ثلاث لاءات رفعها الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه لدى افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة: لا «كيماوي» سيبقى في سورية، لا تعايش مع قنبلة ذرية إيرانية، والرئيس بشار الأسد لن يحيي شرعيته الدعم الروسي- الإيراني. أما نعم الجازمة في الخطاب فكانت أقرب إلى التهديد بأن الرئيس الذي قطع شوطاً في ولايته الثانية، ولا يراهن على ثالثة، جاهز لإعطاء أوامر الى القوات الأميركية للتحرك دفاعاً عن «مصالح الولاياتالمتحدة» في المنطقة. بدا أوباما كأنه يوجه رسالة إلى شريكه «اللدود» في اتفاق نزع السلاح الكيماوي السوري، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لم يستثنِ أي أداة أو لغة أخيراً (تحريك الأسطول في البحر المتوسط، والحملات العلنية على الأميركيين) إلا واستخدمها ليبلغ واشنطن أن الكرملين لن يتردد في خوض حرب باردة دولياً، ساخنة في الشرق الأوسط، دفاعاً عن حلفائه ونفوذه. وإلى العصا التي لوّح بها الرئيس الأميركي ليفهَم بوتين أن سلاح «الفيتو» في مجلس الأمن (تعطيله عن التعامل مع الحرب السورية) لن يغلّ قبضة واشنطن كلما تطلبت ذلك مصالحها، كان اليوم الأول للجمعية العامة يوم «غصن الزيتون» الذي لوّح به الرئيس الإيراني حسن روحاني، ساعياً إلى صفحة جديدة وحوار مع البيت الأبيض. تنصّل الرئيس الجديد من جموح سلفه محمود أحمدي نجاد، لكنّ مدّ يده الى الحوار والانفتاح، وتنديده في تصريحات تلفزيونية ب «محرقة النازيين لليهود» إن كانا رسالتين إلى أميركا والغرب عموماً، بأن الوقت حان لصفقة ما «عادلة» في الملف النووي الإيراني، فالحال أن أوباما لم يقدّم لروحاني «هدية» اللقاء الذي كان يأمل به لتدشين مرحلة التفاوض. فالتبرير الإيراني لغياب القمة- المفاجأة ب «ضيق الوقت»، ورفض طهران مشاورات غير رسمية في نيويورك عرضها الجانب الأميركي، لا يشيان إلا بخيبة لدى الرئيس الجديد، علماً أن أوباما خصّ نظيره اللبناني ميشال سليمان بلقاء ليشيد ب «شجاعته وتصميمه على الحفاظ على وحدة لبنان واستقراره». وإذا جاز القول إن سليمان حظي بما لم يحظَ به أي رئيس لبناني، إذ أشاد سيد البيت الأبيض ب «قيادته الاستثنائية» في ظل ارتدادات الحرب السورية وطوفان اللاجئين، فإن أوباما أعطى إشارات كافية إلى عزمه على اختبار روحاني. بداهةً، الفارق كبير بين ملف دعم لبنان والتمسك بضغط العقوبات على إيران. وبصرف النظر عن التشكيك الإسرائيلي ب «خداع» غصن الزيتون الذي حمله روحاني إلى نيويورك، فالأكيد أن أوباما وهو يعرض «علاقة مختلفة» مع طهران، يتريث في انتظار الاختبار الجدي على طاولة المفاوضات ضمن مجموعة 5+1. ولعل نقطة الالتقاء الحاسمة والوحيدة حتى الآن، هي رغبة الجانبين في خريطة طريق ذات جدول زمني. يتبادلان بالطبع انعدام الثقة، ومعه لن تكتفي طهران بتطمينات كلامية من أوباما بأن واشنطن لا تسعى إلى تغيير النظام الإيراني، ولا تستغل المسألة «النووية» ذريعة. وفيما لا يتطلب اجتهاداً، إدراك فصل الرئيس الأميركي في خطابه بين ملفي إيران و «شرعية» الرئيس السوري التي يراها «وهماً»، ليست لدى روحاني أوهام بقدرة بلاده على مقاومة سيف العقوبات لسنوات أخرى. أَوَليس اعتراف أوباما ب «حق الشعب الإيراني في الحصول على طاقة نووية سلمية» هو ما يريده روحاني ومن ورائه المرشد علي خامنئي؟ عودة إذاً إلى المربع الأول، والثمن الذي تريده إيران لطمأنة واشنطن وإسرائيل إلى أنها «لا تهدد أحداً»... لعل الرئيس الجديد في سعيه إلى «إطار» للتفاوض، ومحوه إرث نجاد مع «المحرقة» و «إزالة» الدولة العبرية، أطلق شارة البدء بتطبيع الحوار مع الغرب، ليضع الاجتماع الوزاري في نيويورك على سكة «عقلانية» جديدة. ومرة أخرى، إيران عام 2013 لم تعد كما كانت قبل ثورات «الربيع العربي» التي أثخنت إحداها- في سورية- جسد «الممانعة»، وهزّت خريطة تحالفات طهران الإقليمية، فلم تعد هذه ورقة صالحة لحماية الطموحات الإيرانية، ولا لتمديد عمر برنامجها النووي. قدّم روحاني في نيويورك تنازلاً عن إنكار «المحرقة»، مثلما قدّم ورقة اعتماد لنهج حوارٍ، اختباره وشيك. لوّح أوباما بورقة التطبيع التي قد تخفف خيبة روحاني بفتور واشنطن أو تريثها في التهافت على القمة «المفاجأة». خيبة أم نصف خيبة؟ الأكيد أن افتتاح دورة الجمعية العامة أو اليوم الأول في نيويورك، كان بداية جيدة للبنان عشية الاجتماع الدولي لدعمه، وبداية باردة لإيران «الجديدة» التي فوّض مرشدها رئيسها محو ما زرعه الأول لنحو عشر سنين، حماية لقلعة «الحرس الثوري» وبرنامجها النووي وأحلافها العابرة للحدود. أما أوباما، فقد يعتبر أنه رد الصاع الى بوتين الذي لم يعد يطيق «الاستثنائية الأميركية»، ولا «فيتو» اللون الواحد، لكن مشكلته تبقى في الرهان على حلفاء يخترعون الكذب ويصدّقونه.