وسط الأحداث الكبرى التي تمر بها الأمة العربية وفي ظل التحولات التي يعيشها المجتمع العربي تأتي أهمية البحث عن رأي سديد وفكر مستنير ورؤية ثاقبة، وهو ما نأمله في هذا الحوار مع الدكتور أسامة عبدالرحمن الباحث والكاتب حول أزمة الثقافة العربية ودور المثقف وأهمية وجود وعي حقيقي يتم من خلاله معالجة الكثير من المآزق وتلازم الثقافة والتنمية يحل هذه المآزق المتداخلة والمتشابكة ورحلة «أسامة عبدالرحمن» في عالم الكتابة والقصيدة والبحث العلمي الفكري والثقافي والتنموي. • كيف ترى واقع الثقافة في ظل التحولات والعواصف السياسية التي تمر بها المنطقة العربية؟ تتمثل قيمة الثقافة العربية في مخرجاتها ومستوى هذه المخرجات وتأثيرها على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والسياسية وغيرها. وواقع الثقافة العربية يبدو متدنيا. والسؤال الذي يطرح نفسه .. ما هي مخرجات الثقافة العربية؟، وما مستوى هذه المخرجات!!، ولعل الواقع المتدني للثقافة العربية .. مرده إما تدني عطاء المثقفين .. أو تأطير البيروقراطية للثقافة والمثقفين. ويبدو أن مفهوم الثقافة قد يبدو ملتبسا في أذهان البعض .. أو غير واضح .. وقد تبدو النظرة إلى الثقافة قاصرة. فالثقافة تشمل كل أنواع المعرفة .. بأطيافها الأدبية والعلمية. والتحولات والعواصف التي تمر بها المنطقة العربية .. تؤثر على الثقافة من منطلق تأثيرها على الساحة العربية. وإذا كانت التحولات ستؤدي إلى مزيد من الحرية .. فإن الثقافة ستزدهر في مناخ تتمثل فيه الحرية. أما إن كانت التحولات تحولات عابرة فهي لا تحمل إلا وعودا لمناخ أفضل للثقافة فيما البيروقراطية تفرض دورا رقابيا مناقضا للثقافة والمثقفين .. فليس من ورائها أي نفع للثقافة. وتجدر الإشارة إلى أن البيروقراطية تفرض دورا رقابيا مناقضا للثقافة .. والثقافة ضد التأطير .. وتخنقها القيود الرقابية .. ولا تزدهر إلا في مناخ تتمثل فيه الحرية التي تفتح الآفاق أمام العطاء الثقافي بكل صوره وألوانه. صحيح أن مناخ الحرية قد يكون غثاء .. ولكن الغثاء يسقطه المجتمع حين يكون على درجة عالية من الوعي والإدراك والتقييم. والوعي المجتمعي ركيزة أساسية في المناخ الذي تزدهر فيه الثقافة. وإذا كانت الحرية ضرورة لازدهار الثقافة .. فإن الوعي المجتمعي ضرورة أيضا لفرز العطاء الثقافي وتقييمه قد يكون التطلع إلى مناخ أفضل للثقافة في خضم التحولات والعواصف من قبيل التمني .. ذلك أن الغيوم والغمم تكتنف الكثير من هذه التحولات والعواصف ..وهي مدمرة للثقافة والمجتمع. • أين موقع المثقف ودوره وسط هذه التحولات وهذه العواصف السياسية؟ المثقف دوره دور المتابع الدقيق.. وقد تكون هذه التحولات حافزا له أو مخيبا لآماله وتطلعاته وفق منظوره الموضوعي لمسارها وأحداثها وإرهاصاتها .. ويبدو أن المثقف قد ينقسم على نفسه أحيانا بسبب الغيوم والغم الذي يأتي مع عواصف هذه التحولات .. وقد يكون هناك انقسام داخل المجتمع الثقافي .. ربما يأمل المثقف ألا تكون العواصف عاتية تدمر كل شيء .. وأن تجري رخاء وصولا إلى وضع مجتمع أفضل تتمثل في الحرية ويتمثل فيه الوعي على كافة الأصعدة .. ويبدو أن الساحة العربية تشهد تفاوتا في هذه التحولات.. وفي بعضها قد يبدو مجال للأمل الواعد .. وإن كان محدودا .. وفي بعضها الآخر.. فإن الأمل يتلاشى في ظل عواصف عاتية .. تدمر كل شيء .. ومن بين ما تدمره الثقافة. • هل حقق المشروع الفكري والثقافي النهضوي مشروعيته في خلق واقع اجتماعي وسياسي عربي أفضل؟ لم يحقق المشروع الفكري والثقافي النهضوي واقعا اجتماعيا وسياسيا أفضل ومرد ذلك أنه ليس هناك مشروع فكري وثقافي يملك آلية التنفيذ قد يكون هناك عدد من المشاريع الفكرية والثقافية وبعضها ذو عطاء جاد وبعضها عطاؤه متدن. ولعل أهم مشروع فكري وثقافي هو ذلك الذي يتبناه مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت .. ولا يكفي أن يكون مشروعا فكريا وثقافيا جادا لكي يصل إلى تجسيد مخرجاته على أرض الواقع .. فهو مجرد طرح فكري وثقافي لا يملك آلية التنفيذ وقد تضع البيروقراطية أمامه عقبات كثيرة من منطلق دورها الذي تفرضه على الثقافة. • ما هي الأزمة الحقيقية التي تعاني منها الثقافة العربية؟ تتمثل الأزمة الحقيقية التي تعاني منها الثقافة العربية .. في عدم وجود المناخ الملائم. وتتفاوت حدة هذه الأزمة باختلاف المناخ البيروقراطي على الساحة العربية وفي كل الأحوال .. فإنها تواجه أزمة كبيرة ولذلك فإن عطاءها متذبذب أحيانا ومتدن في أحيان كثيرة.. ومحصلة عطائها ضئيلة على الساحة العربية.. ومستوى عطائها متدن أيضا على الساحة العالمية .. وليس لها إسهام يذكر في الثقافة العالمية والثقافة رسالة وأمانة، ولذلك فإن الالتزام بمصداقية الكلمة ضرورة.. ولابد أن يكون الطرح الثقافي صادقا وموضوعيا في شحذ الوعي والطرح الثقافي الذي لا يلتزم بذلك يؤدي دورا مناقضا للثقافة وقد فتح الفضاء الإعلامي والمعلوماتي وتقنية الاتصال والتواصل .. آفاقا واسعة أمام الثقافة .. ومثل تحديا كبيرا للبيروقراطية .. لأنه يتجاوز قيودها .. لكن هذا التحدي لم يغير كثيرا من نمط البيروقراطية وأسلوبها في فرض القيود. • هل الأزمة ناتجة عن غياب الحرية أم غياب الوعي أم تغييب لدور المثقف والمفكر؟ غياب الحرية بدوره أكبر ثم غياب الوعي .. لأن البيروقراطية تضع القيود التي تكبل الثقافة .. وهذه القيود تؤثر على العطاء الثقافي فيقصر عن دوره في إثراء الوعي وفي تحقيق النهوض على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والادارية والسياسية وغيرها. والبيروقراطية تحرص على تأطير الوعي .. والوعي يخنقه التأطير ولا يزدهر إلا في مناخ تتمثل فيه الحرية.. كما أن الحرية لا تزدهر إلا في مناخ ليس للبيروقراطية فيه ثقل بقيودها. وهي قيود تؤطر دور المثقف. • كيف ترون واقع الثقافة السعودية؟ واقع الثقافة السعودية .. أدنى بكثير من المرجو.. والسبب هو نفس السبب وإن تفاوتت درجته على الساحة العربية من مكان إلى آخر بتفاوت المناخ البيروقراطي . وكلما كانت قيود البيروقراطية أقل وكلما كان تأطيرها أخف .. كلما كان العطاء الثقافي أفضل حالا من الوضع الذي تكون فيه القيود أكثر والتأطير أشد. • في طروحاتكم ثمة ثنائية للثقافة والإدارة.. هل تحققت سلطة الثقافة وقوة الإدارة على الواقع؟ لم تتحقق سلطة الثقافة وقوة الإدارة على أرض الواقع. وسلطة الثقافة مصطلح مجازي. فالثقافة طرح وعطاء لا يملك آلية التنفيذ. وقوة الإدارة لا تكون إلا أن تكون أنت مرتكزات القوة حاضرة. وهذه المرتكزات في أكثر الأحيان غائبة عن الساحة العربية .. مع أن الإدارة تمثل محورا رئيسيا في العولمة. وكلما كانت قوة الإدارة حاضرة .. كلما أمكن تعظيم المغانم وتقليص المغارم.. ولذلك فإن الدولة المتقدمة التي تتمثل فيها قوة الإدارة بمرتكزاتها الموضوعية تحصد معظم المغانم. • تقفون ما بين البحث الأكاديمي والفكري والاقتصادي والإداري والشعر، كيف توفقون بين برودة البحث وجمرة القصيدة؟ قد يكون في البحث الأكاديمي جمر متى ما لامس قضايا جوهرية وشائكة وقد تكون القصيدة بردا وسلاما حين تداعب الوجدان في رقة. ولا يمكن التوفيق بين البرودة والجمر ..ولكني أعيش وأتفاعل معهما في رحلة كرحلة الشتاء والصيف. • من هم الشعراء الذين تأثر بهم أسامة عبد الرحمن؟ تأثرت بالشعراء إجمالا ابتداء من شعراء العصر الجاهلي حتى شعراء العصر الحاضر .. وليس لواحد منهم تأثيره الخاص من وجهة نظري. • وكذلك المفكرون العرب والأجانب الذين لعبوا دورا مفصليا في تجربتكم الفكرية والثقافية والإدارية؟ ربما استفدت من عطاء عدد من المفكرين والأجانب .. ولكني لا أرى دورا مفصليا لأحدهم في تجربتي الفكرية والثقافية والإدارية. يلاحظ أن قصيدتكم لا تنحو منحى تجديديا باتجاه الحداثة العشرية؛ وظلت على حالها في لغة واحدة ورؤية واحدة. مسألة التجديد لا تعني بالضرورة الحداثة .. فقد يكون التجديد في الصور والمضامين. وقد كتبت القصيدة التقليدية وقصيدة التفعيلة ولكنني لم آتِ إلى الحداثة التي تنسلخ بها القصيدة من أي ضوابط في الإيقاع أو الجرس الموسيقي .. ولا أحببت أن أكون حداثيا بهذه الصورة. • كتبتم كثيرا عن البيروقراطية النفطية والإدارة النفطية. كيف ترون واقع هذه الإدارة؟.. هذه الإدارة كان النفط بالنسبة لها أحيانا نعمة .. وكان في أحيان أخرى نقمة .. ودخول الإدارة إلى مظاهر العصر موله النفط في الأقطار العربية النفطية. غير أن النفط ترك بصمات سلبية على أداء الإدارة. وواقعها تتمثل في مظاهر العصرنة.. ولكنها تحمل خلفها الكثير من أوزار التخلف وقد تبقى أوزار التخلف وتنحصر مظاهر العصرنة إن غاب النفط.. والنفط فرصة تاريخية يجب استثمارها الاستثمار الأمثل لتحقيق التنمية الفعلية على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والسياسية وغيرها. ودور الإدارة محوري في التنمية الفعلية.