دماج.. تلك المدينة التي لا تزال آلة الدمار والخراب تدكها ليل نهار، ما هي إلا منطقة صغيرة تقع في واد جنوب شرق مدينة صعدة، وتعود شهرتها إلى وجود مركز دار الحديث الذي أسسه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي أحد كبار مشايخ السلفية باليمن. تشير إحصائية التعداد السكاني لعام 2004م أن عدد سكان دماج يبلغون 15626 نسمة فيما تبلغ عدد المساكن 2419 مسكنا في حين بلغ عدد الوافدين من طلبة العلم الشرعي في العام الذي أجريت فيه الإحصائية 2004م (4027 نسمة أي ما يعادل 25% من السكان المحليين)، أما عدد مساكن الطلبة فهي 1058 أي ما يعادل 43% من نسبة المساكن نظراً لارتفاع عدد مساكن طلاب العلم والسبب يعود إلى أن مساكن أبناء المنطقة واسعة وكبيرة ولأكثر من ثلاث أسر بينما بيوت طلبة العلم صغيرة ضيقة لا تتسع بالكثير لأسرة واحدة. لا أحد يسمع أهالي دماج رغم كل مناشداتهم وأصواتهم الصادحة بالمساعدة، فقد تجاهلت أحوالهم الوزارات وتغاضت عنهم لجان الوساطة فوجدت حوزات قم الإيرانية بغيتها هناك تحاول الانقضاض عليهم في وضع إنساني ومأساوي رهيب بحسب ما وصف أعداؤهم قبل أحبابهم.. تلك هي النقطة الرئيسة في الشمال اليمني، .. أما السيطرة على أرض الواقع لإيران التي تستغل هذه المنطقة وأهاليها في أدق التفاصيل. أول من تدارك خطر الإخوان لم يكن الشيخ المؤسس لمركز دار الحديث مقبل الوادعي عضواً في تنظيم القاعدة ولا حتى ينتمي للحركة الإخوانية، وإنما من العلماء القلائل الذين تميزوا بالنباهة والحدس والموسوعة العلمية في شتى المعارف الدينية، إلى جانب انه يتميز بالنظرة العميقة التي جعلته يتفوق على الكثير من أقرانه ويدرك خطورة الإخوان المسلمين في التسعينيات القرن الماضي. وتشير المعلومات التي حصلت «عكاظ» عليها أن الشيخ الوادعي مؤسس مركز دماج الذي يصفه الحوثي بالإرهابي تارة وبالإخوانية تارة أخرى أنه كان يدير المعهد العلمي في دماج الذي كان يعمل في إطار المعاهد العلمية آنذاك في اليمن وحولت مؤخراً إلى مدارس، لكنه تدارك العمل بعد أن اكتشف خطورة تلك المعاهد نظراً لاحتدام الخلاف بينه وبين إدارة المعاهد بسبب نزعتهم الإخوانية فترك المعهد ورجع إلى التدريس في المسجد، ونظراً لشعبيته والحب الكبير الذي حظي به في أوساط تلاميذه ففضلوا أن يتوافدوا عليه في مسجد دماج الذي تحول إلى أهم مركز علمي في العالم تهرول إليه أعين الطلاب من ماليزيا وإندونيسيا وبلدان عدة نظراً لشهرته العلمية وبتصريح رسمي من حكومات بلادهم والحكومة اليمنية. مراحل حصار دماج بدأ حصار دماج الذي فرضه الحوثيون على المنطقة التي يقطنها أكثر من (15) ألف نسمة إبان الأحداث التي شهدتها اليمن مطلع العام 2011 التي انتهت بإزاحة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح عن منصبه، وكان الهدف الوحيد للحوثيين من الحصار استكمال تنفيذ مشروعهم الإيراني في بناء ضاحية في شمال اليمن تشبه ضاحية حزب الله في جنوبلبنان بحسب ما تحدث به مسؤول أمني رفيع تحدث ل«عكاظ» مؤكداً أن وجود الجماعة السلفية في المحافظة والمتمركزين في دار الحديث بدماج يمثل إعاقة لتنفيذ ذلك المخطط الذي يمهد للتوسع خارج صعدة عبر تأسيس كيان مسلح على غرار حزب الله في لبنان الذراع الإيراني في المنطقة، ونظراً لما يحظى به مشايخ وطلاب مركز دار الحديث من احترام وتقدير في الأوساط والقواعد الشعبية بمحافظة صعدة واليمن عموما وسيظلون العقبة أمام تقدم الحوثي والعظمة الخانقة في الجسد الإيراني باليمن. لقد كانت سيطرة حركة الحوثي على صعدة إبان الثورة اليمنية ونجاحه في إقصاء وتهجير زعماء عدة قبائل مناوئة له مستغلين ضعف الدولة المركزية وتحالفهم مع أحزاب اللقاء المشترك (شركاء ثورة الربيع العربي) قام الحوثيون بالانتشار في جبال دماج ووضع نقاط على مداخلها، ثم التشديد في التفتيش على طلاب دار الحديث. ظل مشايخ دار الحديث يعملون بكل الوسائل الممكنة للوصول إلى حلول سلمية مع تلك المجاميع الحوثية لإنهاء الحصار المطبق الذي يفرضونه والذي كان مدعوما بآليات عسكرية تمارس القتل والاغتيالات والتصفية الجسدية وبكل شراسة في محاولة للقضاء على حفظة كتاب الله وسنة رسول الله. ويقول أبو محمد قيادي في الجماعة السلفية في دماج في حديث هاتفي ل «عكاظ»: «إن العدوان الحوثي على قبائل دماج بدأ بحصار فرض في 20 أكتوبر 2011م، من خلال منع دخول المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية وكذلك الطلبة، كما منع الحوثيون من أراد الخروج من أجل العلاج، وليس ذلك فحسب بل إنهم منعوا أهل دماج من الخروج لأداء مناسك الحج مبررين حصارهم في تلك الفترة أن الشيخ يحيى بن علي الحجوري المشرف على دار الحديث يجهز لحربهم بالاستعانة بقائد الحرس الخاص السابق طارق محمد عبدالله صالح، ونشروا ورقة نسبوها إلى الشيخ يحيى لإثبات دعواهم، الأمر الذي أنكره الشيخ بشدة وأخرج بيانًا في نفيه على موقعه. شرارة الحرب وأضاف أبو محمد «وبعد ذلك قام مسلحو الحوثي الذين كانوا قد انتشروا سابقًا في عدة مواقع جبلية في دماج بقنص المدنيين المنهكين من الحصار الغذائي والطبي عليهم، وقد سقط أول قتيل منهم في 8 ذي الحجة 1432ه» مشيراً إلى أن ميليشيات الحوثي التي وصفها بالرافضية شنت قصفا مكثفا بالمدافع والدبابات والرشاشات وقذائف ال أر بي جي والهاون على دماج ومركز دار الحديث مخلفة 71 قتيلا، و 170 جريحا خلال 68 يوماً ودمر خلال تلك الأيام الكثير من المنازل والمزارع وآبار المياه، وتمكنت وساطة قبلية قادها الشيخ حسين الاحمر من وقف العدوان باتفاق وقع عليه الطرفان 27 محرم 1433 ه الموافق 22 ديسمبر 2011 م. واستطرد الشيخ «أن جماعة الحوثي لم تلتزم بالصلح الموقع وأخذت تخرق الصلح وتعتدي على أهالي دماج وطلاب دار الحديث بين الفينة والأخرى وتنصب نقاط تفتيش على الطرق المؤدية إلى دماج وتمارس المضايقات لكل من يريد الزيارة إليهم وتتحرش به، كما أنها اختطفت بعضا من طلبة دار الحديث لكن لجنة الوساطة في حينها لم تأل جهدا في محاولة احتواء الوضع أمام إصرار الحوثي على تنفيذ مخطط إيران بحذافيره. وأوضح أن جماعة الحوثي عاودت الحصار مجدداً على دماج الشهر الماضي 7 أكتوبر 2013م لتمنع دخول المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية إلى جانب منعها لدخول وخروج طلاب دار الحديث، من أجل العلاج وشراء المواد الغذائية وحاولت لجنة الوساطة التي شكلها الرئيس عبد ربه منصور هادي بهدف احتواء الموقف غير أن الحوثيين رفضوا فك الحصار ورفع النقاط واستمروا في الاستحداث وحفر الخنادق والمتاريس في الجبال المطلة على دماج. واسترسل أبو محمد قائلا: «فالحوثيون بعد الاستعدادات التي كانوا يقومون بها باشروا بالقصف على المنطقة في 20 أكتوبر الماضي على دماج من مختلف الجهات سقط فيها عدد من القتلى قال إن الحصيلة الأولية تشير إلى سقوط أكثر من 58 قتيلا وجرح أكثر من 141 جريحا والحصيلة مرشحة للزيادة في ظل تواصل القصف وفشل اللجنة الرئاسية في وقف العدوان وتخلي السلطات الرسمية وأجهزة الأمن اليمنية عن القيام بواجبها في حمايتهم» على حد قوله.