التقاعد مبدأ حتمي لا يستطيع أحد أن يؤخره أو يقدمه حتى لو كان يحمل أعلى الدرجات العلمية ويراكم عشرات الخبرات فلن تكون شفيعة له في الاستثناء أو التمديد إلا فيما ندر وضع تحتها ماشئت من خطوط. متجاهلين مبدأ هاما تأخذ به المجتمعات التي تقدر العلم والخبرة المتراكمة لأن تكوينها وتعويضها يحتاج إلى سنوات طويلة لذا العلماء والخبراء في كل المجالات لا يتقاعدون إلا إذا طلبوا أو أصبحت ظروفهم الصحية قاسية تجبرهم أو مؤسساتهم على التقاعد، وكم أعرف من علماء في علوم البحار والزلازل وأطباء في تخصصات نادرة ودقيقة خضعوا لهذا القانون ولم يع قطاعنا الخاص كيفية الاستفادة من تخصصاتهم. يتقاعد المرء لدينا وهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى لأنه يجد نفسه فجأة بعد سنوات طويلة وخدمة عتيدة على فيض الكريم وكلنا تحت فيضه. فالراتب يتعرض للانكماش إلى أقصى درجة ممكنة ويتجرد بالطبع من البدلات والمواصلات وإلخ إلخ ليبقى وحيدا فريدا لا يسمن ولا يغني من جوع في ظل التضخم المتزايد وارتفاع أسعار السلع والخدمات والسكن الطردي. والأسرة لا تتقلص فجأة مثل الراتب المسكين، بل تظل على حالها تحتاج إلى كل شيء كما لا يخرج كل الأبناء إلى حياتهم الخاصة كما هو مفترض في سن تقاعد والديهم، نظرا لشيوع الزواج المتكرر وتضخم حجم الأسرة بوجود كل الأجيال في مجتمعنا، وأنا أصف هنا الحال العام للمجتمع مما لمسته ولا أخص فئة أو جماعة. ثم أليست المعيشة العادية الآدمية تتطلب كلا من (إيجار – غذاء – علاج – ماء - كهرباء مصروفات منزل ومدرسة) مع التغاضي عن الرفاهية تماما. فأين ذلك كله من الرواتب التقاعدية الشحيحة التي يصل بعضها إلى 1700 ريال بالكمال والتمام فحمدا للكريم. لذا غالبا ما يجد المتقاعد نفسه محشورا في زاوية الطلبات من جهة، وقلة الحيلة من جهة أخرى، خاصة أنه في سن وصحة لا تمكنه من العمل غالبا. وحتى لو أراد فالقطاع الخاص يرفض سرا، أو علنا، من تجاوز الثلاثين حتى، واسألوا طالبي الوظيفة تجدون الخبر الأليم. لذا تدفقت المطالبات الملحة من المتقاعدين والمتقاعدات بأن يرفع سقف الراتب التقاعدي بما يتناسب مع تكاليف المعيشة الحالية. ويتم تعويضها استثمارا لأموال التقاعد والتأمينات وليس ذلك بمعضلة بل يبث روحا جديدة في الاقتصاد الوطني. وقد شكل تصريح المالية بأنهم غير مشمولين بفئة الحد الأدنى للراتب صدمة لعدد كبير من المتقاعدين. وقد اقترح الكثيرون رفع الراتب التقاعدي إلى 5000 آلاف ريال هو الحد الأدنى لمواجهة تكاليف المعيشة المرتفعة من وجهة نظرهم التي اطلعت عليها أو قرأتها. كما أن استثمار أموال التقاعد سيوفر علاوة سنوية محسوبة تتناسب مع تكاليف الواقع المعاش للمتقاعدين فليس من المنطقي والمعقول أن يستمر المعاش التقاعدي مكانك سر في مواجهة ضراوة الأسعار المتزايدة في كل شيء. فهل نظل نركض حتى ونحن غير قادرين على ذلك بل ويركض من حولنا معنا. فهل التقاعد وثيقة تخرجك لحياة السكينة وراحة البال أم لبداية ركض جديد. ومن شجون إلى شجون ألقاكم.