اضطر العسكري المتقاعد يحيى فرحان المالكي، لقبول فكرة أن يهجر «بيت العائلة» في طرف قرية الذاري الأغبر بمحافظة الداير بني مالك، رغم أنه بات طاعنا في السن بعدما فتكت به الحياة على قساوتها في الجبل، مفضلا أن يهرب من الأرض التي عشقها وتربى فيها إلى منزل بديل تتوفر فيه كل مقومات الحياة. ويعرف المالكي أن ظروفه ربما لا تمكنه في الوقت الراهن من الركض يوميا وراء مطالبات بالخدمات، عفا عليها الزمن، ويعود أثرها إلى 25 عاما، عندما كانوا يهبطون من الجبل للقاء الجهات المختصة على أمل أن يستمعوا لمطالبهم، لكنها للأسف تبددت ولا يعرف أحد السر في أن لا يهتم بهم أحد أو يستجيب لشكاواهم. ولم تكن حالة المالكي الوحيدة ممن يقبلون فكرة النزوح، فهناك كثيرون نفذوا الهجرة من منازلهم، بعدما عاشوا سنوات من الحرمان، وغياب الخدمات، فالكل بدأ يسارع بالخروج من منازلهم الحالية، فيما يتأسف الكبار على الرحيل من أجمل الذكريات، وحرمانهم من الأرض التي تربوا عليها، رغم توفر الخدمات في مدن كثيرة، لكنها تغيب عن قراهم. لكن الأهالي يدركون أن طول الصبر لا يحتمل، إذ بحت أصواتهم بالمطالبة بالخدمات وفي مقدمتها السفلتة منذ أكثر من 25 عاما، في وقت ظلت التعليمات الصادرة بتمكينهم من الخدمات حبيسة الأدراج منذ 12 عاما. ولم تتعد طلبات الأهالي عن كهرباء وإعادة فتح مدارس مغلقة وخدمات بلدية وسفلتة، لكنها رغم ذلك لم يلتفت إليها أحد، الأمر الذي اعتبروه تجاهلا غير مبرر، ولا أمل في استعادة أو توفير الخدمات. 5 كم والغريب أن سفلتة طريق الجبل التي يطالب بها سكان الذاري الأغبر على مدى عقدين ونصف العقد، لا يتجاوز طولها الخمسة كيلومترات، من شأنها أن تعيد الحياة لأكثر من 40 قرية يسكنها نحو 3000 نسمة نزحوا من منازلهم بعد أن أصيبوا بخيبة أمل وإحباط في الوقت الذي تتقاذف فيه الطرق والبلدية مسؤولية تعبيد الطريق، في حين أن الأهالي يعيشون قسوة الحرمان ومعاناة ترك الديار طيلة ما يصل إلى ثلاثة عقود. داخل قرى الجبل المهجورة كان واضحا ل«عكاظ» خلال جولتها أهم ملامح الحياة المتبقية فيها، فلم نر سوى مجموعة مجهولين يتنقلون بين المنازل المهجورة مستغلين غياب أهلها ونزوحهم عنها كما توجد في الجبل مبان عصرية حديثة في حين أن المدرجات الزراعية لازالت تنبض بالحياة رغم أن السيول داهمتها وأتلفت الكثير منها كما وجدنا أن المدارس المقفلة يوجد فيها من آثار الدراسة وبقايا الكتب التي لازالت شاهدة على من مر فيها من طلاب وطالبات. وأكد نائب قبيلة آل معتوب الشيخ أحمد حسن فرحان المالكي ل«عكاظ» أن طريق الجبل كان قد تمت ترسيته على إحدى الشركات ولم ينفذ قبل 6 سنوات ورغم تشكيل العديد من اللجان إلا أن ذلك لم يشفع لهم بتوفير أبسط مقومات الحياة الكريمة، مشيرا إلى أن شركة الكهرباء الوحيدة التي قامت بتوصيل التيار الكهربائي للمنازل أما بقية الخدمات لازالت حبيسة الأدراج في حين أن الطرق المعبدة حاصرت الجبل من كل مكان ولا يعلم على حد قوله لماذا لم يسفلت الطريق. وطالب في الوقت ذاته الجهات المسؤولة بتشكيل لجنة للتحقيق والنظر في أوضاع الجبل المتردية وما سبب تهجير السكان. واعتبر حسين أحمد المالكي أن تهجير السكان من الجبل تسبب في إهمال المدرجات الزراعية والقرى الأثرية وتحميل المواطنين المهجرين مبالغ مالية في النزول إلى المحافظة لاستئجار المنازل والابتعاد عن ديارهم وهو ما استغله مسؤولو الدوائر الحكومية في عدم إيصال الخدمات للجبل بحجة عدم وجود سكان ومخالفة الأوامر الصادرة. إهمال مدرسة وتسبب النزوح في إغلاق مدارس الذاري الأغبر للبنين والبنات والتي كان يدرس فيها أكثر من 100 طالب وإهمال الآثار واندثار المقابر مما يشكل معضلة أخرى حسب تأكيدات أحمد يحيى المالكي، مبينا أن الطريق إلى الجبل تم فتحه على حساب الأهالي، وفي حال انقطاعه وقت الأمطار لا تقوم الطرق بمسحه مما يجبر الأهالي على تعبيده. وقال إنه في حال انقطاعه لا توجد طرق بديلة مما يجبرهم على السير لمسافات طويلة، ورغم التهجير إلا أن الأهالي مازالوا يهتمون بالزراعة وإحياء منازلهم المهجورة، مشيرا إلى أن غياب الأهالي عن الجبل شكل ثغرة أمنية استغلها ضعاف النفوس في تمرير مهرباتهم، حيث إنهم كانوا في السابق يتصدون للمجهولين ولكن تهجيرهم منح هذه الفئة المتسللة الفرصة مرة أخرى. وبين جبران المالكي أن العقبة سقطت فيها أكثر من مركبة وراح ضحية الحوادث العشرات، عدا الضحايا من المصابين والأرامل والأطفال الأيتام، الأمر الذي يدعو إلى المطالبة مجددا بسفلتة الطريق، حتى يعود نبض الحياة إلى القرى، وتستعيد المدارس أنفاسها إنصافا للأهالي الذين صبروا أكثر من 25 عاما. «عكاظ» نقلت شكاوى سكان الذاري الأغبر لرئيس بلدية الداير المهندس غصاب بن نايف العتيبي حيث أوضح أن طريق جبل الذاري الأغبر ليس من اختصاص البلدية وهو من اختصاص الطرق لزيادة المسافة على ثلاثة كيلومترات. وعن صدور قرار من المجلس البلدي بسفلتة الطريق بين أن القرار لاغ لوجود توجيهات من سمو وزير الشؤون البلدية والقروية بعدم استلام أي طريق من قبل البلدية تزيد مسافته على ثلاثة كيلومترات فيما الطريق المطلوب سفلتته يصل إلى خمسة كيلومترات، وقال «هناك طريق آخر من أعلى الجبل يربط الذاري الأغبر بآل نخيف ستتم سفلتته.