الحوار المباشر بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والرئيس الإيراني حسن روحاني والذي تمناه أوباما، وتمنع روحاني عن إتمامه على هامش اجتماعات الأممالمتحدة في نيويورك، جرى تعويضه بحوار هاتفي وآخر غير مباشر من خلال كلمتي الرئيسين اللتين تضمنتا إشارات متبادلة لكن غير قاطعة حول إمكانية حل الملف النووي الإيراني بالطريقة الدبلوماسية الهادئة، دون عقوبات ولا تهديدات. فهل سمع أوباما ما كان ينتظره من روحاني، وهو الذي عول كثيرا على اختراقٍ في الملف السوري للوصول إلى تفاهم أوسع مع موسكووطهران حول ملفات تحتل أولوية لدى البيت الأبيض، وهي أكثر خطورة بنظره من الأزمة السورية التي بدأت ثورة سلمية وانتهت حربا أهلية والتي انطلقت لأشهر على يد دعاة الحرية، وسقطت أخيرا بيد دعاة التطرف والإرهاب، كما بات سائدا لدى صناع القرار في واشنطن؟ لقد ارتفع منسوب الأمل لدى أوباما بعد المخرج الروسي غير المتوقع للسلاح السوري الكيماوي، بأن يحدث شيء مشابه أو مقارب لما يظن أنه مشروع إيراني سري لإنتاج قنبلة نووية إلى جانب التخصيب الهادف نحو استخدام سلمي تحت رقابة الوكالة الدولية، أو على الأقل أن تفتح طهران أوراقها وتطلق أسرارها فيقابلها أوباما بالترحاب، ويفتح لها الأبواب الموصدة منذ عام 1979. لكن التنازل أو التساهل أو التعاون ليس مكانه طهران، بل دمشق. فالصراع الحالي غير المباشر نتيجة فشل الحوار السابق غير المباشر تجري فصوله على الأرض السورية لا الإيرانية، وما عرضه روحاني في كلمته المختلفة جذريا عن خطابات التحدي والاستفزاز لسلفه أحمدي نجاد هو أن يقبل العالم الغربي بموقع إيران في المنطقة وبمصالحها كقوة إقليمية، من هنا استدعاؤه لسياسات الحرب الباردة المستمرة برأيه في العلاقات الدولية، وكأنه يتحدث هنا بالنيابة عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإلا ما دخل إيران كقوة ناشئة في موازين القوى العالمية؟ كما يستدرج روحاني بخطابه الهادئ شكلا خصمه التقليدي أي الولاياتالمتحدة إلى شراكة في حرب مستجدة على التطرف والإرهاب في وقت تسعى فيه إدارة أوباما إلى التملص من أوزار الحرب السابقة في عهد سلفه جورج بوش، وإلى الامتناع شبه الكامل عن التورط في أي نزاع جديد في العالم الإسلامي ولو انتصارا لشعب يباد بالأسلحة الروسية والإيرانية كالشعب السوري. ويتم هذا الاستدراج من خلال تشويه طبيعة الأزمة السورية، وإغفال هوية الفاعل الأصلي لكل المآسي التي يشاهدها العالم منذ عامين ونصف العام دون أي حراك، ملقيا اللوم على الدول التي دفعت إلى عسكرة الأزمة حسب تعبيره، دون أن ينبس ببنت شفة عن مسؤولية النظام في استخدامه القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين أولا، ثم شن الحرب الشاملة ضد المدن والقرى بكافة أنواع الأسلحة المدمرة وصولا إلى السلاح الكيماوي في 21 أغسطس الماضي. لقد انتظر أوباما من روحاني إعلانا صريحا بالخضوع الكامل لمعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبفتح كل المنشآت العلنية والسرية لفرق التفتيش، وإدانة ولو خجولة لاستخدام النظام السوري لأسلحة الدمار الشامل، وتأييدا للتغيير السلمي في دمشق عبر إزاحة بشار الأسد عن المشهد السياسي كبادرة حسن نية، وحفاظا على ما بقي من مؤسسات الدولة وحتى لا تقع سورية كلها في براثن الفوضى والتطرف، لكنه لم يسمع سوى نبرة هادئة لمضمون سياسي واحد.