يكثر التساؤل عن الأموات بعد رحيلهم واستيطانهم للمقابر واللحود، فهل يعلمون عنا وما يحصل لنا بعد أن ذابت أجسادهم؟ وهل يبلغهم سلامنا، خصوصا إن كانوا أقاربنا؟ وهل يصل إلى أهل القرون الماضية بعد فنائهم بعض مما بلغنا إليه من حضارة؟ وهل تتلاقى أرواح الأموات فيعرفون أحوال بعضهم بعضا.. وهل جاءت السنة مفسرة لذلك.. عدد من الأسئلة يكثر الجدل حولها.. فإلى التقرير التالي: الداعية محمد الشريف قال: «اختلف العلماء حول سماع الأموات للأحياء ورؤيتهم لهم، فمنهم الذين قالوا إن الميت لا يسمع الحي، واستشهدوا على ذلك بقول الله تعالى: (وما أنت بمسمع من في القبور)، في حين قال آخرون أن الميت يسمع الحي بل ويراه ويحس به، كما جاء عند ابن القيم رحمه الله، حيث بين أن الميت يرى أهله إن زاروه ويسمعهم، ذاكرا لذلك شواهد كثيرة». وحول معرفة الأموات بحال الأحياء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بحال الآخرين لما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من الصلاة علي فإن أعمالكم معروضة علي)، مبينا أن هذا الحديث الذي جاء فيه أعمالكم معروضة علي تدلل على أن أحوالنا يسمعها النبي صلى الله عليه وسلم ويراها، أما معرفة الأموات الآخرين للأحوال فليس هناك دليل شرعي، إلا أن أكثر الأقوال تقول إنهم يسمعون. وعن شأن تلاقي الأرواح بين الأموات، فقال الشريف: نعم أرواح الأموات تتلاقى كما جاء عند ابن القيم، مع العلم أن أهل النار من الأموات لا يتلاقون مع الأموات من أهل الجنة. لا يسمعون الأحياء من جانبه، أوضح الداعية محمد المنجد أن من أراد أن يفيد أحد الأموات، فعليه بالحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ولا طريقة غير ذلك. ونفى إمكانية سماع الأموات للأحياء، حيث يتساءل البعض في هذه المسألة بقولهم: هل يسمعنا الميت ونحن بجانب قبره؟ وإن كان لا يسمعنا فما الطريقة المثلى حتى نسمعه؟ قائلا: محاولة إسماع الأموات، وخصوصا الأقارب، إنما هو رغبة للصلة بعد انقطاعها وتخفيف لألم الفراق. وذكر أن الحادثة التي سمع الأموات فيها الأحياء حينما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم قتلى الكفار بعد معركة بدر وأسمعهم الله كلامه، مبينا أن هذه حالة خاصة كما ذكر العلماء ذلك. وبشأن طلب المسامحة من الميت، فقال المنجد ليس هناك سبيل لطلب المسامحة من الميت؛ لأنه لا يسمع نداء الحي، وهذا يؤكد أهمية حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه). يصلهم سلامنا بينما أكد الداعية خالد محمد أن الميت يصله سلام الحي عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام)، مشيرا إلى أن طريقة رد الميت للسلام من الأمور الغيبية؛ لأن الكلام وطريقته للميت غير معلومة، كما لا يعلم كيفية قعود الميت عند السؤال لأنها من الغيبيات. وبين أن مسألة تلاقي الأرواح وردت لنا من الآثار، فقد ذكر ابن القيم وغيره أن الأموات يسألون من مات حديثا عن أهاليهم، قائلا لم يرد في هذه الأمور شيء صحيح، وإنما بعض الروايات والأخبار لبعض السلف، إذ هي من الغيبيات، كما لم يرد دليل شرعي في المسألة، كما لا يمكن اعتبار القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. وتطرق إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)، قائلا: هذا الحديث اختلف العلماء في تفسيره حتى إن عائشة رضي الله عنها أنكرت هذا الأمر منذ وقت مبكر على عبدالله بن عمر، وهو راوي الحديث، محتجة أن ذلك يخالف ما جاء في القرآن الكريم كقوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، لكن الصحابة رضوان الله عليهم أخبروها أن ابن عمر رضي الله عنه لم ينفرد بالحديث، إذ وجد عدد من الرواة للحديث، إلا أن العلماء قالوا: العذاب حاصل إذا وصى الميت أهله بالنياحة لأجل بيان مكانته فيعاقب في عذاب البرزخ، وهو أمر غيبي. وأضاف: لا يعني تعذيب الإنسان في قبره أنه كافر وإنما هو تطهير له. وخلص إلى أن اختلاف الصحابة سببه عرض الروايات على نصوص القرآن الكريم وصحيح الأحاديث. الأموات يعلمون بأحوالنا ووافقته أستاذة السنة النبوية في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الدكتورة نوال العيد قائلة: «جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أعمالكم تعرض على أقربائكم من موتاكم، فإن رأوا خيرا فرحوا به، وإن رأوا شرا كرهوه)، مضيفة ورد أن الميت يعرف من سلم عليه، بل وثبت أن الميت يرد السلام فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام)». وأضافت: لا ينبغي إن علمنا أن الأموات يعلمون بالأحياء أن يكون ذلك بابا للتوسل بغير الله، إذ لا يعني السماع حصول النفع، فقد قال الله سبحانه وتعالى لنبيه في حياته (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا). وفسرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الميت ليعذب من بكاء أهله عليه) بأنه حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وهو متحقق كما قال الجمهور، وذلك لمن أوصى أهله بالنياحة عليه أو علم أنهم سينوحون بعد وفاته، وقال ابن القيم وابن تيمية والطبراني رحمهم الله: إن العذاب أعم من العقاب، مستدلين على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (السفر قطعة من العذاب). وبينت أن البخاري أخرج بأن (عبدالله بن رواحة أغمي عليه فجعلت أخته عمرة تبكي: واجبلاه، وا كذا وا كذا، تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي: أنت كذلك؟ فلما مات لم تبك عليه). وأكدت العيد أن هناك تلاقيا لأرواح الأموات، فهم يعرفون أحوال أهاليهم في الدنيا، إذ يخبر من مات حديثا الأموات بما استجد في أمور الأحياء، لكنها عدت حديث تلاقي الأرواح مسألة خلافية، إلا أن ابن القيم أورد آثارا في كتاب الروح تدل على أن الأرواح تتلاقى. واستشهدت بحديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يتلقون البشير من أهل الدنيا، فيقولون: انظروا صاحبكم يستريح، فإنه كان في كرب شديد، ثم يسألونه: ما فعل فلان؟ وفلانة هل تزوجت؟ فإذا سألوه، عن الرجل قد مات قبله فيقول: هيهات قد مات ذاك قبلي، فيقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أهل الهاوية). بينما قال الأستاذ المشارك في المعهد العالي للقضاء الدكتور هشام آل الشيخ «الأموات لا يعلمون بحال الأحياء، وما ذكر في ذلك إنما هي روايات وأحاديث ضعيفة ذكرها ابن القيم رحمه الله»، مضيفا على المرء ألا يتعلق بمثل هذه الغيبيات، بل يلتفت إلى ما ينفعه من أعمال صالحة. وزاد أما العمل الصالح فيصل للأموات وفقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، إذ أن الحج عنه أو أداء العمرة أو الصدقات أو الدعاء له أو صدقاته الجارية أو ترك علم ينتفع به الناس من بعده كل ذلك يصل للميت، فإن كان في عذاب يخفف عنه وإن كان في سرور فتؤنسه ويزداد سرورا. وبشأن السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الثابت أن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم بجانب قبره رد الله روح النبي إليه حتى يرد السلام. التسامح قبل الممات من جانبه، قال مدير عام الأوقاف في جدة فهيد البرقي «على الأحياء أن يتصافوا فيما بينهم بدلا من الحاجة إلى ذلك في وقت لا ينفع فيه الندم»، مبينا أنه وبموت أحد المتخاصمين يعيش الإنسان في ندم، كون الفرصة أغلقت أمامه دون سابق إنذار. ولفت إلى أهمية أن يكون الإنسان مع خصومه وفقا لما جاء في كتاب الله تعالى: (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، كما لا بد أن يتحلى بصفة العفو التي أثنى الله عليها في كتابه الكريم بقوله سبحانه وتعالى: (والعافين عن الناس والله يحب المحسنين). وتطرق إلى أن المؤمن يتسم بالصفات النبلى والحسنة والتي منها البعد عن الشحناء والبغضاء فيما بين العباد، قائلا ينبغي على العبد أن يحرص قبل مماته على التمسك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)؛ لذا على المرء الحرص مثلا على الصدقات الجارية، وكذلك تربية أبنائه. ودعا عموم المسلمين التخلص من المظالم فيما بينهم، إذ أن الظلم ظلمات يوم القيامة، كما طالبهم برد الحقوق إلى أهلها حتى لا ترد يوم القيامة من حسنات المرء، فإن نفذت أخذت من سيئات الآخرين ووضعت في ميزان المذنب.