هل ثمة ضرورة للزج بالإسلام في اسم منتج ولو كان حزبا سياسيا؟ وهل للأحزاب الدينية أن تخاطب الجماهير في قضايا سياسية؟ ربما تكتسب هذه التساؤلات ومثيلاتها مشروعية من أن موضوع «تسييس الدين» بات مطروحا، وزاد الحديث حوله مع ظهور هذه الموجة من الأحزاب التي تتستر بالدين وتستغله أبشع استغلال في فرعيات ومصالح دنيوية، ووصل الأمر حد الابتذال حين يكون مجرد اختيار مرشح في انتخابات محلية طريقا إلى الجنة، وعندما يكون مجرد الانتساب إلى حزب دون غيره هو السبيل إلى «النار وبئس القرار». ربما هذه الأمثلة وغيرها والمشاهدة على أرض الواقع وراء استفزاز مفتي مصر الدكتور شوقي علام، الذي بادرنا قائلا: «الشريعة الإسلامية ترفض رفضا قاطعا استخدام الدين كستار لتحقيق مآرب وأهداف سياسية باسم الدين»، مشددا على أن الإسلام يرفض التحزب الديني، لأنه يؤدي إلى الفرقة والتشرذم بين المسلمين. وأكد مفتي مصر، أن الوسطية هي إحدى الخصائص المهمة للدين الإسلامي، وأحد المعالم الأساسية التي ميز الله تعالى بها أمته عن غيرها من الأمم، وأنه قد توجد فئة أو جماعة معينة تتشدد وتغلو في الدين وتتحزب بغرض الدفاع عن مصالحها، وهذا ما يرفضه الإسلام الذي يدعو دائما إلى وحدة الصف والابتعاد عن التناحر والتشدد بشتى صوره وأشكاله. وأضاف الدكتور علام: «إن الإسلام حرص على أن يبث في نفوس أتباعه الوسطية والبعد عن المغالاة في كل الأمور، ودعاهم إلى الرفق والرحمة والدعوة إلى سبيل الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة». وأشار إلى أن الشريعة والهوية الإسلامية تقوم على اعتبار المواطنة المحدد الأساسي لعلاقة الشعب ببعضه، وضمان التعايش بين كل أطياف المجتمع دون تمييز أو تفرقة بسبب الدين أو اللون أو الطائفة، وأن هذا يقف حائلا ضد من يريدون استخدام الدين ستارا لتحقيق مآربهم وأهدافهم. مآرب خاصة ومن جانبه، أكد مفتي مصر السابق عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الدكتور علي جمعة، أن الدين الإسلامي لا يعرف «التحزب السياسي» أو استخدام الدين كستار لتحقيق الأهداف والمآرب الخاصة، لأن هذا يتنافى تماما مع الأحكام والمبادئ التي جاءت بها الشريعة الإسلامية. وأوضح جمعة، أن الشريعة الإسلامية تدعو دائما إلى خدمة المسلمين لوجه الله تعالى، لا أن يكون ذلك لتحقيق مآرب وأهداف دنيوية كما يفعل بعض الذين لا يعرفون الإسلام جيدا. وأضاف جمعة: «إن التفكير المعوج يجعل الناس تعيش في أوهام، وإذا شاع هذا التفكير اختلت الأمور، وكان ذلك أكبر عائق أمام تحقيق التنمية البشرية وتحقيق النهوض والرقي وأمام الإبداع الإنساني، وأمام التقدم والأخذ بزمام الأمور، وأمام العلم وتحصيل القوة وتحقيقها». وأضاف جمعة: «وإذا كان الوضع كذلك وسعى البعض إلى التحزب واستخدام الدين كستار لتحقيق الأهداف والمآرب الخاصة فشلت كل محاولات الإصلاح وشاعت الغوغائية والعشوائية وانتشرت الفوضى في المجتمع الإسلامي». صوت العقل أما عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الدكتور أحمد عمر هاشم، فأوضح أن إطلاق لفظة «الإسلام السياسي» على من يمارسون السياسة منطلقين من ثوابت دينهم، إطلاق غير دقيق، فإن المتفق عليه بين السلف والخلف، أن الإسلام سياسة وحكم، وتشريع وقضاء، وعبادة ومعاملة، وعقيدة وشريعة، وأخلاق وسلوك، لأن الإسلام لا يقر «التحزب»، إذ لم يعرف الإسلام مسماه ولا يقر بمبدئه. وأشار عمر هاشم إلى أن أوامر الشرع الإسلامي الشريف تقتضي وجوب الاعتصام بحبل الله تعالى، وعدم التنازع أو التفرق، ومن شأن التحزب العصف بكل ما أمر به الشارع الحكيم. وأكد هاشم، أن اختلاف الرؤى بين أفراد الأسرة الواحدة، فضلا عن أفراد المجتمع لا يقتضي التباغض والتناحر، فقد كان سلف الأمة الإسلامية يختلفون فيما بينهم، ولم يؤثر ذلك على علاقاتهم وحبهم لوطنهم «ما سمعنا مطلقا أن كفر أو فسق بعضهم بعضا، أو كره بعضهم غيره لمجرد اختلاف الرؤى». ودعا هاشم، المسلمين على مستوى العالم أن يستجيبوا لصوت العقل، وأن يحتكموا إلى شرع الله تعالى، الذي نص في كتابه الكريم بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)، وقوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). واستنكر هاشم، الزج بالمساجد وبيوت الله تعالى في الصراعات السياسية لدرجة انتهاك حرمة المساجد ومنع الصلاة بها، مبينا أن هذا مخالف للشرع ومن يقوم به ليس آثما إثما عاديا. كشف المستور إذا كان الإسلام لا يعرف التخريب والدين لا يقبل تسييسه، فأين دور المراكز العلمية الكبرى والمجاميع الفقهية والجامعات في تقليل مخاطر هذا التوجه؟ سؤال طرحناه على رئيس جامعة الأزهر الدكتور أسامة العبد، الذي قال: «إن المراكز العلمية الكبرى والمجامع الفقهية والجامعات على مستوى العالم الإسلامي يقع عليها عبء كبير في مواجهة محاولات البعض لاستغلال الدين لتحقيق أهدافهم السياسية الخاصة مما يسيء إلى الدين ويجعل البعض وخاصة الغرب يظن خطأ أن هذا هو حال الأمة الإسلامية لأن البعض استغل الدين وجعله ستارا لتحقيق أهدافه ومآربه». وأكد الدكتور العبد أن المراكز العلمية والمجامع الفقهية عليها تبصير وتعريف المسلمين بحقيقة دينهم الغراء، وأن الإسلام لا يعرف مطلقا «التحزب الديني»، واستغلال الدين لأهواء خاصة، كما أن عليها نشر وسطية واعتدال الإسلام ومواجهة التشدد والغلو الذي يسيء للإسلام بصورة مباشرة. دور المجامع وأكد الشيخ الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية علي عبدالباقي، على الدور المحوري الذي تقوم به المجامع الفقهية على مستوى العالم الإسلامي في التصدي لأطماع البعض ممن يتخذون الدين ستارا يختبئون وراءه لتحقيق أهدافهم ومصالحهم الفردية والفئوية والحزبية على حساب الدين، مشيرا إلى أن المجامع الفقهية يقع عليها عبء كشف حقيقة هؤلاء الذين يسيئون إلى الدين ويعطون أفكارا ومعلومات مغلوطة عن الدين للآخرين وكشف زيف نواياهم وما يصبون إليه من أهداف دنيوية. وأوضحت أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتورة آمنة نصير، أن المجامع الفقهية والمراكز العلمية على مستوى العالم مطالبة بكشف من يختبئون وراء الدين ويستغلونه لتحقيق أهدافهم ومصالحهم الدنيوية الخاصة، موضحة أن هذه المجامع الفقهية والمراكز العلمية هي الأقدر على كشف زيف هذه الجماعات التي تستغل الدين وتشوه بذلك صورته وتعطي للآخرين ذريعة للهجوم عليه والإساءة إليه. الإعلام والمواجهة وسألنا الإعلاميين ومن يجمعون بين العلم الشرعي والأفق الإعلامي عن الدور الذي يقوم به الإعلام في خلق مزاج معتدل يحمي الناس من الوقوع في أخطار «تسييس الدين»، حيث أكدت أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر ومقدمة أحد البرامج الفضائية الدكتورة سعاد صالح، أن وسائل الإعلام يقع عليها عبء كبير في كشف الحقائق وعدم التستر مطلقا على من يتسترون خلف الدين ويجلعونه ستارا لتحقيق أهدافهم ومصالحهم الخاصة وعدم الانحياز لفئة على حساب الأخرى، وإنما يكشف بكل موضوعية زيف وادعاء الجماعات التي تسيء للدين وتتخذه ستارا لتحقيق أهدافهم الفردية والحزبية على حساب مصالح الأمة الإسلامية. ودعت الدكتورة سعاد صالح، وسائل الإعلام على مستوى العالم الإسلامي بما فيها الصحف والقنوات التلفزيونية، إلى عدم السعى للحصول على الأموال وتحقيق المكاسب المالية مقابل التستر على الجماعات التي تستغل الدين لتحقيق مآربها وأهدافها الخاصة، وإنما يجب أن يقوموا بواجبهم بكشف زيف وادعاء الجماعات التي تسعى «للتحزب وتسييس الدين» وعدم التهاون مطلقا في فضح وكشف أكاذيبهم أمام الجميع. كما أكد الداعية الإسلامي وخطيب مسجد عمر مكرم وأحد مقدمي البرامج الدينية الشيخ مظهر شاهين: «إننا ونحن في ظل السموات المفتوحة وبعدما أصبح العالم (قرية صغيرة) بفعل التطور الهائل في وسائل الاتصالات وتكنولوجيا الإعلام والمعلومات يقع عبء كبير على أجهزة الإعلام في مختلف أنحاء العالم الإسلامي لكشف الحقائق أمام العالم أجمع وإظهار زيف وأباطيل الجماعات التي تتخذ من الدين ستارا لتحقيق أهدافها ومصالحها الخاصة». ودعا شاهين إلى ضرورة تطوير الإمكانيات الإعلامية على مستوى العالم الإسلامي بحيث تستطيع الوصول للآخر باللغة التي يفهمها لتعريفه بالحقائق التي تحدث في بلادنا وكشف خبايا الجماعات التي تختبئ وراء الدين لا لشيء إلا لتحقيق أهدافها الدنيوية فقط، مطالبا بضرورة التنسيق بين دول وحكومات العالم الإسلامي في هذا الإطار وحتى تتمكن الأمة الإسلامية من مواجهة المخاطر والتحديات الكبيرة التي تواجهها في الوقت الراهن.