ودعت مواكب الحجيج أمس مخيمات منى بعد أن قضوا فيها أربعة أيام أثناء أدائهم للركن الخامس، حيث غادر ظهر أمس 50% من الحجاج المتبقين لثالث أيام التشريق، بعد أن آثروا عدم التعجل تمسكا منهم في البقاء لآخر لحظة على صعيد مشعر منى الطاهر، وهم يحملون أجمل الذكريات وكلهم رجاء في أن يتوشحوا ثياب ميلادهم الجديده ويعودوا إلى أوطانهم وقد غفرت ذنوبهم وخطاياهم، وسط أمنيات بتكرار العودة مرة أخرى إلى المكان ذاته الذي استقبل هذا العام نحو مليوني حاج على اختلاف جنسياتهم وثقافاتهم. وفي ختام النسك تبادل الحجاج تهاني إتمام الفريضة وكلهم أمل في يعودوا إلى بلدانهم محملين بالذكريات الجميلة والحكايات الروحانية التي يشعر بها ضيوف الرحمن. وباتت منى المدينة البيضاء تلملم أطرافها، بعدما تميزت بأفضل الممارسات الحضارية على مستوى العالم من حيث توفير المسكن واحتضانها الخدمات الشاملة ورعاية حجاج بيت الله الحرام، وأنفقت عليها الدولة المليارات بسخاء دون منة أو رياء، جسدت كل معاني البياض، بياض الوجوه التي تشع نورا وإيمانا، وبياض الإحرام، بياض الخيام، وبياض القلوب. وتحركت جموع الحجيج مودعين منى أمس في موجات بشرية من الجمرات صوب طرقات المسجد الحرام تنظم تحركاتهم المموجة سواعد مخلصة من رجال الأمن البواسل الذين واصلوا ساعات التنظيم تلك تحت لهيب أشعة الشمس حيث ظل قرابة 20 ألف رجل أمن متمركزين في مداخل منى جنوبا حتى مخارجها بالتقاء مكة شمالا في قوالب سلاسل أمنية من أجساد البشر لحماية ضيوف الرحمن التي أحاطت بهم الرعاية الأمنية من كل صوب. فيما لم تفتأ الطائرات العمودية والرحلات الاستطلاعية أن تواصل المراقبة الجوية من المشاعر إلى رحاب البيت العتيق فيما ظلت 4800 كاميرا رصد موزعة بين غرف القيادات والمراقبة تحت أنظار البواسل الدقيقة ترصد كل تحركاتهم من المشاعر إلى مكةالمكرمة. في الحج.. الذي تجسدت القوة في أنقى وأشمل صورها قوة الإيمان الذي يدفع الأم لتفارق فلذات كبدها تلبية لنداء الحق، قوة الصبر الذي يجعل من تعب السفر والطواف والرمي لذة، قوة التكافل الذي يجعل من توحد المسلمين أكبر قوة، قوة في تحمل الصعاب وتحمل فراق الأهل والأحبة وبين كل هذه المعاني السامية تظل قوة الحق المرتبطة بهذا البلد المبارك ساطعة ومتمثلة في هذه الجهود المباركة التي تخدم ملايين الحجاج وتوفر لهم أداء نسكهم في يسر وسهولة. مخيمات منى وقد التفها الحزن في لحظات الوداع بدأت مساء خالية من الحجاج، لكن عزاؤها أنها تعيش على بقايا ذكرياتهم والتي لا تمحى من ذاكرة منى على أمل أن تلتقي ضيوفها العام القادم، حيث بدأ العاملون بمخيمات مؤسسات الطوافة وشركات حجاج الداخل التحرك السريع للملمة كامل محتوياتها وتنظيف الخيام في حين باشرت أمانة العاصمة المقدسة تكثيف فرق النظافة الميدانية وتحريك آليات لرفع وسحب حاويات الضغط الكبيرة التي تحوى أطنانا كبيرة من النفايات.