في وقت مازالت فيه آمال 630 ألف متقاعد معلقة، في انتظار تحقيق جملة مطالب وتطلعات تضمن لهم ولأسرهم حياة مستقرة، تستعد مؤسسة التقاعد لاستقبال ما يزيد على 30 ألف متقاعد جديد، ستدفع بهم القطاعات الحكومية المختلفة لينضموا إلى شريحة مهمة من شرائح المجتمع بعد أن أمضوا جزءا كبيرا من حياتهم في خدمة الوطن.ورغم التقدم الكبير في طبيعة وحجم التعاطي مع ملف التقاعد والمتقاعدين، وتنامي الاهتمام بهم كشريحة مهمة ومؤثرة، وبدء مناقشة مشاريع متعلقة برفع المستوى المعيشي لهم ولأسرهم، وبحث آليات الاستفادة من خبراتهم، وتوفير المزيد من الخدمات لهم بما يضمن شغل وقت فراغهم وتأهيلهم للانتقال السلس إلى مرحلة أخرى من حياتهم، رغم كل ذلك إلا أن موعد التنفيذ أو الشروع فيه لا زال محل سؤال، والجواب عليه مسؤولية جهات متعددة. أمل عبدالرحيم حديثة عهد بالتقاعد، وتصف تجربتها التي لم تتجاوز عامها الثاني بالصعبة، وتقول: رغم أني شغلت وقتي بالمشاركة في الأعمال التطوعية، وأعددت لنفسي برنامجا يوميا منظما، يخفف من وطأة ابتعادي عن العمل التي فوجئت بقسوتها، ورغم أن مرتبي التقاعدي جيد ولله الحمد، إلا أنني ومن خلال تجربتي القصيرة واحتكاكي بمتقاعدات ومتقاعدين كثر لمست أن ثمة مشاكل وعقبات تواجههم، ومن أبرزها تدني رواتبهم ومن المهم العمل على إعادة النظر فيها بما يتناسب وغلاء المعيشة، وإعادة النظر في راتب المتقاعد المتوفى، بحيث يستمر كما هو في حالة زواج الابنة أو عمل الأبناء دون استقطاع، إضافة للتأمين الصحي. وهو ما أكد عليه المتقاعد أحمد حسن الزهراني الذي وصف أن الراتب الذي يحصل عليه بالمتواضع وقال: بعد التقاعد انقطعت الزيادات وحجبت العلاوات والمميزات، وما بقي لا يكفي ولا يسد الحاجة، وهذه معاناة كثير من المتقاعدين، وبالذات المرأة التي لا عائل لها، وإعادة النظر في هذه القضية أصبح ضرورة تزداد أهميتها مع الوقت خصوصا في ظل الارتفاع المتزايد للأسعار. التأمين الصحي ولا تقف مشاكل المتقاعدين ومعاناتهم مع انخفاض المرتبات الشهرية فحسب، بل تمتد لتشمل جوانب أخرى يصفونها بالضرورية ولا تقل أهمية عن رفع الحد الأدنى للراتب، ويروي محمد المهدلي تجربته في هذا الجانب بقوله: بعد أن أحلت إلى التقاعد، فوجئت بأن معاناة المتقاعدين تصل حد الإهمال وعدم اللامبالاة، وأذكر أنني راجعت مصلحة التقاعد لاستخراج شهادة تعريف حتى أتمكن من استقدام عاملة منزلية، ورغم كبر سني فضلا عن أنني متقاعد إلا أنني عانيت كثيرا للحصول على طلبي، فهل يعقل أن يعامل إنسان أفنى أكثر من نصف عمره في تأدية واجبه أن يعامل في نهاية الأمر بهذه الطريقة. حجب الخدمات المتقاعد حسين عابد المالكي يقول أنه فوجئ بعد تقاعده أن كثيرا من الخدمات العامة حجبت عنه، ويقول: ذهبت لإحدى الوكالات لشراء سيارة بنظام الإيجار أو التقسيط، فأخبرني مسؤول المبيعات أن نظام الشركة لا يسمح للمتقاعدين الاستفادة من هذه الخدمة، وهذه إحدى العقبات التي تواجه المتقاعدين ولا بد من إيجاد حل لها. خدمات إضافية كنا كمتقاعدين نطمح إلى ما هو أبعد من إعادة النظر في قيمة الراتب الشهري، يقول المتقاعد علي الحارثي، نحن نتطلع إلى التأمين الصحي، والحصول على تخفيضات في تذاكر الطيران والفنادق والمستشفيات، نتطلع إلى أولوية في منح القروض، وتوفير المساكن. حقوق المتقاعدين الدكتور يوسف محمد الحباب الباحث في الشأن الوظيفي وحقوق المتقاعدين، يقول: في وقت تشير فيه تقارير علمية بأن عمر الإنسان بعد عام 2000م سيكون (120 عاما) بسبب تقدم العلوم الطبية والزراعية والوعي العام والبيئة وتبعا لذلك ضاعفت من اهتمامها بشريحة المتقاعدين والمسنين من خلال مصلحة خاصة تعنى بهم خصوصا في مجالات الراتب التقاعدي والرعاية العلاجية والسكن للمسنين، وفي أمريكا كنت أتلقى اتصالات من مندوبي شركات التأمين لعرض برامجهم في التأمين الصحي مع تذكيري بأنه إذا أصبح عمري (65 عاما) فلن استطيع التأمين على صحتي فكنت أجيبهم بإذن الله عز وجل أعطانا الحياة والصحة وأنا مسلم ومؤمن بالله وبالقدر فإذا انتهت حياتي فلا يستطيع أحد أن يحييها. ويضيف: إن الأمر لا يقتصر على الصحة بل هناك أمور كثيرة تقف عقبة أمام المسن ولابد من إيجاد الحلول لها كحرمانه من برامج التقسيط والتسهيلات التي تمنح لغيره ممن هم أصغر سنا. فضلا عن حقه في أن يعيش سعيدا مرفها في مرحلة مهمة من تاريخ حياته. مشاريع لدعم المتقاعدين الفريق متقاعد عبدالعزيز بن محمد الهنيدي رئيس مجلس إدارة الجمعية الوطنية للمتقاعدين أكد أن الجمعية قامت خلال الفترة الماضية بجهود متعددة في مجالات عدة منها العمل على رفع الحد الأدنى لمرتبات المتقاعدين إلى أربعة آلاف ريال، وتمكنا من تحقيق تقدم واضح في هذا الجانب من خلال التنسيق مع الوزارات والقطاعات المختلفة، وقال: لا شك أن ثبات المعاش التقاعدي يمثل معاناة حقيقية للمتقاعدين فالمتغيرات فيما يخص الأسعار والوضع المعيشي العام متغير وفي أحيان كثيرة لا يلبي المعاش التقاعدي الحاجات والالتزامات المهمة للمتقاعد، واقترحنا على ضوء ذلك استحداث علاوة سنوية على المعاش ترتفع بشكل تدريجي عكسي، بحيث ترتفع النسبة كلما كان الراتب أقل، على أن لا تقل العلاوة عن 3 %. وأضاف الهنيدي: استطاعت الجمعية أن تكثف اتصالاتها مع كافة الوزارات والجهات الحكومية مثل وزارة المياه والكهرباء والهيئة العامة للسياحة والآثار ووزارة الشؤون الاجتماعية ممثلة في الضمان الاجتماعي ووزارة الصحة ووزارة الإسكان، وناقشت العديد من الموضوعات مثل التأمين الصحي للمتقاعدين وتخفيض فواتير الكهرباء والسياحة الموجهة للمتقاعدين والتخفيضات في الفنادق والشقق المفروشة ووسائل النقل المتعددة وكذلك مشكلة الإسكان التي يعاني منها غالبية المتقاعدين. وأوضح الهنيدي أني مطالب وتطلعات المتقاعدين تتلخص في رفع الحد الأدنى لمرتبات المتقاعدين إلى أربعة آلاف ريال، وعلاوة سنوية للمتقاعدين لمواجهة التآكل في قيمة المرتب بفعل غلاء المعيشة والتضخم وخلافه، والتأمين الصحي للمتقاعدين، إكرامية بمرتب شهر للمتقاعدين في شهر رمضان، تخصيص نسبة لا تقل عن 10 في المائة للمتقاعدين من برامج الإسكان، ولكي تقوم الجمعية بواجباتها التي تسعى إليها خدمة للمتقاعدين فإن الجمعية بحاجة إلى دعم مالي سنوي لا يقل عن عشرة ملايين ريال ليتسنى لها تنفيذ مشاريعها ونواديها التي سيكون لها أثر إيجابي على نفسية ومعنوية المتقاعدين. علاوة سنوية أوضح الدكتور عبدالرحيم بن مشني الغامدي أن الجمعية لمست من خلال فروعها المنتشرة بكافة مناطق المملكة قلة الخدمات المخصصة للمتقاعدين ومن الأحوال المعيشية السيئة التي يعانيها غالبيتهم، فهناك متقاعدون كثر مثقلة كواهلهم بالديون ولحاجتهم الدائمة للاقتراض؛ لأن معاشاتهم التقاعدية الشهرية ضعيفة جدا لا تسد حاجات أسرهم الكبيرة وبالرغم من أن المتقاعدين حصلوا على بدل غلاء معيشة مضافا إلى رواتبهم إلا أن أسعار المواد الغذائية الأساسية في ازدياد، فضلا عن إيجارات العقارات التي تقصم ظهورهم. زد على ذلك المعاناة الأكبر التي تعتر الأزمة لغالبية المتقاعدين، والمتمثلة في عدم امتلاك مسكن لأكثر من 60 في المائة من المتقاعدين. والجمعية الوطنية للمتقاعدين مع قربها من هذه المعاناة وإحساسها بثقل وطأتها إلا أنها تنظر بإيجابية نحو توجه الدولة للاهتمام بفئة المتقاعدين وتوفير حياة كريمة لهم ولأسرهم، لذا نأمل في مزيد من الدعم والمؤازرة لفئة المتقاعدين وتوفير الخدمات اللازمة لهم وسن الأنظمة الكفيلة بحفظ حقوقهم، وتطوير أنظمة التقاعد الحالية بما يكفل العيش الكريم لهم وزيادة الحد الأدنى للمعاش التقاعدي وضمان علاوة سنوية للمعاش التقاعدي، وإيجاد مزايا للمتقاعدين والمتقاعدات في المؤسسات الخدمية المختلفة كأولوية الخدمة تقديرا لسنهم، والإعفاء من رسوم الخدمات الحكومية، كخدمات المرور، الجوازات، وتأشيرات العمالة المنزلية، ومنحهم تخفيضات مناسبة في وسائل النقل الرسمية، مثل الخطوط السعودية والقطارات.