حياتهم المجهولة تثير جدلا واسعا وتساؤلات عدة عن الأموات الذين دخلوا عالما آخر .. وسكنوا بيتا ولحدا غريبا فعاشوا بأرواحهم بعد أن ذابت أجسادهم، وبرغم فنائهم إلا أن أسئلة غامضة تدور حولهم فهل تصلهم أخبارنا ويعرفون ما أحدثناه بعد فراقهم لنا؟.. وهل من صاحبناه في الدنيا يصله سلامنا بعد أن استوطن المقابر!!. وهل يرد على سلامنا؟. وكيف ذلك؟. وهل جاءت السنة مفسرة هذه الألغاز؟!. وما تفسير قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب من بكاء أهله عليه)، كل هذه التساؤلات طرحتها «عكاظ» على مجموعة من الشرعيين فإلى سياق السطور التالية: الميت لا يسمع بداية أوضح الداعية الإسلامي الدكتور محمد صالح المنجد أنه ليس هناك سبيل لطلب المسامحة من الميت بعد موته فالأخير لا يسمع نداء الحي وهذا ما يؤكد أهمية حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه). وقال: «يحرص البعض أن يسمع والده الميت أو أحد أقاربه كلامه رغبة للصلة بعد انقطاعها وتخفيفا لألم الفراق، كما يتساءل آخرون هل الميت يسمعنا ونحن بجانب قبره وإن سمعنا ماذا نقول له، وهل توجد طريقة يمكن أن يسمعنا بها، إلا أن الأصل في ذلك أن الأموات لا يسمعون كلام الأحياء ولكن حين خاطب النبي صلى الله عليه وسلم قتلى الكفار بعد معركة بدر وأسمعهم الله كلامه وهم في قاع البئر كانت حالة خاصة كما ذكر ذلك العلماء رحمهم الله». وذكر المنجد أن من أراد إفادة أحد الأموات وإرسال الخير إليه في قبره فعليه بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له). مسألة خلافية لكن أستاذ السنة النبوية في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن الدكتورة نوال العيد أكدت أن هناك تلاقيا لأرواح الأموات يعرفون فيها أحوال أهاليهم في الدنيا فيخبر من مات حديثا الأموات بما استجد في أمور الأحياء لكنها عدت حديث الأرواح مسألة خلافية إلا أن ابن القيم أورد آثارا في كتاب الروح تدل على أن الأرواح تتلاقى. مضيفة: «جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أعمالكم تعرض على أقربائكم من موتاكم، فإن رأوا خيرا فرحوا به، وإن رأوا شرا كرهوه). واستشهدت بحديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما تلقون البشير من أهل الدنيا، فيقولون: انظروا صاحبكم يستريح، فإنه كان في كرب شديد، ثم يسألونه: ما فعل فلان؟ وفلانة هل تزوجت؟ فإذا سألوه، عن الرجل قد مات قبله فيقول: هيهات قد مات ذاك قبلي، فيقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أهل الهاوية). وفسرت أستاذة السنة النبوية في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الميت ليعذب من بكاء أهله عليه) بأنه حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه وهو متحقق كما قال الجمهور وذلك لمن أوصى أهله بالنياحة عليه أو علم أنهم سينوحون بعد وفاته، وقال ابن القيم وابن تيمية والطبراني رحمهم الله: إن العذاب أعم من العقاب مستدلين على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (السفر قطعة من العذاب). وبينت أن البخاري أخرج بأن (عبد الله بن رواحة أغمي عليه فجعلت أخته عمرة تبكي: واجبلاه، وا كذا وا كذا، تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي: أنت كذلك؟ فلما مات لم تبك عليه). ونوهت إلى أن السلام على الميت ومعرفته بالشخص وارد وحقيقة، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام). وحذرت من التوسل بالأموات قائلة: ليس سماعهم معناه النفع، بل قال الله سبحانه وتعالى لنبيه في حياته (قل لا أملك لنفسي نفعا ولاضرا). روايات السلف إلا أن الأستاذ المساعد في كلية الحديث في الجامعة الإسلامية الدكتور هاني فقيه أبان أن مسألة تلاقي الأرواح وردت لنا من الآثار فقد ذكر ابن القيم وغيره أن الأموات يسألون من مات حديثا عن أهاليهم. مضيفا: «هذه الأمور ليس فيها شيء مؤكد أو ثابت صحيح وإنما وردت فيها روايات وأخبار لبعض السلف»، وعلل عدم الجزم بها لأنها من الغيبيات خصوصا عدم وجود دليل شرعي يطمئن إليه في المسألة. لكنه أوضح أن سلام الحي على الميت يصله وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام). وأشار إلى أن طريقة رد الميت للسلام من الأمور الغيبية فلا يعرف الكلام وطريقته كما لا يعلم كيفية قعود الميت عند السؤال فهذه غيبيات ولا يمكن اعتبار القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.. وتطرق إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) فقال هو حديث اختلف فيه العلماء تفسيرا حتى إن عائشة رضي الله عنها أنكرت منذ وقت مبكر على عبد الله بن عمر وهو راوي الحديث هذا الأمر محتجة أن ذلك فيه مخالفة لما جاء به القرآن الكريم كقوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) لكن الصحابة رضوان الله عليهم ردوا عليها أن ابن عمر رضي الله عنه لم ينفرد بالحديث فقد وجد للحديث رواة آخرون. لكن العلماء قالوا: إن العذاب حاصل إذا وصى الميت أهله بالنياحة لأجل بيان مكانته أو علم هذا الشيء فيهم ولم ينكر عليهم فيعاقب في عذاب البرزخ وهو أمر غيبي، كذلك ولا يعني العذاب كفر الإنسان بل تطهيره للنجاة يوم القيامة، مختتما أن اختلاف الصحابة يدل على أن من منهجهم نقد الروايات عن طريق عرضها على نصوص القرآن الكريم القطعية وكذلك على صحيح الحديث.