•• بالرغم من النبرة غير المتفائلة التي سبقت اجتماع قادة دول مجلس التعاون الست يوم أمس في الكويت تجاه صدور موقف موحد من موضوع الانتقال من الصيغة الحالية إلى الاتحاد بين دول المجلس إلا أن الجهود التي تبذلها الكويت وأمير الكويت باعتبارها دولة مستضيفة للقمة تركز على ضرورة الإبقاء على الحد المناسب من التفاهم بين الدول الأعضاء وترك الباب مفتوحا لتحقيق توافقات أفضل نحو هذا الموضوع بصورة أكثر تحديدا وذلك ما سوف يعكسه إعلان الكويت اليوم وقرارات القمة في اجتماع القادة الختامي وذلك بالتركيز على دعم الخطوات القائمة ومتابعتها سواء على المستوى المالي أو الاقتصادي والإنمائي وتوسيع دوائر التسهيلات وتنسيق الجهود بين الشركاء الستة.. •• وليس من المتوقع أن تصدر قرارات معينة في هذه القمة بشأن قيام الاتحاد الخليجي.. وإن تضمنت القرارات إشارات إلى تقدم فعلي في موضوع الاتحاد الجمركي والعملة النقدية الخليجية المشتركة والبنك المركزي الخليجي وبعض المزايا التي تكرس مفهوم المواطنة الخليجية.. بالإضافة إلى تأكيدات جديدة على أهمية دعم وتعزيز التعاون العسكري وضرورة تطوير قوة درع الجزيرة وتوحيد الأنظمة الدفاعية المشتركة باعتبارها لبنات أساسية تمهد لقيام الاتحاد في الوقت المناسب. •• وبمعنى آخر.. فإن القادة الخليجيين يتجهون اليوم وبعد لقاءات الأمس الثنائية التي سبقت أو أعقبت الجلسة الافتتاحية إلى التأكيد على أهمية المضي في تدارس مشروع الاتحاد من جميع الجوانب باعتباره خيارا هاما وضروريا، وذلك بعرض استكمال جميع مقومات إطلاقه .. وإن كانت هناك وجهة نظر أخرى .. فإن الانتظار قد يؤدي إلى تعقيدات للموقف على الساحتين العربية والإقليمية وكذلك على الساحة الدولية وإن تطورات الأحداث المتسارعة قد تفقد دول المجلس ورقة المبادرة الهامة في إغلاق الباب أمام مشاريع خطيرة تفرض تحركاً خليجياً أسرع تحقيقاً للتكامل المنشود .. وتوفيراً للحد المطلوب من التنسيق التام في المواقف والسياسات الخارجية .. وتقريب وجهات النظر حول القضايا الإقليمية الراهنة .. وبالذات الوضع في سوريا .. ومصر .. وتونس .. وليبيا .. وكذلك تجاه ما ترتب على الاتفاق الأخير بين كل من روسيا وأمريكا حول الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها النظام السوري وتحول الموقف العام من الدعم للمعارضة السورية إلى تغليب الحل السياسي والضغط لصالح عقد مؤتمر جنيف/2 في نهاية شهر يناير القادم بكل ما قد يسفر عنه من إطالة عمر النظام بحجة تفشي الإرهاب داخل سوريا وتجاهل ظروف تنامي وجود هذه القوى الحقيقية واستقطابها من قبل النظام بالاتفاق مع الإيرانيين وبالتعاون مع حزب الله اللبناني بهدف إعطاء الانطباع للمجتمع الدولي بأن الصراع الموجود داخل سوريا هو بين سلطة النظام وقوى متطرفة وخطيرة.. وليس بين النظام والشعب السوري الذي تمثله المعارضة .. •• وبالرغم من إنفاق أكثر دول مجلس التعاون على طريقة التعامل مع الوضع السوري .. ووقوفها مع المعارضة واستعدادها لدعمها .. وكذلك دعم الدول المتضررة من هجرة مئات الآلاف منهم وتدفقهم عليها كالاردن ولبنان ومصر .. إلا أن دولة عمان ترى عدم الانخراط بقوة في الشأن السوري وإعطاء فرصة كافية للعملية السياسية .. وهو ما تطالب به روسيا وتدعمها إيران فيه بقوة .. ويحبذه «حزب الله» ويسعى إليه النظام السوري.. لكن موقف الدول الخمس الأخرى يبدو أكثر انسجاماً .. على أهمية دعم المعارضة والوقوف خلفها في محادثات جنيف وتعزيز مطالبتها ومساندتها في موقفها الحازم من إيقاف سفك الدماء .. وعدم مشاركة الأسد في المرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة وفاق وطني تعمل على إقامة مؤسسات برلمانية فاعلة تمكن الشعب السوري من إدارة شؤون بلاده بنفسه .. وقبل هذا وذاك أن ترتهن سوريا لإرادة وطنية وتغادرها جميع القوى والأطراف الخارجية ولا تتدخل في قراراتها وخياراتها المستقبلية. •• أما الموضوع الآخر الذي لا تبدو دول المجلس متفقة بأغلبية كبيرة في التعاطي معه .. فهو الاتفاق الأخير الذي عقد بين الدول (5+1) وإيران حول البرنامج الإيراني النووي .. وإن اتفق الجميع على أنه خطوة مهمة وأن نجاح هذه الخطوة مرهون بمعرفة ما سوف يتبعها من خطوات تكفل عدم تهديد دول المنطقة وتضمن سلامتها وتؤكد استعداد إيران لانتهاج سياسة جديدة تنأى فيها بنفسها عن الشؤون الداخلية لدول المجلس الست .. وأن أول اختبار لإيران في هذا الاتجاه هو اتخاذها خطوة عملية في اتجاه إعادة الجزر الإماراتية الثلاث عبر مفاوضات جادة ومباشرة بين الطرفين .. وتوقف سياساتها القائمة على إثارة الفتن في دول المنطقة .. وتعميق الفجوة بين شعوبها بإثارتها للنعرات الطائفية وإضعاف النسيج الخليجي الموحد.. •• هذا الاتفاق على الأطر العامة .. تتفاوت دول المجلس في بحث تفاصيله.. تفاوتاً كبيراً .. حيث ترى قطر أن التعامل مع طهران في المرحلة القادمة يجب أن يكون مختلفاً .. فبدلا من القطيعة والتوجسات فإنها بصدد الاتجاه إلى إقامة شراكات قطريةإيرانية واسعة من شأنها ومن وجهة نظرها أن تشجع إيران على التخلص من عقدة الشعور بإقصائها عن الشأن الخليجي الذي تعتبره جزءاً هاماً في حساب أولوياتها.. كما أن قطر ترى أن الفجوة الثقافية مع إيران قابلة للمعالجة بمزيد من الانفتاح في هذا المجال وتبادل البرامج والبعثات والتعاون المتعدد الأغراض .. وهو ما تختلف معها فيه أكثر دول المجلس وإن اتفقت معها عمان إلى حد كبير .. وإن أخضعته دولة الإمارات للدراسة والمراجعة على ضوء ما قد تحمله المستجدات التي أعقبت الاتفاق الأخير بين إيران ودول الغرب وأمريكا .. وإن كان القرار الإماراتي النهائي يتوقف على ما سوف تبديه إيران من مرونة بشأن قضية الجزر .. وإن فضلت أن تسير العلاقات في المرحلة القادمة على مسارين .. مسار فتح باب الحوار المعمق بين الطرفين حول الجزر الثلاث ومسار توسيع دوائر التعاون في المجالات الاقتصادية على وجه الخصوص .. •• في حين ترى مملكة البحرين أن إيران مطالبة بتقديم أدلة ملموسة وعلى الأرض لما تتحدث عنه من رغبتها في تحسين علاقاتها بدول المجلس .. وترجمة تلك الأقوال إلى افعال من شأنها أن تساهم في تهدئة الأوضاع في الخليج وذلك برفع الغطاء عن الممارسات التي لا تخدم هذا الاستقرار ولا تجعل دول المنطقة في حالة توتر دائمة بإشعال الفتن بداخلها وتأجيج النفوس ضد بعضها البعض وخلق حالة من الانقسام بداخلها .. •• في الوقت الذي تنظر فيه المملكة إلى الاتفاق المشار إليه نظرة قبول يتوقف نجاحه على ما ستقوم به إيران من خطوات عملية تؤكد رغبتها في التحيز لكل ما يؤدي إلى ترسيخ قواعد الأمن والاستقرار في الخليج ويثبت حسن نوايا إيران فيه .. وعدم تطلعها إلى ممارسة أدوار تقترب بها من الوصاية على المنطقة .. تحت أي ظرف .. ولاسيما بعد أن توصلت إلى اتفاق مع الدول الأوروبية وأمريكا حول برنامجها النووي .. وبما يشجع على إيقاف أي تهديد من هذا النوع وغيره لدول المنطقة وشعوبها .. وهو الاتفاق الذي ما زال تحت الدراسة من قبل الدوائر الخليجية المعنية وتطبقاته ستظل محل الرصد والمتابعة حتى لا يكون جزءا من صفقة غير مقبولة .. أو على حساب دون الخليج مجتمعة بما فيها أي دولة لا ترى خطراً من وراء هذا الاتفاق بل وتعتبره خطوة في إطار إزالة المخاوف الخليجية في وقت تعتقد أكثر دول الخليج أنه قد يكون أداة لتغيير التوازنات الحالية في المنطقة والإخلال بالحسابات السائدة فيها.. •• وتعتبر دولة الكويت في موقع الطرف المرجح باعتبارها دولة المقر التي تعقد فيها القمة .. وباعتبار أن الوقت مبكر للحكم بصورة نهائية على ما قد يسفر عنه الاتفاق المشار إليه .. وهي الرؤية التي ترى معها الكويت أن المجموعة الخليجية وإن كانت متفقة على مبدأ قيام الاتحاد الخليجي فيما بينها إلا أن هذه التطورات الأخيرة تستدعي التريث لبعض الوقت لسببين اثنين هما: (1) تهدئة النفوس وبذل المزيد من الجهد لحلحلة القضايا المعلقة أو المختلف عليها .. وكذلك لإذابة بعض مظاهر الجفاء بين بعض عواصمنا بسبب تفاوت مواقفنا السياسية تجاه بعض قضايا المنطقة. (2) إعطاء الاتفاق بين إيران والدول الست فرصة أطول لمعرفة ما سوف يترتب عليه من إيجابيات أو سلبيات .. حتى يكون القرار عند ذاك أكثر موضوعية وجزماً .. وأقرب إلى التوافق منه إلى الاختلاف. •• ومن الواضح أن هذا التوجه هو الذي قد يسود في النهاية وبالتالي يركز عليه إعلان الكويت وقرارات القمة اليوم.. •• وبصورة عامة .. فإن أجواء الاتفاق أو الاختلاف هذه لم ولن تحول على ما يبدو دون إدراك جميع الدول الخليجية لخطورة ما يحدث في المنطقة.. وإن استقر الرأي على أن الحاجة تبدو ملحة لمزيد من الاتصالات بين قادة الخليج الستة في الفترة القادمة بهدف التشاور المعمق حول تسريع الجهود الخاصة بالتغلب على المشكلات التي تعترض طريق العمل الخليجي الموحد .. حتى وإن بقيت دولة واحدة خارج إطار الاتحاد في المرحلة الأولى من قيامه مع استمرار الجهود المبذولة لإذابة الجليد والإبقاء على النسيج الخليجي موحداً .. لأنه لا مصلحة لأحد في عدم اكتمال العقد الخليجي بمواجهة تلك الأخطار التي لن تستثني أحداً .. •• ولا تستبعد مصادر عكاظ أن تعقب هذه القمة جهود خليجية مشتركة من ثلاث دول أو أكثر للاتصال ببعض الدول الكبرى .. وتدارس مجمل الأوضاع معها بعمق وتخفيف حدة الاختلاف حول مستقبل المنطقة والعمل معاً على إبعاد الخليج عن التوترات ويمكن دولها وشعوبها بأن تستمر في أداء واجبها تجاه تأمين الاستقرار لأوطانها والحفاظ على المصالح المشتركة فيها .. وعدم تعريضها لأي أخطار قادمة نتيجة اي إخلال بالتوازنات الموجودة فيها .. •• كما لا تستبعد مصادرنا .. أن تتكثف الجهود التي تقوم بها اللجان المتخصصة بهدف تسريع خطوات العمل حول مشاريع التكامل الاقتصادي الحيوية والتغلب على بعض العقبات تمهيداً للدعوة إلى قمة خليجية خاصة تبحث موضوع الاتحاد قبيل عقد القمة الخليجية القادمة الخامسة والثلاثين والاستفادة من الوقت الواقع بين قمة الكويت والقمة التالية لها .. في إعادة قراءة الواقع الجديد .. سواء في إطار العلاقات مع إيران، أو على مستوى الأحداث والتطورات المرتقبة في كل من سوريا .. ومصر .. وكذلك في تونس وليبيا واليمن .. توخياً لاتخاذ قرارات تاريخية وغير عادية .. •• لكن أحداً لا يشك أبداً في أن الاتحاد أصبح خياراً وحيداً حتى وإن بدأ بدولتين أو ثلاث دول .. في المرحلة الأولى .. وأن هناك قناعة أكبر بأن الاتحاد لن يبدأ بأقل من (5) دول من دوله الست.. وحتى عمان التي بدت وكأنها غير متحمسة للالتحاق بالاتحاد فإن الجهود ستتواصل لاستيعابها في المستقبل.. وإن كانت هناك رؤية في أن تدخل الاتحاد دول عربية أخرى في الوقت المناسب أيضاً.