شاءت الأقدار أن أشاهد – لأكثر من مرة – برامج منافسات ومسابقات للشباب العربي – من المحيط إلى الخليج – وكلها ذات أسماء أجنبية ومضامينها واحدة: أحسن الأصوات، حيث يمنح الفائز من الجوائز ما تقر به عينه. لكن ما لفت نظري في هذه البرامج، برنامج يحمل عنواناً أجنبياً، يتحدث عن مواهب العرب، يستضيف أربعة – ضيوفاً دائمين – من لبنان ومصر والسعودية، يقومون بالتحكيم، أو التعليق على ما يقدمه المتنافسون من (مواهب)، وكثيراً ما تأتي تعليقاتهم متكلفة لا تزيد على: رائع، جميل، ممتاز، وإن لم تخل من ألفاظ سب، هي من قبيل المدح بما يشبه الذم، كما يقول البلاغيون. أقول لفت انتباهي هذا البرنامج، لكونه يتحدث عن العرب، بينما عنوانه بلغة أجنبية، وإن ما يقدم فيه ليس بمواهب على الإطلاق، لأن الموهبة هي شيء ممنوح، غير مكتسب، فلا يمكن أن أسمي الرقص موهبة، فلا يولد المرء راقصاً، وإنما يتدرب على أداء حركات بعينها، حتى يتقن هذه الحركات، فيصبح راقصاً، ومع هذا، اعتبر معدو البرنامج ومقدموه الرقص موهبة. والعجيب أيضاً في هذا البرنامج، أن معظم الفقرات التي قدمها المشاركون فيه هي أداء (رقصات) وإن اختلفت أشكالها، وكأن العالم العربي من الخليج إلى المحيط قد شغله الرقص عن كل اهتمامات الحياة الأخرى. كنت أتوقع من برنامج يعرض لمواهب العرب، أن يقدم لنا ما يزخر به عالمنا العربي بالفعل من مواهب شبابية في مجال العلوم والآداب وغيرها مما يدخل في مفهوم الموهبة، التي تم تزوير معناها من خلال هذا البرنامج وما شابهه. ماذا قدم للعالم من مواهب عربية في هذا البرنامج؟! رقص.. غناء.. بهلوانات.. تهريج.. سخافات، بل وحماقات، في الوقت الذي يقدم لنا الأعاجم من المواهب ما نستفيد منه جميعاً في حياتنا. أطفالهم يبدعون، وأطفالنا يلعبون. شبابهم يخترعون، وشبابنا يرقصون. رجالهم ونساؤهم، يقدمون للبشرية ما يسهم في حل مشكلاتها. ورجالنا ونساؤنا، يقدمون للأسر والعائلات الجالسة أمام التلفاز ما يلهيهم عن مشاكلهم، ويفسد أحياناً أذواقهم.