المملكة رئيساً للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة «الأرابوساي»    "التجارة" تكشف مستودعًا يزور بلد المنشأ للبطانيات ويغش في أوزانها وتضبط 33 ألف قطعة مغشوشة    وفد عراقي في دمشق.. وعملية عسكرية في طرطوس لملاحقة فلول الأسد    مجلس التعاون الخليجي يدعو لاحترام سيادة سوريا واستقرار لبنان    الجمعية العمومية لاتحاد كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية لخليجي27    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استشهاد خمسة صحفيين في غارة إسرائيلية وسط قطاع غزة    السعودية وكأس العالم    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    المملكة ترحب بالعالم    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    وطن الأفراح    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفكر الحديث والإبداع الفني بوابة العرب إلى المشهد العالمي
نشر في عكاظ يوم 07 - 12 - 2013

هل أصبح قدرنا انتظار معارض الكتاب كي نحس بانتعاشة وحراك ثقافي؟ لقد أصبحنا بعيدين كل البعد عن الدخول الثقافي السنوي الذي تعرفه الدول المتقدمة عامة، حيث يعدون العدة طوال شهور ليكون الموسم الثقافي في أبهى حلة ثقافية وأدبية ولينعم القارئ بإصدارات جديدة فيها المتعة والمنفعة والإثارة. بحيث تستعد دور النشر لإصدار عناوين جديدة، تنافس بها على جوائز أدبية عديدة. في فرنسا وحدها نجد عشرات الجوائز الأدبية التي تخلق نقاشات وسجالات تسيل مدادا كثيرا وأفكارا جديدة تساعد على بعث حياة مختلفة في المشهد الثقافي. كما تستعد المسارح وقاعات الموسيقى والمتاحف ودور العرض الفني إلى إطلاق برامجها السنوية المنوعة. أين نحن إذن من كل هذا الحراك والزخم الثقافي؟ هل تعتقد أن الدول العربية تغيب عنها سياسة ثقافية تخطط وتبرمج بتنسيق مع مراكز ومؤسسات ثقافية ومهتمين بالشأن الثقافي لصياغة خطة مستدامة يسهر عليها مثقفون ومتخصصون تنطلق في شهر محدد سلفا، ولابد للإعلام المكتوب والمسموع والمرئي أن ينخرط بغيره في هذه الحملة الثقافية حتى تصير تقليدا سنويا لا يمكن الاستغناء عنه.
هذه الأسئلة، حملناها إلى مجموعة من المثقفين العرب، هذه شهاداتهم:
الرقي والابداع
تصرح القاصة الأردنية حنان بيروتي في شهادتها قائلة: «لا تنقصنا الإمكانيات المادية ولا البشرية ولا المواهب في مختلف الفنون، نمتلك ملاعب كرة قدم، ومسارح، وآلات موسيقية، ومكتبات، لكن.. أليس من حقنا أن نتساءل: لماذا يظل أقصى طموح للكاتب في وطننا العربي تحقيق الانتشار عربيا؟ لم الأدب العربي حاليا متأثر وليس مؤثرا؟ إلى متى يظل متاخرا مقلدا منتظرا وليس رائدا فاعلا سباقا؟ لم لا نمتلك مسرحا منتظما مؤثرا وفي الوقت نفسه خلاقا على سوية من الرقي والابداع؟ لماذا نتوقع الكثير ولا نحصد إلا الخيبات؟ ما العراقيل التي تقف في وجه التنمية الثقافية العربية؟ أيننا من خطط التمنية الثقافية المستدامة ومواسم الدخول الثقافي السنوي في الدول المتقدمة؟
في أرضنا براعم لمواهب أصيلة واستثنائية لكنها تذبل قبل الأوان، وكثيرا ما تقطف أولى ثمار النجاح والإنجاز ثم تختفي، فكأنما تحاصر بسؤال النجاح، أو ربما لا نستوعب مجتمعا ومؤسسات وأفرادا متطلبات استمرارها ودوام نموها، فتختنق وتموت فيها جذوة الإبداع.
كم من الأقمار لدينا انطفأت قبل الأوان؟ وكم من المواهب ذوت وماتت فيها روح التألق سريعا، وغابت تلك الدهشة التي تشد المرء للإبداع والعمل والعطاء وحصد ثمار النجاح؟ كم من المواهب ضاعت بين مستلزمات الصقل ومتطلبات الحياة اليومية، وتكسرت على جدار الحاجة المادية ومتطلبات االعيش؟!
نحن للأسف نمتلك شيئا ونفتقد بالمقابل الكثير من الأشياء، وما نمتلكه تنخره الوساطة والعديد من الأمراض، رعاية المواهب تتم غالبا بشكل انتقائي ترتكز على الفنون الشعبية السهلة أو المستسهلة كالغناء مثلا، فنحن نرعى المواهب بانتقاء شعبي مزاجي، وبذائقة متدنية وبنظرة ضيقة لا علاقة لها بالفن وليست مبنية على أسس دقيقة ومقاييس على سوية فنية رفيعة، ونستثمر الرعاية لإمتاع الجماهير بهدف مادي، أما المواهب الأدبية والرياضية والعلمية التي تحتاج لتقييم مبني على أسس علمية فأمر مختلف، من النادر أن تجد من يلتفت إليهاز
الثقافة تحتاج إلى رعاية ممنهجة ومنتظمة، وليست موسمية أو مزاجية أو قائمة على الوساطة والمحسوبية والشللية، ثمة دعم مادي للثقافة لكنه يعاني من سوء توزيع، ويخضع لمعايير تبادل المنفعة الخاصة وليس العامة وخدمة الثقافة والارتقاء بمستواها. الإبداع والفنون بشكل عام لا تحتاج لمقومات مادية فقط، تحتاج لرقي حضاري وإنساني وعمل منهجي، ومراكمة خبرات وتبادل تجارب، وعمل متواصل تراكمي تكاملي، وإخلاص وقناعة وانتماء، وجدية حقيقية، بحاجة لآلية في اكتشاف المواهب ورعايتها ودعمها طيلة مشوارها كي لا تعرف النهايات المبكرة.
رعاية الثقافة تتم بشكل موسمي وغير ممنهج، وزير الثقافة في معظم الدول العربي يتم تغييره مع كل تعديل وزاري تقريبا، ولكل وزير رؤيته وأهدافه وأسلوبه مما يشتت خطة الارتقاء والتنمية الثقافية –إن وجدت–، ثمة خوف من التعامل مع المؤلفات والنتاجات التي تحمل جدة في الأسلوب أو جرأة في الطرح. يحتاج المبدع العربي عامة والكاتب خاصة لمن يسوقه إعلاميا دون الحاجة لأن يضطر لنسج شبكة من العلاقات الاجتماعية الواسعة والنفعية التي تهدر وقته وكرامته، يحتاج لمن ينشر نتاجه ولمن يأخذ بيده.
الكاتب لا يستطيع أن يكون مبدعا وناشرا ومدير أعمال لأن في هذا استنزافا لطاقته، هل نحن في الوطن العربي عامة ودون تخصيص نحتفي بمن يستحق الاحتفاء فعلا؟
نشر النتاج الإبداعي مكلف وأحيانا يكون غير مجدٍ، النشر الورقي أحيانا يتعرض لسوء توزيع ويتم تخزين الكتب كما تخزن الحبوب، لا يتم تسويقه بالشكل الكافي والمناسب، علينا أن نعترف بأن الإقبال على القراءة بات في تراجع مستمر وبوجود أزمة في القراءة تظل الأزمة معلقة، ثمة حاجة لإيصال ما يكتبه المبدعون للقراء وللجيل الصاعد، ثمة حاجة ملحة لإعادة ثقة الجيل بنفسه وبحضارته وبلغته وبناء علاقة من جديد وهي ثقة باتت للأسف مزعزعة وتتناهشها سوء الظروف والأحوال القائمة إنسانيا واجتماعيا وحتى أخلاقيا، الجيل بحاجة لإعادة الثقة ومد جسور التواصل مع معطيات واقعة وإعادة فهمها والتعاطي معها.
في الأردن ثمة نقاط مضيئة مثلا، اختيار مدينة للثقافة سنويا، ومازال دعم نشر الكتب الإبداعية من قبل وزارة الثقافة متواصلا، كما تم استحداث مشروع التفرغ الإبداعي 2007، وجوائز الدولة للآداب، وجائزة للرواية وللإبداع الطفولي والشبابي وغيرها لكنها تظل غير كافية ولا تنعكس بالصورة المطلوبة إيجابيا على المشهد الثقافي وتأثيرها غير فاعل بالصورة المؤثرة على الخريطة الإبداعية، بحاجة لإيجاد جوائز دورية جادة جديدة في مختلف الفنون الأدبية منتظمة ومحكمة وموضوعية وعلى سوية عالية كي تشكل حافزا للإبداع وتخلق جوا للتنافس الصحي أسوة بما يحصل في الدول المتقدمة.
التنمية الثقافية هي جزء من كل، وهي عملية تكاملية في مختلف المجالات ثقافية اجتماعية سياسية اقتصادية.. لينبغي التركيز عليها بصورة متكاملة لكن لا يخفى في ظل الظروف الحالية القاهرة والصعبة والهزات التي تتعرض لها المجتمعات العربية أن ثمة عراقيل كثيرة تعترضها، فالتحدي كبير والحلم مازال بعيدا لكنه لا يموت.
لعل التنمية الثقافية من أصعب أشكال التمنية لأنها لا تتحقق ولا تكون إن لم يصاحبها تنمية شاملة، الأدب كالنبات يحتاج لرعاية وسقي وشمس وهواء كي ينمو ويزهر ويخضر ويعطي الثمار، يشترك في المهمة صاحب الموهبة الذي تقع على كاهله المسؤولية الكبرى، ففي داخل المبدع الحقيقي طاقة متجددة على المثابرة والاستمرار والسعي للإبداع وإيصال ما بداخله، والدولة بمؤسساتها تضطلع بدور الداعم الحقيقي والرافد والحاضن، لكن ذلك كله لا يكفي، ثمة متطلبات لا تأتي بكلمة ولا تكون بشعار، متطلبات النضج الفكري والحضاري للمجتمع كي يتعامل مع الموهبة بما يليق، يحترم خصوصية وضعها، ولا يحاصرها بالاستنكار والتعجب والاستهزاء أو الاهمال، النضج الثقافي والإنساني والحضاري ركائز لنمو الفنون وازدهارها ووصولها لمستوى راقٍ وعالٍ يضاهي ما وصلت إليه الفنون في العالم.
وجود الملعب بمواصفات دولية لا يعني وجود فريق مؤهل وقادر على الاستمرار وقطف ثمار الفوز، المسرح المجهز بكافة الإمكانيات ليس بالضرورة أن يعرض مسرحيات على سوية فنية عالية.. تلك هي المسألة التي تحتاج لبحث وقراءة دقيقة وموضوعية، وخطط بعيدة المدى، فالوصول إلى الرقي يحتاج لمراحل للارتقاء، وإلى الصعود التدريجي الذي لا يتخلله تقهقر للوراء».
المثقف والواقع
ويجيب أيضا الروائي والناقد اليمني محمد الغربي عمران عن تساؤلنا قائلا: «إذا استثنينا دول الخليج الست التي تعمل جاهدة على أن يكون لها المشهد الثقافي الخاص والناجح والمنظم.. فهناك برامج تعد.. وهناك خطط سنوية ممولة بشكل جيد. وهناك جوائز كبيرة تقدم هي الأولى في الوطن العربي من حيث التنظيم والقيمة. ولا يمكن أن نتحدث عن المشهد الثقافي العربي بشكل عام فهناك تباين واضح بين مغرب الوطن العربي ومشرقه.. وتباين بين دول المغرب ذاتها.. وكذلك تباين بين دول المشرق.. وكل قطر له مشهده الخاص.. إلا أن المشهد العربي في ظل ذلك التباين يظل مشهدا مرتبكا. بالفعل دول غربية أو شرقية متى ما امتلكت القدرات والإمكانيات من حيث توفر المال والوعي.. والعمق الثقافي الذي يعتمد على التراكم المعرفي.. فإن ذلك ينتج مشهدا ثقافيا مبرمجا وديناميكيا. فماذا تنتظر من مجتمع لا يمتلك القدرات ولا الإمكانيات.. ولا التراكم المعرفي؟ بالطبع ستجده يحاول اللحاق بغيره من المجتمعات الفاعلة بتوافر مواردها وعمق تجربتها. المال عنصر مفصلي يا سيدي.
بالفعل أضحت لنا جوائز عدة، فمثلا هناك جائزة البوكر العربية التي تنظمها سنويا الإمارات العربية المتحدة.. وهناك جائزة الشيخ زايد.. والعويس.. والطيب صالح في السودان وعشرات الجوائز المغاربية والمشارقية.
وهناك مئات دور النشر.. ونستطيع أن نقيم بعضها خاصة تلك التي أضحى لها تجربة طويلة في عالم نشر الثقافة. إذن ليس الأمر بذلك الشكل السلبي. فهناك مشهد ثقافي وإبداعي متباين من قطر إلى آخر.. ومن جناح إلى ثانٍ.. لكنه في تصوري مبشر بخير.. وأجزم أن الغد أكثر تقدما.. وأكثر عطاء، إن قست موازنة دولة فرنسا.. ودولة كمصر.. أو حتى السعودية.. فستجد الفارق ضخما.. وكبيرا جدا. وإن عرفنا كم الموازنة المخصصة للثقافة في فرنسا وفي الوطن العربي قاطبة سندرك الفارق المهول.. ناهيك عن وجود المؤسسات الثقافية العريقة هناك.. بمعنى أن المسألة مسألة موارد في المقام الأول.. ثم وعي.. وعي مجتمعي بأهمية تنمية الثقافية والإبداع، وهكذا ينعكس كل ذلك على المسرح والسينما ودور النشر، والبرامج الثقافية السنوية.
نحن موجودون وليس شرطا أن نكون في مستوى بريطانيا أو اليابان.. كما هو الفارق بين مشهدنا الثقافي وبين مشهد دول لا ترقى إلى ما نحن فيه.. نتيجة لندرة الموارد والمخصصات لديها، وكذا عدم وجود الوعي المجتمعي بخصوص هذا الشأن.. إضافة إلى عدم تبلور فكر ناضج في أوساط النخب السياسية والفكرية.
وهذا لا يعني أننا في مستوى جيد، بل متخلف.. لكنه مقبول، وعلينا تطويره والعمل من أجل الرقي به دون أن ننظر إلى أن علينا أن نكون مثل فرنسا أو نسخة أخرى للمشهد الثقافي والإبداعي لروسيا أو اليابان.
والثقافة والمشهد الثقافي في الوطن العربي أفضل من أمسه.. وحتما سيكون غده أكثر رقيا وتطورا كما ذكرت.. هناك غياب للنخب المثقفة، ولكن يأتي ذلك في ظل شح الإمكانيات والموارد والموازنات الكافية.. فلا تكفي النية، ولا تكفي العاطفة.
الجانب الآخر الإعلام في وطننا العربي، مشغول بإذكاء الحرائق والفتن وما نتابعه من بعض القنوات يدل على ذلك، بل بعضها مخصص لإدارة الحروب، وقد خصص لها تلك الموازنات الضخمة، وكم كان حريا لو وظفوا جزءا من المساحة الإعلامية لما يخدم المشهد الثقافي وتطوره، اليمن ضمن ذلك المشهد الثقافي العربي المتباين.. تنقصها الموارد، والهم الكبير للسياسي يتركز في جانب الجيش والخدمات الحياتية الأخرى، وهكذا لا تحصل الثقافة إلا على نسبة لا تتجاوز ثلاثة في المائة أو خمسة من موازنة الدولة السنوية.
وهذا لا يمثل شيئا.. إذا عرفنا أن مجتمعاتنا العربية تتحدث عن الثقافة بهمة عالية وضجيج مفتعل لكنها لا تقدم للثقافة من موازناتها وإمكانياتها إلا اليسير.. وتظل الإشادة والكلام العام يلحق الضرر بالمشهد الثقافي في كل قطر عربي».
التخبط الثقافي
ويرى الروائي والصحفي السوري عدنان فرزات أن التخبط الثقافي هو جزء من منظومة كبيرة للتخبط العربي: سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا.. ولكن من حيث المبدأ، هناك مواسم ثقافية عربية، ولكنها مرتجلة وغير منظمة، وليس لديها خطة، وهذا يرجع غالبا إلى أمرين: بالنسبة للمؤسسات الثقافية الحكومية، فإن القائمين عليها غالبا ما يكونون موظفين وليسوا مثقفين، وربما أن بعضهم لا يعرف هذا الأديب من ذاك، وقد يكون الموسم الثقافي لديهم قائما على مدى قرب الأديب من النظام وموالاته، بحيث يكون النشاط المخصص له على سبيل المكافأة. أو لأن المحتفى به لا يجلب «الصداع» للقائمين على الموسم الثقافي الرسمي. أما بالنسبة للمؤسسات والأندية الثقافية الخاصة، فهذه إمكانياتها محدودة، وليس في وسعها أن تفعل الأفضل، كما أن وسائل الإعلام غير متاحة لها بالشكل الأمثل.
هذا الأمر يتعلق بشكل أو بآخر، إما بالجهل أو الفساد الثقافي، الجهل بأهمية المثقف في صنع القرار الحضاري، وبالتالي فهو مقصي ومهمش. أما الفساد الثقافي، فهو هدر الميزانيات المخصصة للعمل الثقافي -على ضآلتها- في غير موضعها، بحيث لا تعمل هذه الأموال في مجال التنمية الثقافية، وإنما في مجال المجاملات الثقافية، أو بتبديدها على مواسم ثقافية ضعيفة، تكاد تكون بروتوكولية أكثر منها ذات فائدة علمية».
مواطن الضعف
وحول الوضع الثقافي في المغرب تقول القاصة المغربية المغربية فاطمة الزهراء المرابط، رئيسة الراصد الوطني للنشر والقراءة بطنجة: «هل يمكننا الحديث عن دخول ثقافي بالمغرب؟ وهل يتوفر المغرب على بنية تحتية لممارسة الفعل الثقافي؟ وهل يمكننا المقارنة بين المغرب والدول المتقدمة؟ هي أسئلة تجرنا إلى متاهات لا محدودة، خاصة وأن المشهد الثقافي المغربي يعرف أزمة حقيقية نتيجة عوامل ذاتية متعلقة بالمثقف نفسه، وعوامل موضوعية متعلقة بالمحيط والمؤسسات المعنية. بل يعرف المشهد الثقافي تذبذبا خطيرا في ظل السياسة الارتجالية وغياب إستراتيجية ثقافية واضحة المعالم، وبالتالي لا يمكننا الحديث عن النتائج الثقافية وتقييمها ومعرفة مواطن الضعف والقوة فيها، ومن ثم السعي لتطوير العمل الثقافي والرفع من مستواه، ليواكب ركب الثقافة الغربية. لكن للأسف، الثقافة المغربية لا تشكل هاجسا لدى المؤسسات المعنية ولا تدخل ضمن الأولويات الأساسية في المجتمع المغربي، لذلك يصعب علينا الحديث عن الدخول الثقافي بالمغرب.
فالمغرب يعاني من بنية ثقافية هشة وضعيفة، مقارنة مع الدول المتقدمة، نظرا لغياب المشاريع الثقافية الجادة والهادفة، وكذا غياب المؤسسات الفاعلة والداعمة للعمل الثقافي. إذ إننا في أمس الحاجة إلى هذه المؤسسات من أجل إنعاش المشهد الثقافي الذي يتأرجح بين المد والجزر. كما أننا في حاجة إلى دور نشر حقيقية ذات صبغة إبداعية، تبحث عن كتب قيمة وأسماء جديدة، خاصة وأن أغلبية دور النشر المغربية ذات أهداف تجارية محضة، تساهم من حين لآخر في إغراق السوق الوطنية بإنتاجات أدبية لا تمت للثقافة بأي صلة في غياب الرقابة الإبداعية، كما نحتاج إلى حملة إعلامية لترويج الكتب الجديدة وتحفيز القارئ على الإقبال عليها. لكننا نلاحظ العكس، فأبواب الإعلام مفتوحة في وجه شريحة معينة من المثقفين والمبدعين والمفكرين أو ما يصطلح عليه بالأسماء الوازنة. في حين يطال التهميش الأقلام المغمورة والناشئة، الذين لا يجدون أمامهم سوى المواقع الإلكترونية والمنتديات الأدبية لتفريغ طاقاتهم الإبداعية، في ظل التمييز الذي يمارسه الإعلام المغربي.
كيف نتحدث عن دخول ثقافي بالمغرب؟ والكاتب لازال يطبع وينشر كتابه على نفقته الخاصة ويوزعه بإمكانياته المتواضعة، ولا يجد من يلتفت إليه، فالمنتوج الثقافي يعتبر بضاعة كاسدة في السوق الوطنية، في غياب مجتمع قارئ يعتبر الكتابة ضرورة يومية وحياتية، خاصة وأن الميزانية التي تخصصها الأسر المغربية للثقافة لا تتجاوز واحدا في المائة، بسبب غياب ثقافة القراءة والاستهلاك الثقافي.
كيف نتحدث عن دخول ثقافي بالمغرب؟ والثقافة الحقيقية لا تحظى بأي التفاتة سواء من طرف المؤسسات الداعمة أو من طرف الوزارات والجهات المعنية بهذا المجال، في حين نجد أن مبالغ مالية ضخمة تذهب لفائدة مهرجانات لا تخدم الثقافة المغربية، ولا تحقق للمتلقي سوى تسلية وفرجة عابرة، بحيث تصرف ميزانية الثقافة على الفنانين المحليين والمستوردين من الخارج، دون أن ننسى ما تحظى به هذه التظاهرات الرسمية من مواكبة إعلامية سمعية وبصرية وورقية، في حين تعاني أغلبية الجمعيات والإطارات الثقافية غير الرسمية من التهميش والحرمان من الدعم المادي، وتضطر إلى الاعتماد على المساهمات الشخصية والتسول من أجل تنظيم بعض التظاهرات الثقافية التي تنعش المشهد الثقافي من حين لآخر، في انتظار أي التفاتة من طرف المؤسسات الرسمية والداعمة، وهذا ما نلاحظه في بعض المدن الصغيرة والهامشية التي تناضل بإمكانياتها البسيطة من أجل حمل مشعل الإبداع والرقي بالثقافة المغربية.
كيف نتحدث عن دخول ثقافي في ظل هذه الوضعية؟ ربما، يمكننا الحديث عن الدخول المدرسي الذي يشكل هاجسا حقيقيا لكل الأسر المغربية والأطر التعليمية، كما يشكل هاجسا لدى بعض دور النشر والمطابع التي تنشغل بشكل كبير بالكتاب المدرسي الذي يتصدر واجهات المكتبات المغربية، هذا الكتاب الذي أفرغوه من محتواه الثقافي، مما يدل على تراجع الكتاب المغربي.
في ظل هذه الأزمة الخانقة التي يعاني منها المشهد الثقافي، وفي ظل غياب البنية التحتية للعمل الثقافي، وعدم اهتمام وسائل الإعلام بالأخبار والمبادرات الثقافية غير الرسمية. هل يمكننا وضع مقارنة بين الدخول الثقافي بالمغرب والدخول الثقافي بالدول المتقدمة؟ هذه الأخيرة، التي تعرف نهضة ثقافية متميزة في مختلف المجالات، بحيث تمضي المؤسسات المعنية عدة شهور في التحضير للدخول الثقافي، وتستعد المعارض الفنية والمسارح والمتاحف إلى إطلاق أنشطتها السنوية المختلفة. كما تسهر دور النشر على إصدار كتب ومنشورات متنوعة تتنافس على الجوائز العالمية، وتتصدر عناوينها مختلف الجرائد والمجلات. كما تولي الدول المتقدمة أهمية كبرى للثقافة والقراءة، وتسعى بشكل دؤوب إلى البحث عن أفكار جديدة تساعد على إنعاش المشهد الثقافي. وتسخر ميزانية كبيرة لدعم الثقافة واستقبال الدخول الثقافي. لذلك لا نجد أي وجه للمقارنة بين المغرب والدول المتقدمة بشأن الدخول الثقافي بسبب اختلاف البنية والخصوصية الثقافية لكل طرف.
وعلى ضوء هذه المعطيات، لا يمكننا الحديث عن دخول ثقافي بالمغرب كما هو متعارف عليه، فلا جديد يميز شهر سبتمبر الذي نادت بعض الجمعيات الثقافية باعتماده شهر الدخول الثقافي، لكن المبادرة عرفت فشلا ذريعا، باستثناء بعض الأمسيات الأدبية والندوات وبعض الإصدارات القليلة، لكنها تظل ضعيفة جدا وغير موزعة، وبالتالي لا يمكن اعتبار هذه الحصيلة المتواضعة بالدخول الثقافي. بل يمكن القول بأن الدخول الثقافي بالمغرب ينطلق مع إطلالة الربيع الأولى خلال المعرض الدولي للكتاب، بحيث تتجند أغلبية دور النشر لعرض إنتاجاتهم الثقافية خلال هذه الفترة، ويتنافس الكتاب على إخراج إصداراتهم الإبداعية إلى النور لتتزامن مع المعرض، ويتم تسطير مجموعة من البرامج الثقافية والإبداعية الرسمية التي لا تحظى باهتمام المتلقي، بحيث يظل المبدع أو المشارك قبالة المقاعد الفارغة، كما أن أثمنة الكتب المرتفعة لا تساعد القارئ على اقتناء الكتب التي تغريه بالقراءة، ويتم إغراق أروقة المعرض الدولي للكتاب بالإنتاجات العربية والغربية التي تستحوذ على اهتمام القارئ المغربي مقارنة مع الكتاب المغربي الذي يعرف إقبالا ضعيفا ومتواضعا».
الفعل الثقافي
أما الناقد والروائي المصري محمد عطية محمود فيعتقد أن «الفعل الثقافي، فعل ممتد، لا يحد بفواصل ولا بتواريخ ولا مواسم للدخول في فعالياته وأنشطته المتعددة والخروج منها، بل يعتمد إلى حد كبير على الديمومة والمواصلة والخطة طويلة المدى من الناحية التنظيمية التي ينبغى أن يراعى فيها التوافق والتماشي مع فعاليات الحياة الأخرى، التي لا يضيرها أن تكون متزامنة مع واقع هذا الفعل الثقافي، فالفعل ذاته فعل حياتي ورافد من روافد هذا العالم الذي نحياه لا ينبغي الانفصال عنه، ولكن التوازي معه.. تأتي ظاهرة الموسم الثقافي، كنوع من التحديد والفصل بين ماهية ما يجب الاعتماد عليه من خلال استمرار العملية الثقافية المواكبة للعملية الإبداعية التي لا تتوقف، ربما كان من قبيل المعتاد والمألوف أن تحتاج بعض الفنون كالمسرح والسينما الراقية والفنون الشعبية والموسيقى والفن التشكيلي كروافد مهمة من روافد الثقافة ومنابع لغذائها وتكاملها، إلى عملية التجهيز أو الإعداد المكثف للظهور من خلال تلك السمة من سمات الدخول في الفعاليات الثقافية، ولكن أيضا فإن الفعل الثقافي الإعدادي متوفر إلى مدى بعيد، حيث لا ينفصل المنتج الثقافي عن مراحل إعداده بل ويستحيل ذلك، ومن ثم القول إنها لم تكن من قبيل ذلك الفعل الثقافي..
كذا عملية الإنتاج الإبداعي الأدبي كرافد رئيس للعملية الثقافية، هي مراحل متشابكة من الإعداد والتحفز في فعل مستمر قد لا يقترن بمراحل الدخول في فعاليات ثقافية كمعارض ومؤتمرات وندوات كبرى من خلال إصدارات جديدة، كل في حيزه.
أرى أن الفعل الثقافي متوفر على جميع عناصر اكتماله بنسب متفاوتة ولكني لست تماما مع فكرة الدخول الثقافي التي تحددها محددات مسبقة تبدو في آليتها لتنتزع جزء حميما من أجزاء عملية الخلق الإبداعي ليصير شبه مقولب أو مؤدلج للحاق بالدخول في مثل هذه الفعاليات. فلماذا لا يكون العام كله موسما ثقافيا، أسوة بدول العالم التي تحترم الواقع الثقافي الذي يشارك في نهضتها ورقيها، حيث كلمة ولوحة وعمل الفنان هناك مقروءة ومسموعة ومشاهدة على مدار العام، فضلا عن اهتماماتها بالاحتفاليات الكبرى الجامعة؟
لكن على المستوى التنظيمي لدينا، لابد من إعادة النظر في فكرة التمترس حول مواعيد بعينها، وهي مطلوبة إن تم الإعداد لها بشكل صحيح يتنافى مع كل من نراه من لهاث وتخبط ومعاناة وعدم تنفيذ لخطط غير معدة بطريقة جيدة، بل ينبغي النظر إلى ضرورة فتح آفاق التجربة أكثر لتكون جميع الفعاليات المتوالية، المستمرة على مدار العام، لبنات تؤدي في محصلتها إلى ناتج مواز لذلك الدخول الجامع، ليكون حضورا قويا بالغا في تأثيره، يستحفز الآراء والعقول للبحث عن كل ما هو جديد من خلال حلقات بحثية حقيقية وموائد مستديرة جادة لاستنهاض الأفكار من سبات العقل.
ولننظر ما وصل إليه مستوى التدني في معانقة الفكر من خلال الإحصائيات التي تضع المواطن العربي في ذيل قائمة من يقرأون أو يطالعون على مستوى العالم بأسره، لدرجة أن هناك كيانات وليدة ضئيلة العدد بخارطة العالم تسبق بكثير محصلة كل ما يقرأه المواطنون العرب مجتمعين في كافة الأقطار العربية. في يقيني أنها إشكالية تستلزم التعرض لها من خلال منظورين: منظور المبدع الفعال، ومنظور المشارك المتابع أو المتلقي الواعي الذي من المفترض أن تقوم هذه الفعاليات من أجله ومن أجل الارتقاء بذائقته، والتأكيد على دور عملية التنوير الثقافي والفكري، ولا ينبغي أن تتوقف كما ألمحنا لأي سبب من مسببات التشابك مع فعاليات أخرى من فعاليات الحياة كالارتباط بالمناسبات القومية أو الدينية أو الحياتية التي قد تمثل بفترة العملية التعليمية التربوية سواء كانت جامعية أم إلزامية، وغيرها؛ فالحياة تسير بكل دروبها وشعابها، ولنا في النماذج الأخرى على مستوى العالم المتحضر دونما تمييز دلالات ونماذج قائمة على المزاوجة بين الفعل الثقافي المتنامي وبين فعاليات الحياة ومنها العملية الدراسية كطرف أصيل مشارك في تنميتها؛ فالثقافة والرسالة التعليمية لا يتنازعان أبدا على جسد المعرفة بقدر ما يحاولان بث روح الحياة فيه. وكذا عملية الإنتاج في شتى مناحي الحياة لا تتوقف إذا ما اقترنت بالعملية الثقافية وطقوس حضورها في متن المجتمع، بل تقويها وتمد سبل التواصل الحميد القائم على إذكاء روح المعرفة والتنوير، كي تنتج هذا الحضور الثقافي الزخم في عرس يليق به وبالفعل الثقافي ومدى الجهد الإبداعي المبذول فيه، فالمسألة من وجهة نظر متواضعة تحتاج إلى المزيد من التأسيس والعمل على مشروع ثقافي يضع للثقافة هيبتها على خريطة اهتمام الإنسان العربي، وعالمه المهدد بالمزيد من الترويع والانخذال المستمر».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.