فأن تكون حرا كامل الحرية، هذا يعني ان تعيش في عالم خاص بك وحدك لا يشاركك العيش فيه أحد، فمن طبيعة العيش مع الآخر التخلي عن كمال الحرية، وجود الآخرين في حياتك يقيدك، كما أن وجودك في حياتهم يقيدهم. إني لا أرى الفرق بين الحرية والعبودية، في أن تكون قادرا على فعل كل ما تود فعله، وانما في أن لا ترغم على فعل ما لا تود فعله، هناك فرق كبير بين أن تمتنع عن فعل ما تود بمحض إرادتك، أو أن تمتنع عنه نزولا عند إرادة غيرك. في الحالة الأولى تكون حرا قادرا على أن تفعل ما تشاء لكنك تقيد نفسك بقيد تختاره أنت، قد يكون قيدا أخلاقيا أو دينيا أو إنسانيا، فتكف يدك تحرم نفسك من الاقتراب مما يحلو لك الاقتراب منه، بمحض إرادتك ونزولا عند رغبتك أنت لا رغبة أحد غيرك. أما في الحالة الثانية، فإنك قد ترغب في إتيان فعل ما تتوق إليه نفسك، لكنك لا تستطيع، فتشعر أنك عاجز عن إتيانه بسبب قيد خارجي طوقت به يداك. وشتان ما بين الحالين !! في الحالة الأولى، أنت سيد ذاتك، تختار من الفعل ما تشاء وتترك ما تشاء، أما في الحالة الثانية، أنت عبد ذليل تساق حسب مشيئة غيرك لا تملك الخروج عنها !! في حياتنا العامة نجد أن ثقافة مجتمعنا بنيت على غرس خلق العبيد في النفوس بدلا من خلق الأحرار، فما اعتادت عليه ثقافة المجتمع هو فرض القيد الخارجي على الناس لإلزامهم بالعادات والتقاليد والأنظمة وغيرها مما ترى فيه مصلحة عامة أو خلقا ساميا، فيكون ذلك سببا في فتور الرغبة في الالتزام عند كثيرين، لأن الناس يشعرون بثقل القيد في المعصم وغالبا لا يرون النفع المرجو منه. ولعل أقرب مثال على هذا موقف عامة الناس من ساهر، فهم لم يروا في ساهر سوى أنه أداة لجباية المال منهم، فصاروا يلتزمون بالسرعة التي يحددها متى اقتربوا منه، ثم يعودون إلى سرعتهم التي اعتادوها متى اطمأنوا إلى ابتعادهم عن منطقة سلطته، غير مدركين للخطر الذي يعرضون أنفسهم وغيرهم للوقوع فيه بتجاوزهم السرعة النظامية. إن المنهج التربوي المعتمد على سلب حرية الاختيار والمرتكز على القيد الخارجي، في تحقيق ما يسعى إلى بلوغه من قيم وانضباط في السلوك، غالبا ما ينتهي إلى الفشل في تحقيق ذلك. فحين يكون منهج الإكراه هو المنهج السائد، فإنه سرعان ما يخذل صاحبه، إذ من السهل التحرر من القيد الخارجي عند غياب واضعه، أما القيد الذاتي فإنه ليس كذلك، القيد الذاتي يرتديه الفرد بإرادته مؤمنا بقيمته، لذلك هو نادرا ما يتحرر منه حتى وإن لم يجد حلاوة فيه.