تحت ظل جدار مدرسة للنازحين وعلى صخرة صماء جلس يتأمل بصمت وعيونه المترفة بالدهشة تقول الكثير. في جولة «عكاظ» داخل الريف الغربي لدرعا وخلال زيارتها مدرسة مزيريب للنازحين كان «خالد» الطفل الحمصي يراقب بصمت.. اقتربت منه لأسأله من يكون ومن أين أتى. لم يبد خالد رغبة بالحديث مع أحد.. كان ينظر إلينا باستغراب يعبث بحجر صغير يدوره بيديه كرحى طاحون على الصخرة، ووجهه الأسمر المغبر تملؤه عينان واسعتان فيهما حكايا لاتعبر عنها المفردات. توددت إليه كثيرا لأحصل على إجابات تشبهه تماما إجابات عطشى بلا نهاية. - مع من أتيت؟ - لا أعرف. - أين أبوك وإخوتك؟ - في البياضة بحمص. - مع من تعيش هنا؟ - لوحدي. - من يرعاك؟ - لوحدي. - مع من تنام؟ - لوحدي. - ماذا تتذكر من حمص؟ - كان جيش الأسد يقتلنا. - هل رأيت القتلى؟ - يصمت خالد. - ماذا تتمنى؟ - «بدي أرجع على البياضة وشوف إمي واخواتي». علمنا من أهل حمص المقيمين في المخيم ذاته أن خالد جاء قبل أشهر برفقة فاعلي خير ولا أحد يعلم شيئا عن أهله الذين يرجح أنهم ماتوا خلال القصف على حي البياضة بحمص. خالد الصامت لايتجاوز عمره 4 سنوات ما يعني أنه دخل الوعي على صوت الانفجارات والرصاص والاشتباكات، لايملك ذكريات يتحدث عنها، آخر ما عرفه هو أن له أبا وأما وإخوة فقدهم فجأة ليجد نفسه في بيئة أخرى محروما من حنان الأم ورعاية الأب وهو بالكاد يتكلم، كل ما يملكه من المفردات مرتبط بالحرب والموت والنزوح.. خالد هو صورة سوريا وأطفالها الذين لم يعودوا يعرفون معنى الدمية وحديقة الألعاب وصوت العصافير ولا حتى أكف الأمهات وهي تهدد أحلامهم.