بين مقبرة الزهراء في قلب حي الهنداوية وحوش «كوير الشهير» في مكةالمكرمة جدار فاصل بين أحياء ينعمون بالحياة وآخرين موتى تحت الأرض تتسرب عليهم المياه الآسنة صباح كل يوم لتتشبع جثثهم بالروائح الكريهة، فيما يصدر الأحياء القاطنون في غرف مهجورة في حوش «السيد» روائح من نوع مختلف تجعلهم يهيمون في شوارع الحي بعد منتصف الليل وهم في حالات غير طبيعية، يهددون كل من يصادفون.. هذا الحي يقع تحت سطوة المخالفين والمجهولين الذين يتخذون من غرفه وأحواشه المهجورة أوكارا لهم، ولم تتمكن «مشارط» الجهات المعنية من وضع حد لعشوائيته. «عكاظ الأسبوعية» رصدت في جولة ميدانية داخل الحي ما فيه من خفايا وأسرار والمتمثلة في عشوائية هذا الحي المحروم من مشاريع التطوير التي تشهدها مكةالمكرمة، فموقع الحي الجغرافي بين طريق أم القرى وحي النزهة جعله من الأحياء التي لن يطالها التطوير قريبا، حيث يجري العمل على إطلاق مشروع الطريق الموازي الذي فتت عشوائية (6) أحياء ولم يكن حي «الهنداوية» ضمنها، بالرغم من موقعه الاستراتيجي الذي يوصل بين مدخل مكةالمكرمة الغربي والمسجد الحرام، ويسكنه العديد من المواطنين إلى جانب الجنسيات المختلفة، كونه من أحياء مكة النموذجية، ومع هذا فهو محروم من الخدمات الواجب توافرها في بقية أحياء العاصمة المقدسة، ما جعله ملاذ المخالفين لاسيما أن الحي به منازل مهجورة وطرق وعرة مما يصعب وصول الفرق الأمنية إليها إلا عند الحاجة. مقبرة وحوش عبدالله العمدة أحد أشهر سكان حي الهنداوية رافق «عكاظ الأسبوعية» في جولتها على عدد من المواقع المشبوهة داخل الحي، وكان أول مواقع الرصد حوش مهجور تكسوه الأشجار، وهنا قال «العمدة»: «مثل هذه الأحواش المهجورة والمكسوة بالأشجار والمظلمة ليلا سبب تفشي الجرائم، هنا يحدث ما لا يمكن وصفه ورغم نداءاتنا لم نجد تفاعلا من أي جهة، وأذكر جيدا صرخات تلك السيدة في أنصاف الليالي حيث هرعنا نتتبع صوتها الذي صدح من بين جدران الغرف المهجورة وكانت خائفة ومرتعشة بعد أن خطفها ثلاثة غرباء وجروها صوب الحوش عنوة، لكن صوتها بعد توفيق الله أنقذها حيث هرعنا للموقع فهربوا باتجاه الجبال». تلك القصة التي رواها «العمدة» كانت سيناريو غريب الأطوار، خاصة ونحن في طريقنا صوب الحوش المشبوه، دخلنا الغرف المهجورة بجوار مقبرة الزهراء، حيث كان البعوض في استقبالنا، والروائح الكريهة تفوح في المكان، دلفنا إحدى الغرف لنعرف ما بداخلها فكانت المفاجأة، بقايا أطراف صناعية أرجل وأذرع، بطيخ، عنب، وفرش وثير هناك، وفي ركن آخر من الغرفة عبوات صفراء فاقع لونها ابتسم حين رآها العمدة وقال «هذا سر كل الجرائم في الهنداوية، هنا تذهب العقول ويخرج الغرباء صوب المجتمع مهددين الجميع». لم نكن نصدق ما نرى، لكن العمدة فتح تلك العبوات وقال لنا: «شموا رائحة ما فيه ولكم الحكم»، كانت الرائحة مقززة والمكان موبوء والمشهد يحتاج فعلا لمعالجة حينها قال عبدالله العمدة «تقدمنا بشكاوى عدة للجهات المعنية حيال هذه الأوضاع، نريد أن تزال هذه الأشجار لتكون الأحواش المهجورة مفتوحة أمام الأنظار، نريد أن يعالج وضع هذه المقبرة التي تطمرها المياه الآسنة من الصرف الصحي منذ سنوات، نريد أن تحفظ كرامة الأموات والأحياء في الهنداوية فقد بح صوتنا ونحن ننادي بالحراك نحو تصحيح وضع هذا الحي». مطالبات بالتغيير لم يكن صوت العمدة هو الوحيد الذي بح، فأهالي الحي الذين يرصدون كل من يمر من بين طرقاته الضيقة، شخصوا ل«عكاظ الأسبوعية» جزءا من معاناتهم ووضعوا مطالبهم على طاولة المسؤولين بطلب نقل أصواتهم، حيث طالب أحمد سالم الكثيري بتدخل الجهات المعنية لرفع المعاناة عنهم بشكل عاجل، واصفا الحي بأنه يحتضر، وغير صالح للسكن، مشيرا إلى الأوساخ والقاذورات والحشرات التي تنتشر في جميع أنحائه، إضافة إلى برك وتجمعات مياه الصرف الصحي في مدخل الحي، حيث تستقبل مرتادي الحي بالروائح الكريهة. وقال «حي الهنداوية يحتاج إلى إعادة تأهيل من جديد من حيث الصيانة والنظافة، إلى جانب الكثير من الخدمات التي يجب توفرها، هنا لا نرى عمال نظافة، فكل شخص مسؤول عن نظافة ما حوله فيما الشوارع الداخلية متهالكة ولم تجر لها الصيانة منذ 30 عاما، فيما تنتشر الحشرات الضارة بسبب المياه الآسنة». غياب المواقف من جهته، أشار أحمد محمد إلى أزمة مواقف المركبات داخل الحي وقال «من يمتلك منزلا داخل الحي لابد وأن يستقطع جزءا من الأرض أمام منزله وتخصيصه كموقف لسيارته، لكون الحي ضيقا جدا، ولا وجود للمواقف بداخله»، مطالبا بإيجاد حل جذري لهذه المشكلة، فضلا عن أعداد المخالفين لأنظمة الإقامة التي تزداد يوما بعد يوم داخل الحي، حتى تحول وكرا للأعمال المخالفة وهتك الأعراض على حد قوله. عشوائية الحي ويقول صالح الجهني، إن الحي يفتقر إلى التنظيم من الداخل نسبة لتمركز الحي في وسط الأسواق والمحلات التجارية، حيث إنه وفي فترات الذروة تمتلئ شوارع الحي بالمركبات هربا من زحام الشوارع العامة ويتكرر نفس الموال في داخل الحي، مشيرا إلى أن سوء التنظيم وعدم أرصفة الحي سببين مباشرين في الكثير من المتاعب التي يعاني منها سكان الحي بين الحين والآخر، فيما تنتشر البائعات المجهولات على بعض أزقته وأرصفته في منظر غير مقبول ومؤثر على المارة. ظلام دامس ويذهب عبدالله الخالدي بالحديث إلى الانقطاعات الكهربائية المتكررة في الحي ما يزيد من الظلام وتنامي الجريمة من سرقات وخطف وتهديد لحياة الناس ويقول «لاتزال المحطات المغذية للحي تعاني ضعفا كبيرا وهو ما يسهم في انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، وهذا ما يساعد على تفشي جرائم السرقات في المحال التجارية وعمليات خطف من قبل الفئات المخالفة والمجهولة».