يوسف المحيميد:الاستقالة هي نوع من التعبير والاحتجاج الصامت على حالة ما، ورفض لسلوك ما أصبح المشهد الثقافي زاخراً بالكثير من الاستقالات الثقافية التي تنوعت وتعددت باختلاف الأسباب والمواقع ، إلا أنه من اللافت أن نجد بأن هناك استقالات فردية لبعض المثقفين أثارت حولها في المشهد الثقافي الكثير من الاستفهام والجدل بينما وجد بأن استقالات ثقافية جماعية أخرى غيّرت كثيرا من الموقف الثقافي في المشهد وكأنها تحرك المياه الراكدة صوب الدفع إلى التجديد وتغير المفهوم النمطي في الحرص على المناصب التي تغري غير المثقف .. إلا أن هناك بعدا آخر أعمق لاستقالات المثقفين فككها البعض بأنها الرسائل الواضحة التي يريد المثقف أن يثبتها في موقف استقالته للمجتمع ، وبأنها الحرية البيروقراطية التي تمسك بها ليقف عن كل مايخالف مايؤمن به فيحارب من أجله ... فهل استقالات المثقفين المتكررة والتي أثبتها التاريخ الثقافي الماضي والحاضر تؤكد على وجود عصر ثقافي جديد يجاهر بالكلمة والرأي وبالتخلي عن الموجود من أجل الوجود ، أم أنها نيات مختلفة غير معلنه ترغب في أهداف بعيدة ربما تظهر على سطح المشهد يوما !! محمد السحيمي:الاستقالات تكشف عن سوء التعيينات التي كانت مبنية على باطل أمعن بعض النقاد والروائيين والكتاب التأمل في استقالات المثقفين الجماعية منها والفردية ووجدوا بأنها ظاهرة صحية جيدة ستثري المشهد الثقافي بالكثير من التحولات الجديدة التي تنبثق من الإيمان بمبدأ الرأي الذي لايتحكم به إغراء المنصب ، حيث صفقوا لهذه الظاهرة ودعوا كل من يجد نفسه من المثقفين بأنه على محك ما يخالف وما يؤمن به عليه أن يستقيل لأن حدوده لن تنتهي بتلك الاستقالة وبأن المثقف يستطيع أن يحلق وتشبع رئتيه بالهواء فقط حينما يبدع بعيدا عن القيود الرقابية وبأن رسالته أعمق ، أكثر امتدادا من أن تحصر في أي جهة أو مؤسسة حتى إن كانت ثقافية . يقول مدير الأندية الأدبية بالمملكة عبدالله الأفندي ( أرى بأن المثقف لايستقيل من العمل الثقافي والأدبي إذا كان أصيلاً في ثقافته وأدبه, وإنما البعض يعتزل العمل الثقافي والأدبي ولذلك شقان:الأول- إذا كان المثقف يعمل في إحدى مؤسسات المجتمع المدني فان من حقه متى ما أراد أن يعتزل العمل الثقافي ويخلد في منزله متفرغاً للكتابة والبحث وإخراج المزيد من الإنتاج الفكري شعراً ونقداً ونثرا حيث إن الأديب لايستقيل من أدبه.الثاني- إذا كان الأديب أو المثقف يعمل في جهة حكومية رسمية فهو خاضع لأنظمة وتعليمات الجهة التي يتبع لها.هذا من ناحية الممارسة الفكرية للأدب والثقافة بمفهومها الواسع أما اعتزال العمل العام في الشأن الثقافي والأدبي فان الأدباء والمثقفون أكثر من يشعر بالغربة والاغتراب في مجتمعهم ولذا يأتي نتاج البعض منهم مميزاً ويشار إليه أحيانا بالسابق لعصره في نتاجه الفكري والأدبي والثقافي وفي رأيي المتواضع فان الأديب لابد وان يعمل جاهداً على شرح موقفة شعراً ونثراً وممارسة ليكون بعطائه ونقده حاضراً في المشهد الثقافي.ويعكس ذلك من يحتفظ بنتاجه لنفسه فكيف يستطيع مثل هذا أن يثري المشهد الثقافي.والبعض ممن يتعاطى الشأن الثقافي لابد وان يختلف مع غيره من المحيطين ويشهد اختلافاً في الرأي مع الآخر لاخلافاً معه وهذا يثري الساحة الثقافية والأدبية ثم أن الأديب الفاعل في مجتمعه هو من يعمل في أي موقع كان حتى من منزله ذلك لأننا نشهد إثراء للساحة الأدبية من أدباء غير منتمين لمؤسسات ثقافية أو أدبية وهذا يتوقف نوعاً ما على عطاء الأديب وتواصله وجهده في أي موقع كان فالدكتور غازي القصيبي _ رحمه الله _ كان من أكثر الأدباء إنتاجاً وفكراً رغم انه بعمله الرسمي عن العمل الثقافي ممارسة والأديب والمثقف منتم لجهده وعمله ونتاجه الفكري والأدبي.أما الشأن العام ( العمل الرسمي المؤسسي ) وغيره من مؤسسات المجتمع المدني فلا شأن له بالعطاءات الفكرية والمساهمات الجادة وقد يعطى المثقف منبراً أو شأناً اجتماعياً وهذا بعيد من فلسفة الفكر والعطاء وقد يلجأ البعض إلى الاستقالة من العمل الثقافي رغم عدم موافقتي على كلمة ( استقالة ) أحمد قران الزهراني:ظاهرة حضارية يجب أن ترسخ في المجتمع وبين المسؤولين في كل الجهات للأديب وإنما اعتزال للعمل الثقافي والأدبي لأسباب متعددة قد يقصد ببعضها الإثارة أو المعرفة الداخلية بأن هناك من هو أحق بموقعه أو مكانه الرسمي في المؤسسة الثقافية ولهذا يأتي الاعتزال أوالتنحي.وهناك نقطه مهمة وهي أن الأديب والمثقف الحق لا يعتزل ولا يستقيل من العمل الثقافي, لان الأدب والثقافة يسريان في دماء من يحترفهما مثله مثل أستاذ الجامعة كلما زاد عمره زادت خيرته وانتفعت به أجيال متعددة. أما الروائي يوسف المحيميد فيقول " أعتقد أنها حالة صحيّة لا يحتاج إليها المشهد الثقافي فحسب، بل نحتاج إليها في كافة أوجه حياتنا الاجتماعية، فالاستقالة وليست الإقالة، هي نوع من التعبير والاحتجاج الصامت على حالة ما، هي فعل وإرادة يمارسها المستقيل، تبعاً لظروف استقالته، فهي إما احتجاج ورفض لسلوك ما، أو أحيانًا لظروف شخصية تخص المستقيل. ما نردده دائمًا حينما نستقيل بأن لدينا ظروفنا الخاصة، كي لا نجرح أو نؤذي من كنّا نعمل معهم من الأصدقاء، وحفظًا للمودة معهم، وهو ما فعلته مع زملائي في مجلس إدارة أدبي الرياض، فلم أفصح عن جميع ما يحيط عمل الأندية من مشاكل، لا ترتبط بالضرورة بالزملاء، بقدر ما ترتبط بالمحيط العام. لكنني ربما أجد الوقت الكافي لأكتب ما يقود إلى الخذلان في العمل الثقافي المحلّي، ليس تفسيرًا لانسحابي من أدبي الرياض، بل إنقاذًا لمن سيأتي بعدنا في هذه المناصب الأدبية، التي يحيط بها الكثير من الإشكالات والمصاعب، وأعتقد لو كتب كل عضو مجلس إدارة تلك العوائق، في أدبي الرياض أو الشرقية أو حائل، لاستطاع المشاهد الخارجي اكتشاف كم العراقيل التي لا تجعل العمل في الأندية الأدبية عملا مجديا.أما لائحة الأندية وما يتداول في المشهد الثقافي بأنها السبب خلف إحباط المثقفين وخلف تلك الاستقالات فليست اللائحة فحسب، برغم الهفوات في هذه اللائحة، وهو أمر طبيعي في نظري، إلا أن المهم هو كيفية تفعيل هذه اللائحة، كيف نجعل انتخابات مجالس الإدارة أمرًا واقعًا، كيف نستقبل أسماء الراغبين والراغبات في الانضمام إلى الجمعيات العمومية في الأندية، كيف يقتنع المناخ والواقع من حولنا أننا في زمن مختلف وجديد، وأن علينا أن نمنح المثقفين والأدباء حقهم الطبيعي في اختيار من يرشحونهم لقيادة دفّة الأدب لدورة السنوات الأربع القادمة. مازلت أتذكّر كيف كنّا قبل عشرين عامًا في إحدى صالات كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود، نصوّت بكل حرّية لأسماء الطلاب الذين سيقودون النشاط الثقافي للعام الجديد، كيف تعلّمنا ثقافة الانتخابات آنذاك، وكيف نحلم أن تكون الآن ولكن بشكل أوسع على نطاق البلاد، لا مبنى صغيرا في كلية ما. أيضًا لاشك أن الميزانية المخصصة للأندية لا يمكن أن تفعل شيئًا في ظل بقاء معظم الأندية في مبان مستأجرة، فهل يعقل أن تبقى ميزانيات بعض الأندية الأدبية خاوية لأكثر من نصف سنة، منىالمالكي:الإدارة الثقافية متعبة جدا للمثقف وتحد من قدراته بشكل كبير وملحوظ كيف إذن ستعمل وتقيم النشاطات وتنشر المؤلفات؟ كيف ستتقي سهام الأدباء ولومهم؟ وهل يعقل أن تكون ميزانيات خمسة عشر ناديا أدبيا مجتمعة ولمدة ثلاث سنوات، تعادل قيمة عقد لاعب أجنبي واحد مثل السويدي ويلهامسون ولمدة سنتين فقط؟ ولعل المفارقة المضحكة أن رئيس النادي الذي وقّع على عقده هو في الأساس أديب وشاعر! فماذا نريد بعد كل ذلك من الأندية الأدبية؟ ويؤكد الكاتب المسرحي محمد السحيمي بأن تعدد استقالات المثقفين تأتي من ضعف الإدارة وضعف التقنين من الأساس وضعف إعداد اللوائح والأنظمة واختيار الأشخاص بناء على هذه اللوائح والأنظمة وذلك مادفع إلى انفراط ( السبحة ) والتي جاء على إثره تحريك المشهد الثقافي والتحرر الذي أصبح ملاحظا وموجودا تبعا لسوء الإدارة في الأساس فهذه الاستقالات تكشف عن سوء التعينات التي كانت مبنية على باطل فكان من الطبيعي أن تبطل ، مشيرا إلى أن الوسط الثقافي كان ينتظر ويتنبأ بمجيء هذا اليوم الذي يستيقظ فيه الضمير الجمعي الثقافي وينفرط جميع " السبح " التي وللأسف مازال خيطها ضعيفا جدا ويسهل قطعه في أي لحظة ، فليس من المهم الدخول في نوايا الأشخاص الفردية ومعرفة مايخطط ويفكر فيه من قدم استقالته من المثقفين فمن الصعب أن نتلمس مايفكر ويشعر به كل من أتخذ خطوة الاستقالة يوما من المثقفين ولا من يقف خلف هذه الاستقالات !! إلا أن القراءة الظاهرة للواقع تؤكد على أن مايحدث من توالي الاستقالات في المشهد الثقافي ماهو إلا تصحيح لما كان خطأ من الأساس فكان لابد أن يحدث ، غير متوقعا " السحيمي " أن تكون عملية الاستقالات الجماعية للمثقفين مقصودة بالتوقيت قبيل انتهاء الفترة وذلك لأنه لو كانت هذه النية مبيتة إذا لماذا لاينتظر المثقفون نهاية الفترة ويستقيلون بعد ذلك أو يقالون ، فلو وجدت الأنظمة واللوائح التي تحكم هذه المسألة وتحدد الآليات الصحيحة والممارسات الصحيحة في هذا المجال فالمسألة إذا كانت تتيح لهم أن يستقيلوا قبيل انتهاء الفترة " ( بيدي لابيد عمرو ) إذا هذا يعود بنا إلى الخطأ وإلى الخلل الموجود في أساسيات هذه الأنظمة واللوائح الهشة جدا ، مؤكدا السحيمي إلى أن مايحدث من استقالات ثقافية إنما هي ظاهرة صحية وممارسة ديمقراطية وتصحيح لأخطاء تدل على العافية وعلى أن هناك من يفكر ونحاسب ونراجع أنفسنا لنصحح تلك الأخطاء ونبطل مابني على باطل . ويرى الشاعر والباحث أحمد قران الزهراني بأن المثقف تقع على عاتقه مسؤولية تغيير الواقع، وتحريك الراكد، وتغيير أنماط ثقافية وإدارية بدائية وبالية ومترسخة، ذلك لأن المثقف دائما يدعو إلى التطوير والإصلاح وبالتالي لن يتأتى التطوير في ظل الركود الذي تمارسه كثير من الجهات المعنية بخدمة المجتمع، فليس من المنطق أن يتمرس مسؤول ما في مكانه لأكثر من عشر سنوات ونطالبه بعد ذلك بالتطوير ، حيث تبلدت أفكاره وتوقفت عند حد معين، والتغيير ولاشك سنة الحياة ، لهذا أرى أن ظاهرة الاستقالات من قبل المثقفين هي ظاهرة حضارية يجب أن ترسخ في المجتمع وبين المسؤولين في كل الجهات.وإذا ما فصلنا في أمر الاستقالات بين استقالة فردية أو جماعية فان الاستقالة الفردية تأتي لقناعات شخصية أو لاختلافات في وجهات النظر وهي أيضا ظاهرة صحية، ذلك لان المثقف حينما يشعر انه لن يستطيع أن يتعاطى مع الواقع المخالف لآرائه وأفكاره وأطروحاته عليه أن يحتج بالاستقالة، وبالتالي ترسيخ مفهوم عدم التكالب على المناصب، أما الاستقالات الجماعية فهي أيضا ظاهرة صحية لكنها ربما تنطوي على احتجاج ما، وفي نهاية الأمر هي نوع من ممارسة الديمقراطية التي دائما ما يدعو لها المثقفون. وتتفق معه الناقدة والكاتبة " منى المالكي " والتي ترى بأن مايحدث من استقالات ثقافية بنوعيها الجماعي والفردي ماهي إلا ظاهرة صحية وذلك لأن تعامل المثقف مع المنصب يختلف كثيرا عن تعامل الشخص العادي مع ذلك المنصب فالمثقف توجد بيروقراطية في طبيعته وسليقته ولذلك فإنه يشعر دائما بأن المنصب يقلل من إمكانياته وإبداعاته وإنتاجيته وهذا مالاحظته كواقع تجربة شخصية لها حينما كانت رئيسة اللجنة النسائية في النادي الأدبي بالطائف فكانت تشعر بالكثير من الحدود الكثيرة وربما ذلك مايجعل الكثيرين يلقون باللوم على المثقف الذي يدعو لأمور كثيرة وحينما يصبح في منصب يختلف وضعه موضحة " المالكي " بأن الإدارة الثقافية للمثقف متعبة جدا له وتحد من قدراته بشكل كبير وملحوظ وذلك ماعانت منه في تجربتها السابقة حينما كانت رئيسة اللجنة النسائية في نادي الطائف لذلك المثقف مطالب بإثبات وجهة نظره وتلك الاستقالات وعدم تكلسه لكرسي المنصب ذلك أمر يحسب في صفه وليس العكس غير معتقدة " المالكي " أن تكون لائحة الأندية سببا في تلك الاستقالات بسبب أن اللائحة حينما وضعت دارت حولها دراسات وهي في نهاية المطاف عمل إنساني لايتضمن الكمال فيه ولكن بعدد القراءات التي كانت حول اللائحة ثم يتم تعديل تلك اللائحة على ضوء تلك القراءات فتجد بأنها لائحة جيدة على الرغم من وجود بعض التحفظات عليها والتي كان من أهمها " عدم ذكر المثقفة " صراحة وإنما دمجت مع المثقف وهذه بسبب وجود إشكالية في قراءة اللائحة للمثقفة بعد ذلك ، مستبعدة " المالكي " أن يكون هناك تشكيك في نوايا المثقفين الذين استقالوا سواء بشكل جماعي أو فردي وعلى الأخص نوايا أعضاء نادي الشرقية الأخيرة فهي ترى بأن أعضاء النادي الشرقي مثقفون حقيقيون ، ولذلك فإن لتلك الاستقالات على تنوعها واختلاف أسبابها لها إيجابيات والتي من أهمها عدم تكلسها على كرسي واحد فالمثقف لم يخلق لقيد على كرسي بل ليعطي نموذجا للمجتمع في كيفية التعامل مع الكرسي أو المنصب وذلك لايدل على أنه على المثقف أن يستقيل دائما ليعطي الدروس ! ولكن إذا وجد المثقف بأن وجوده في مكان ما لن يجدي نفعا فإن عليه أن يفسح المجال لغيره عل أن يقدم أفضل منه مؤكدة بأن المثقف يبدأ دوره الكبير بعد تلك الاستقالة ولايمكن أن يتوقف الدور به عند حدود المنصب فهو من يوجد المكان وليس المكان من يوجده فالنوادي الأدبية تمثل نافذة ولكن ليست النافذة الوحيدة وذلك مايخطئ به بعض المثقفين حينما يعتقدون بأنها المنطلق الوحيد وليست نافذة لنوافذ عديدة فالمثقف لاينتهي دوره بخروجه واستقالته .