إحسان صادق فنان مجتهد ومكافح بنى نفسه بنفسه، موجات الحظ أصابته مرات عديدة، وحصد مسيرة فنية طويلة وأعمالا معروفة في العالم العربي امتدت على 40 عاما، تضمنت حوالي 4 آلاف ساعة تلفزيونية، بين برامج تاريخية ودراماتيكية وعاطفية منوعة و32 فيلما، كان آخرها «بيروت 011» مع صباح و«سفربرلك» مع فيروز، إضافة إلى عمله في المسرح والغناء والموسيقى. مسيرة حياة إحسان صادق طويلة ومليئة بالكفاح والمتغيرات، «عكاظ» التقت صادق في مكتبه في «نقابة الفنانين المحترفين» في بيروت التي أسسها في العام 1993، واسترجعت معه مسيرة طويلة من العمل في حقول الفن وحصاد النجاحات المتتالية. ما رأيك بالفن اليوم؟ إنه سؤال يطرح في الأزمنة كلها، فلكل زمن فنه وفنانوه وموجاته، فأحيانا هناك انتعاش بالخزان الإنتاجي، فيخرج نجوم يلفتون الانتباه، وفي أحيان أخرى يتراجع الإنتاج، بحيث لا يعود يعبر عن الطموح المرجو، تماما كما يحصل اليوم، حيث اختلفت وسائل الإنتاج، مع التقدم العلمي والإلكتروني. فمثلا، فيلم «بيروت 011» بالأسود والأبيض، الذي نفذ في بداية السبعينيات كلف أقل من 300 دولار، وفيلم سفربرلك كلف في حينها حوالي 400 دولار أمريكي، أما اليوم، فإذا قررنا تنفيذ فيلم بالتقنيات الجديدة، ففيلم ك«سفربرلك» يكلف ما لا يقل عن 3 ملايين دولار. اليوم المشكلة تكمن في الإنتاج، فكل منتج بات يفكر مئة مرة قبل أن يستثمر في عمل درامي أو فيلم، لأن التكاليف باتت كبيرة مقابل أرباح غير مضمونة. حتى مصر تشهد تراجعا في السينما، لأن وسائل التوزيع تراجعت كثيرا، كما أنها الأعمال السينمائية في البلدان العربية غير مصر شبه معدومة. في السابق في الثمانينيات وعلى الرغم من الظروف كنا ننتج سنويا 30 فيلما في لبنان، وكنا نرى أنها كمية غير كافية، اليوم هناك بالكاد فيلمان أو ثلاثة يتولاها بعض عشاق الفن. ما هو الحلم الذي لم تحققه؟ لست من الذين تأخذهم الأحلام. ولكن أشعر أنني حققت الكثير مما كنت أريده، علما أنني لم أخرج من عائلة ثرية وفي فمي ملعقة من الذهب، ولكن الله أعطاني ما استحقه وأكثر. نفذت مشاريع كثيرة، وليس لدي عقدة معينة من حلم عجزت عن تحقيقه. هل لديك عتب على الدول العربية أم على المشاهد العربي؟ ليس لدي أي لوم على المشاهد العربي، ففي النهاية المشاهد يتلقى ما يقدمه له أهل الفن ويختار ما يعجبه حسب ذوقه وتطلعاته. لكن عتبي على الدول العربية لأنها لم تستطع، حتى الآن، تأسيس مؤسسة جامعة للفنانين العرب، علما أن الإمكانات المادية موجودة، كان من الممكن كما أنشأوا جامعة للدول العربية، أن ينشئوا جامعة للفنانين أيضا. هل المشكلة برأيك اليوم في الفنانين أم بالمجتمع؟ المشكلة بالدرجة الأولى بضآلة ميزانيات الإنتاج، وبالدرجة الثانية بفقر القدرات الكتابية، فنحن نفتقد في عالمنا العربي إلى الكتاب الجيدين. أما بالنسبة للفنانين، فهناك وجوه جيدة ومواهب واعدة، والمشاهد لا يمكن أن نلومه على شيء فهو يشاهد ما يقدم. كيف هي يومياتك الآن؟ وما أبرز نشاطاتك؟ يومياتي صعبة في ظل مسرحيات الربيع العربي وبحور الدماء الجارفة، التي تؤثر بي وتحرق قلبي تماما كأي إنسان عربي يعيش على هذه الأرض ويسمع ويشاهد ما يجري من حوله من أحداث أليمة وموجعة. إنني أتنقل بين الجلوس أمام البحر لأنني من عشاقه، وبين خربشة بعض الألحان. لماذا لم نعد نراك في الأعمال الدرامية والسينمائية اليوم؟ هذا السؤال يطرح كثيرا علي. ولكن في الحقيقة لا يمكنني أن أدخل في عمل ليس على المستوى الذي اعتدت العمل فيه في مسيرتي، ولا سيما في سني وبعد مسيرة طويلة عرفني المشاهدون العرب خلالها في أسلوب معين ومستوى رفيع. أنا فعلا بانتظار الدور الذي يناسبني من النواحي كلها، ولن أقبل بأقل من هذا. علام تندم وإلام تشتاق؟ أندم كالكثير من الناس لأنني منحت ناسا وقتا وجهدا ولم يقابلوني بالوفاء الذي كنت أنتظره منهم، وهذا الأمر يحصل كثيرا، فربما أصبح الإخلاص عملة نادرة بين البشر، ولا سيما الذين نتعب ونجاهد من أجلهم. أما شوقي، فأنا أشتاق دائما لرائحة الصنوبر في لبنان، كلما ابتعدت قليلا أعود هائما مشتاقا، رائحة الصنوبر في لبنان ترد الروح. أنت فنان شمولي، وقد أعطيت حقول الفن المختلفة من بذارك، لكن أين تجد نفسك حقا؟ أجد نفسي أمام الكاميرا، أي كممثل أؤدي أدوارا مميزة، إنه مكاني الأول، والمكان الآخر هو جلوسي مع آلة العود، وأمامي ورقة النوتات الموسيقية.