هذا المشروع متعثر منذ سنوات.. وإدارة النقل تنوع في كل مناسبة المبررات والأعذار.. هكذا بدأ مرافق جولة «عكاظ الأسبوعية» في أودية قبيلة ربيعة بتهامة عسير المواطن محمد بن ناصر الربعي حديثه، وقال» تقدمنا بشكوى ضد الإدارة لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) لبحث أسباب تعثر المشروع ولكن دون جدوى». انطلقت جولتنا على الوادي في العاشرة صباحا، وبعد مسيرة قصيرة وصلنا مشروع النفق الأول الخاص بطريق أبها/جازان والبالغة تكلفته الإنشائية نحو 100 مليون ريال بطول 32 كلم، زاد بعدها بضع كيلومترات حتى يخدم أودية قبيلة ربيعة وكافة سكان الأودية التي لا تبعد عن أبها سوى 30 كلم جنوبا.. مضينا الى النفق الاول ثم اخذنا الطريق العلوي من فوق النفق حيث قرية «حلالي» ومن هناك سلكنا طريقا ترابيا وعرا طويلا يشتد وعورة كلما مضينا للأمام بسيارتنا من نوع الدفع الرباعي. وتعاني أودية قبيلة ربيعة عموما من الكثير من المعوقات والمصاعب والمشاكل الأساسية، حيث رصدت عدسة «عكاظ الاسبوعية» خلال جولتها في الوادي، فلا خدمات ولا اهتمام بشؤون سكان تلك الاودية قمنا بزيارة لنرى مدى الاهمال الذي يبوح به الأهالي في كل وقت دون أي فائدة او تفاعل من قبل الوزارات المعنية، حتى طفح بهم الكيل واصبحوا لا يثقون بأحد بما في ذلك وسائل الاعلام التي نقلت في اكثر من مرة معاناتهم دون أن يتحسن وضعهم -حسب قولهم-. طريق وعر وواصلنا السير لكننا بعد مسافة قصيرة، فوجئنا بهول الطريق الصعب الترابي والشاق الذي يمر بين الجبال والاودية السحيقة، كان مخيفا وصعبا للغاية ومحفوفا بالمخاطر ويتسم بتضاريس وعرة ويشق مناطق جبلية شاهقة وأودية عميقة، انه طريق من عبره بسلام كأنه ولد من جديد، وبعبوره ولدنا نحن أنفسنا من جديد، حيث كانت أولى محطاتنا وادي «أم حآء» حيث أكد الاهالي صعوبة الطريق الوعر وهناك شواهد بتقطيع السيول بعض أوصاله. حوادث مميتة في البداية ذكر المواطن يحيى محمد الربعي، أن أهالي الوادي يرتادون الطريق الوعر والخطير بأطفالهم ومواشيهم ذهابا وإيابا منذ سنوات طويلة، «وكتب لنا الله النجاة من كوارث وحوادث مرورية مميتة خلال محاولتنا الوصول إلى الطريق العام الذي يربطنا بمدينة أبها، خاصة أن هذه المحاولات قد حصدت الكثير من الأرواح البريئة خلال السنوات الماضية ومع هذا بقى الوضع كما هو دون أي تغيير أو تحسن يذكر، فيما تبددت الآمال بعد تعثر مشروع الطريق في السنوات الأخيرة بعد انطلاقتها دون ابداء الأسباب». وأضاف «نحمل وزارة النقل التي تسببت في معاناتنا لسنوات طويلة، فالطريق متعثر منذ مدة طويلة ولم ينصفنا أحد على مدار سنوات طويلة، وحتى مواصفات الطريق المزمع إنشاؤه لا تتقيد بالمواصفات العالمية ومع هذا لم ينفذ حتى الآن لتبقى آمالنا معلقة حتى حين». ويضيف «نطالب بلجان مكونة من حقوق الإنسان و»نزاهة» للوقوف على الحقيقة، فنحن نعيش حالة من الإحباط ولا نعلم ما إذا كان مشروع الطريق «منة» من «النقل» أم مشروعا لصالح المواطن». هجرات متزايدة من جهته، قال المواطن سعد بن عائض ان الاودية شهدت هجرات متزايدة من قبل الأهالي في السنوات الأخيرة، بسبب عدم وجود امدادات المياه النقية الصالحة للشرب وحتى الكهرباء، حيث يعيش الأهالي على مياه الآبار وسط أودية جرفت سيول الأمطار أجزاء كبيرة ولم يتبق منها سوى عدد قليل وحتى هذه جفت من المياه، وبات سكان الوادي يعانون العطش، مبينا حاجة الأهالي لمياه نقية حتى يعودوا إلى منطقتهم التي هجروها بسبب وعورة الطرق وعدم وجود مياه. ويضيف «نطالب بمشاريع مياه، ولا يعقل ان يعاني الاهالي العطش في ظل المشاريع الضخمة للمياه التي غطت مناطق شاسعة في المنطقة، حيث لا تبعد قرانا عن مدينة أبها سوى عدة كيلومترات ونعتقد ان هناك قصورا كبيرا في هذا الشأن ولا بد من العمل على تلافيه مستقبلا». قبور مهملة وخلال جولتنا على المنطقة، شاهدنا قبوراً عدة، تشكو الاهمال والتهميش، بعد أن نبشت الحيوانات المفترسة حرمة الأموات وباتت عارية ومكشوفة تماما، وهنا قال المواطن عائض بن علي الربعي «علاوة على الاهمال الجسيم من وزارة النقل في ما يتعلق بالطرق، هناك معان أكثر قسوة وتتمثل في وجود عدد كبير من المقابر التي تحتاج الى عناية وتسوير وترميم». وأضاف «واجبنا الانساني والديني والأخلاقي يلزمنا بالاهتمام بهذه المقابر، وعلى أمانة منطقة عسير وكافة الجهات ذات العلاقة باتخاذ خطوات عملية لصون حرمة الأموات كما أمر ديننا الحنيف»، مطالبا مسؤولي الادارات الحكومية بالمنطقة بسرعة ايجاد الحلول الخدمية بشكل عاجل لسكان الوادي. معاناة مضاعفة ويروي المواطن سعد بن محمد الربعي جزءا من معاناة الاهالي مع سائق الجرافة في حال انقطاع الطريق الترابي عن الاودية اثناء الامطار. وقال «عند هطول الأمطار نفرح كثيرا وفي نفس الوقت ينتابنا الالم والحسرة لكوننا سنمضي شهورا من المعاناة المضاعفة المتمثلة في مخاطبات إدارة النقل مرورا باسترضاء سائق للقيام بفتح الطريق وترميم أجزائه المتضررة وبما يسمح بمرور المركبات، وخلال هذه الفترة التي قد تطول أو تقصر نقبع في أوديتنا ولا نغادرها لشهور أحيانا حتى يتم فتح الطريق من جديد، ونضطر أحيانا لإيقاف سياراتنا على مسافات بعيدة تصل إلى نحو 20 كلم، بعدها نتوجه إلى الوادي مشيا على الأقدام حاملين على ظهورنا الادوات والاحتياجات، وهذا الوضع نعيشه منذ سنوات طويلة ولا أحد يشعر بمعاناتنا، لذلك نعتبر سائق «الشيول» مسؤولا عن احوالنا وفي نفس الوقت هاجسنا الكبير». إهمال وتهميش بدوره بين محمد بن ناصر، بأن السكان يعانون أشد المعاناة بسبب عدم توفر الخدمات الصحية والتعليمية وحتى الطرق المعبدة في الوادي، وقال «عدم اهتمام مسؤولي لجهات المعنية بالوادي وسكانه ضاعف من معاناة الأهالي، فلا مياه ولا كهرباء، ونحصل كميات قليلة من المياه بشق الأنفس، ووزارة النقل لم تنفذ الطريق الوحيد الذي يربطنا بمدينة أبها ويخرجنا من العزلة التي نحن فيها، فكثيرا ما نتحمل صعوبة الوصول إلى المستشفيات في موسم الأمطار التي تقطع أوصال الوادي وتتعطل مصالح المواطنين الذين يلزمون منازلهم حتى انقشاع الأزمة، في الوقت الذي أهملت فيه وزارة النقل تنفيذ مشروع الطريق الوحيد أو نافذة الأهالي مع العالم الخارجي». وأضاف «للخروج من معاناتنا خلال هطول الأمطار، نستجدي سائق الجرافة وننفق الأموال في فتح الطريق وترميم الاجزاء المتضررة، وهذا قد يستغل أحيانا أسابيع عدة، ونعتبر هذه الفترة من أكثر فترات شقائنا ولا نغادر الوادي خلالها وإذا اضطررنا لذلك نقطع مسافات طويلة للوصول إلى قرانا بعد إيقاف المركبات في أماكن بعيدة تصل إلى عدة كيلومترات أحيانا، فيما تعاني القبور الإهمال والتهميش حتى باتت عارية بعد هجمات الحيوانات الضارية عليها ونبشها بشكل ينتهك حرمات الموتى». وطالب بن ناصر في ختام حديثه، الجهات المعنية، بتوفير الخدمات الضرورية لسكان الوادي، وأهمها، تنفيذ مشروع الطريق الذي وظفت له الدولة مبلغ 100 مليون ريال ولم ينفذ حتى الآن، وتوفير المياه الصالحة للشرب اسوة بباقي مناطق المملكة، فضلا عن الخدمات الأخرى كالكهرباء والخدمات الصحية لكافة سكان أودية قبيلة ربيعة والتي لا تبعد عن مدينة أبها سوى بأقل من 30 كلم تقريبا على حد قوله. ظلام دامس عودتنا إلى مدينة أبها كانت ليلا، لذلك مكثنا ساعات طويلة نهتدي على الطريق وسط الظلام الدامس، حيث يصعب معرفة معالم طريق العودة، كما أن هاجس الانحدار في الأودية العميقة كان مسيطرا على الجميع الأمر الذي صعب مهمة عودتنا لديارنا سالمين. التنفيذ قريباً إلى ذلك، أكد مدير عام النقل في عسير علي عسيري، ان تنفيذ الطريق تأخر لأسباب أهمها وجود بعض الاشكاليات والمتمثلة في المقابر التي تعترض مساره، مما استدعى إعادة دراسة المشروع من جديد، وبالتالي إعادة التصميم وكافة الإجراءات المصاحبة وذلك بالتنسيق مع الإدارات ذات العلاقة. وختم عسيري بالقول «سيتم تنفيذ الطريق قريبا بعد انتهاء من الدراسة من كافة جوانبها إن شاء الله».