقب الثلاثين من يونيو سعياً وراء الاستقرار السياسي والاقتصادي، باشرت فيه الحكومة المصرية مهامها في ظروف صعبة أمنياً وسعت لتحقيق أهداف العدالة الاجتماعية والانسجام المجتمعي ومواجهة التحديات الاقتصادية. الدكتور حازم الببلاوي رئيس وزراء مصر، في هذا الحوار، الذي تنشره «عكاظ» بالتزامن مع «النهار» الكويتية، يسلط الضوء على ملابسات اتخاذ قرار إعلان الإخوان جماعة إرهابية، وتفاصيل اكتساح مفاهيم الوطنية وقيم ثوابت الدولة في استفتاء الدستور، وكيفية مواجهة الإرهاب في الشارع، وفرض سيادة القانون، وقوة الدولة في مواجهة الانفلات الأمني الذي تحاول بعض القوى فرضه على الشارع المصري، ومفردات حماية الاستثمارات ودعمها، وأهمية الحفاظ على أمن الخليج كركيزة في الشخصية الرسمية المصرية بعيداً عن التقارب الإيراني الأمريكي، كاشفاً عن مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية والروسية في المرحلة القادمة، ومستقبل مشروع تنمية قناة السويس.. وإلى نص الحوار.. دولة رئيس الوزراء بداية، هل اقتربت الدولة المصرية من التغلب على التحديات التي واجهتها الفترة الماضية؟ مثل كل الدول التي شهدت ثورات وقابلتها صعوبات وتحديات كان لمصر نصيب كبير في التحديات وكانت لديها أهداف تحقق منها ما يدعو للاطمئنان للمستقبل، ومازالت تواجهها بعض التحديات، لكن الصورة تدعو للتفاؤل، بعد التغلب على مظاهر العنف وتحقيق الاستقرار ومواجهة التهديدات السياسية بعد الاستفتاء على الدستور، وشعور المواطنين بقطع شوط في خارطة الطريق. ما طبيعة التحديات الأمنية؟ الأوضاع الأمنية متفاوتة بشكل عام، ومع ذلك تزداد سيطرة الدولة على الأمن مع الدعم الشعبي، فالحركات المناوئة، التي تأتي جماعة الإخوان على رأسها رغم فقدها الكثير من جمهورها، لم يعد لها سوى التمسك بالأوهام، وحركة التاريخ تؤكد أن جماعة الإخوان في النفس الأخير والدولة المدنية تسير نحو الثبات والتقدم، ومع اتخاذنا قرار إعلان الإخوان جماعة إرهابية كان التأييد من بعض الدول العربية وبدأت الدول الكبرى تعيد النظر في رؤيتها للوضع في مصر وفي توصيف الإخوان ودراسة تشكيلاتهم. عرضت عليك رئاسة الوزراء مرتين خلال المرحلة الانتقالية الأولى، فلماذا ترددت في المرحلة الأولى وقبلت في الثانية؟ في المرة الأولى كنت عضوا في حكومة الدكتور عصام شرف التي جاءت بعد الثورة، وبعد أحداث محمد محمود كنت أشعر بأن الحكومة لابد أن تقدم استقالتها، وكنت من الذين يرون أننا لن نستطيع الاستمرار في ظل حادث محمد محمود، لان الناس بدأت تفقد ثقتها في الحكومة، وقدرتها على توفير الأمن. وبعد خروجي من الوزارة اتصل بى الفريق سامي عنان رئيس الأركان ونائب رئيس المجلس العسكري آنذاك وعرض علي تولي رئاسة الحكومة، لكنني رفضت، لأن الناس كانت تريد إسقاط الحكومة، فكيف أقبل بأن أكون رئيس الحكومة الجديدة، وكنت أحد أعضاء الحكومة التي تطالب المظاهرات بإسقاطها؟، وأبلغت الفريق عنان برفضي النهائي أما عند تشكيل الحكومة الحالية، فقد فاتحني نائب الرئيس وقال لي إن الرئيس عدلي منصور يرشحني لتولي الحكومة، وقلت له إن البلد في وضع أمنى سيئ، وأنا رجل اقتصاد، «ويا ريت تجيبوا رجل أمن»، وأكون أنا أحد أعضاء الحكومة، وبعدها حصل اتصال آخر من هذه الشخصية، ووافقت على قبول رئاسة الحكومة. هل كان من الأفضل إعلان الجماعات الموالية للإخوان المسلمين كأنصار بيت المقدس وجيش مصر الحر كجامعات إرهابية بدلا من إعلان الإخوان تفادياً لعنفهم مرحلياً؟ القانون المصري يجرم الإرهاب بكل صوره.. فالإرهاب جريمة ليست ظاهرة قانونية فقط بل لها جوانب سياسية محلية وخارجية، ومع ازدياد الأمر الأمني سوءاً هددت الجماعة الدولة لذلك كان لابد من إعلانها جماعة إرهابية، أما من يرى إعلان بيت المقدس وما يسمى «جيش مصر الحر» جماعات إرهابية بدلا من الإخوان فهذه اجتهادات مثل من يرتدي كرافة حمراء بدلا من أخرى زرقاء. هل صحيح، كما أثير في وسائل الإعلام، أن ثمة اختلافا كان داخل مجلس الوزراء حول إعلان الجماعة منظمة إرهابية؟ لم يكن كذلك وأريد أن أقول أن مجلس الوزراء يضم مجموعة من أفضل الكفاءات، ومن اتجاهات سياسية متعددة وهذا مصدر للإثراء، ولم أجد شخصا واحدا يعترض، لكن النقاش كان حول كيف يشكل القرار وكيف الإعلان والمبررات وما هي النتائج؟ لكن في نهاية الأمر كان اجتماعا جاداً وثرياً ساهم فيه كل واحد بمزيج من اختلاف الرؤى الذي يكمل الصورة . ذهبت بعض الاجتهادات الإعلامية إلى أن الدكتور حازم الببلاوي ربما لم يكن متحمساً لهذا القرار؟ بالعكس أنا من طرح قرار وضع الإخوان على قائمة الإرهاب بعد انتشار العنف المفرط من قبل أعضاء الجماعة.. وقلت آن الأوان لنتخذ قراراً حاسماً. كيف تتصدى الحكومة لعنف الإخوان وأنصارهم في المرحلة المقبلة؟ الدولة لن تسمح بالعبث بالمقدرات الاقتصادية، وستتصدى بقوة لكل من يقوم بالأعمال الإجرامية، فالإرهاب لن يثني مصر وشعبها العظيم عن المضي قدما في تنفيذ خارطة المستقبل، ولن ينجح في تعكير صفو ما حققه الوطن بالاستفتاء على الوثيقة الدستورية الجديدة يومي 14، و15 يناير. بما تفسر الخروج الكثيف للجماهير في استفتاء على الدستور؟ يوما الاستفتاء كانا من أسعد الأيام التي مرت على المصريين، وسيذكرهما التاريخ مع أيام سابقة بأن الشعب خرج ليؤكد على أن ثمرة ثورتي 25 يناير و30 يونيو بدأت تكتمل وتتبلور وأن الشعب بكافة جموعه مازالت لديه القوة والحيوية لرفع صوته لإعلاء كلمته ورأيه، لدعم المفاهيم الوطنية والحفاظ على كيان الدولة هل دولة رئيس الوزراء متفائل بمستقبل الاقتصاد المصري في المرحلة المقبلة؟ بالتأكيد لدي حالة تفاؤل مبعثها العديد من المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي باتت واضحة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، فالاقتصاد له مقدمات وأهم هذه المقدمات هي الأمن والأمان، ثم الاستقرار السياسي وضمان الحقوق والحرية لكل المواطنين. ما الفلسفة الاقتصادية للحكومة؟ في ضوء الحالة الخطيرة التي آلت إليها الأوضاع الاقتصادية في يونيو الماضي فقد اعتمدت الحكومة الانتقالية إعطاء الأولوية لتوفير احتياجات البلد من المواد التموينية والبترولية سواء من خلال الموارد الذاتية أم بمساندة الدول العربية الشقيقة ولإعادة تكوين الاحتياطيات اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي والنقدي، وإعادة انتظام مؤسسات الدولة الاقتصادية ومصالحها عن طريق تمكين أصحاب الخبرة والكفاءة في الجهاز الحكومي من إدارته، وهذان الإجراءان يمثلان المقدمة الضرورية لتحقيق الاستقرار والأمن الاقتصادي. وقد اتخذت الحكومة سياسة إنفاق توسعية برغم ندرة الموارد وارتفاع عجز الموازنة إلى مستويات غير مسبوقة، بهدف تحفيز وتنشيط الاقتصاد وتوفير الخدمات الأساسية خاصة للفئات محدودة الدخل وخلق فرص عمل جديدة وتعويض الانخفاض في معدلات الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي ودفع الاقتصاد للخروج من حالة الركود، فقد وضعت الحكومة نصب أعينها أن عليها وضع الأسس والسياسات والبرامج متوسطة المدى ذات الطبيعة الهيكلية والبعد الاجتماعي من أجل تحقيق التوازن الاقتصاد وإصلاحه وإعادة هيكلته لكي يكون أكثر عدالة. إذن ما هو برنامج الحكومة للتنمية الاقتصادية؟ لدينا ثلاثة محاور في هذا الإطار هي: اتخاذ إجراءات عاجلة تهدف إلى تخفيف عبء المعيشة عن المواطنين، وتنفيذ خطط لتحفيز الاقتصاد وتنشيطه خلال زيادة الإنفاق الاستثماري وإصدار مجموعة من الإصلاحات التشريعية والمؤسسية التي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والوقاية من الفساد.. وإدراكاً من الحكومة بأن إحداث تغيير جذري في طبيعة الاقتصاد يتطلب مجموعة من البرامج والسياسات الكبرى التي يمتد تنفيذها لعدة سنوات ويكون أثرها تدريجيا لإحداث هذا التغيير النوعي، ولكي يتسنى للحكومات القادمة أن تستكمل ما تراه مناسباً من هذه البرامج، وهى أولا: البرنامج القومي لإصلاح مناخ الاستثمار، وثانيا: البرنامج القومي لتمويل البنية التحتية، وثالثا: إطلاق عدد من المشروعات التنموية العملاقة، ورابعا: بناء شبكة الحماية الاجتماعية، وخامسا: برنامج التطوير المؤسسي، وسادسا: برنامج تسجيل العقارات غير الرسمية. ما هي حزم التحفيز الاقتصادي التي تبنتها الحكومة؟ في إطار حزمة التحفيز الاقتصادية الأولى تم فتح اعتماد إضافي بالموازنة العامة بمبلغ 29 مليار جنيه من أجل تنفيذ حزمة من البرامج الاستثمارية والاجتماعية التي تستهدف تنشيط الاقتصاد وقد تم تمويل هذا الاعتماد الإضافي عن طريق استخدام حوالى نصف مبلغ الوديعة المالية والتي كانت مربوطة في حساب خاص لدى البنك المركزي، وهو المبلغ الذي تراكم منذ حرب الخليج الأولى، فيما جرى إضافة باقي المعادل بالجنيه المصري إلى بند الحسابات المؤقتة ذات الأرصدة لوزارة المالية لدى البنك المركزي المصري بما يساهم في خفض عجز الموازنة العامة للدولة. وفي إطار حزمة التحفيز الاقتصادية الثانية تم تدبير التمويل اللازم لهذه الحزمة من خلال الموازنة العامة والتوقيع علي اتفاق إطاري للمنحة المقدمة من دولة الإمارات العربية المتحدة لتمويل مشروعات تنموية تبلغ حوالى 20 مليار جنيه. ما هي الإجراءات العاجلة التي تم اتخاذها لتخفيف العبء عن المواطنين؟ هناك إجراءات كثيرة ومتنوعة على كافة الأصعدة لتخفيف الأعباء عن الطالب، مثل إعفاء طلاب المدارس العامة من المصاريف المدرسية بالكامل وإعفاء طلاب الجامعات من مصروفات المدن الجامعية الحكومية لمدة عام دراسي، كذلك تخفيف الأعباء عن المزارعين بشطب مديونيات المتعثرين عن السداد. كيف يتحقق التوازن بين النمو والعدالة؟ الإجراءات العاجلة التي اتخذتها الحكومة لكي تعيد النشاط الاقتصادي عقب تشكيلها غير كافية لإحداث تغيير جذري في طبيعة الاقتصاد ودفعه نحو التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، وإنما يلزم لذلك مجموعة من البرامج والسياسات الكبرى التي يمتد تنفيذها لعدة سنوات ويكون أثرها تدريجيا لإحداث هذا التغيير النوعي، ومع ذلك فإن الحكومة الانتقالية قد بدأت في تصميم وإعداد وتنفيذ برامج لكي يتسنى للحكومات القادمة أن تستكمل ما تراه مناسبا. ماذا عن مشروع محور قناة السويس؟ وما هي آفاق المستقبل لهذا المشروع، وما هي عوائده على الاقتصاد المصري؟ في إطار سعي الحكومة لتنفيذ المشروعات التنموية العملاقة، فقد استهلت الحكومة عام 2014 بالإعلان عن أسماء التحالفات الاستشارية المؤهلة لشراء كراسة شروط مشروع تنمية قناة السويس، ومن المنتظر الانتهاء من عملية إعداد المخطط العام للمشروع لعرضه على مجلس الوزراء في غضون تسعة أشهر، كما سيتم طرح المشروع للحوار المجتمعي لتلقي الملاحظات من أهل الرأي والخبرة، حيث إنه مشروع المستقبل لشباب مصر والأجيال المقبلة، وقد تم اختيار هيئة قناة السويس كمظلة لهذا المشروع العملاق، لما لها من سمعة عالمية جيدة، ولقدراتها البشرية والصناعية والاقتصادية الكبيرة التي أهلتها لتحمل هذه المسؤولية الكبيرة. ما هي الفوائد المنتظرة من هذا المشروع؟ هناك فوائد عدة أهمها تنمية ودفع عجلة الاقتصاد القومي المصري باستغلال عبقرية الموقع بمنطقة قناة السويس وخلق كيانات صناعية ولوجيستية جديدة بمنطقة المشروع تعتمد على أنشطة القيمة المضافة والصناعات التكميلية من خلال مناطق توزيع لوجيستية يتم تجهيزها لهذا الغرض، واستغلال الكيانات الحالية، بالإضافة لمشروعات تطويرها المستقبلية، وتشجيع رؤوس الأموال الوطنية والعربية والأجنبية وجلب أكبر قدر من الاستثمارات للمشاركة في تنفيذ المخطط العام للمشروع، وخلق رواج اقتصادي بالمنطقة وإتاحة أكبر عدد من فرص العمل لأبناء مدن القناة وسيناء والمحافظات المجاورة. ونظرا لأهمية هذا المشروع العملاق فقد بلغ عدد التحالفات المتقدمة للحصول على كراسة شروط مشروع تنمية إقليم قناة السويس 46 تحالفاً وتم اختيار أفضل التحالفات وعددها 14 تحالفاً من بين 33، وذلك وفقاً لمعايير التقييم الموحدة، وهذه التحالفات الأربعة عشر هي المؤهلة للحصول على كراسة شروط المشروع. هل تستطيع الحكومة الآن حماية المستثمرين والاستثمارات؟ الحكومة تعمل على توفير كل سبل الأمن والاطمئنان للمستثمر الحالي والوافد واحترام كل التعاقدات الماضية والحالية والمستقبلية وتشجيعها وتحفيزها وفق كل الآليات المتاحة. كيف ترى الموقف الكويتي اقتصادياً وسياسياً؟ لا خلاف على تدعيم دولة الكويت الشقيقة لمصر على المستويين السياسي والمادي عقب ثورة 30 يونيو، وهو فعل متوقع بين الأشقاء الذي يجمعهم تاريخ يحتذى، ليس وليد اللحظة. كيف ترى مستقبل العلاقات «المصرية الأمريكية» و«المصرية الروسية»؟ الولاياتالمتحدةالأمريكية لها دور كبير باعتبارها القطب الواحد واللاعب الرئيسي استناداً على علاقة استراتيجية تمتد لثلاثة عقود، ولا شك أن الولاياتالمتحدة في الفترة الماضية كانت ترى أن الأوضاع المصرية غير مستقرة ولكن التغيير الكبير الذي حدث ووضوح مفردات الاستقرار عقب إقرار الدستور شكل تغييرا نسبيا في رؤية الإدارة الأمريكية بشكل إيجابي، وهذا بالطبع لا ينسينا مراعاة أصدقائنا الروس بشكل عملي على جميع المسارات السياسية والاقتصادية والعسكرية. كيف تنظر الحكومة المصرية إلى أمن الخليج في ظل تنامي النفوذ الإيراني؟ أمن الخليج واستقراره هو محور أساسي في الرؤية المصرية وثابت لا يجوز المساس به، بغض النظر عن حالة الانفراج الجديدة في العلاقات بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإيران التي قد تؤثر على المنطقة لكنها تحصيلا وبشكل نهائي لن تؤثر على موقف مصر من الخليج ودعمه وحماية أمنه، فهذا المعيار الأمني له الأولوية الأولى التي لا يجوز المراهنة فيها للحكومة المصرية وإرادتها السياسية. هل تقبل رئاسة الحكومة في ظل الرئيس المقبل؟ لن أقبل هذه المهمة مرة أخرى عقب انتهاء المرحلة الانتقالية.. رئاسة الحكومة الحالية مهمة انتحارية وقبلتها عالما بأعبائها، وسعيد بالتضحية التي قدمتها حتى الآن، وصعب جدا أن يفكر الواحد في فعل شيء بعدها. كيف ترى رئيس مصر القادم؟ مصر تستحق أن يحكمها الفترة المقبلة رئيس قوي لديه رؤية وقادر على اتخاذ قرارات صعبة، فالفترة المقبلة فترة بناء، والأهم من هذا هو أن يتمتع بثقة الناس ويقنع المصريين، فثورتا 25 يناير و30 يونيو أيقظتا الشعب المصري، والشعب لن يسمح بانتخاب فرعون جديد ومن يحيد عن الطريق لن يتركه.