هناك «5» حقائق أساسية لابد من التوقف أمامها قبل الحديث عن التوقعات لما سيؤول إليه الوضع في المنطقة خلال الأيام القليلة القادمة.. وتحديدا على الأراضي السورية.. وما قد يترتب على ذلك من تداعيات قد تكون خطيرة للغاية. تلك الحقائق هي: أولا: أن الضربة المرتقبة للأسد باتت مؤكدة بالرغم من التخاذل العربي.. وتلكؤ إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.. ومخاوف الكثيرين من دخول المنطقة حالة أشد من الفوضى خارج سوريا.. ثانيا: إن الموقف الروسي المساند للأسد ونظامه وإن بدا غير مستعد للوقوف إلى جانبه عند وقوع الضربة إلا أن أحدا لا يستطيع أن يجزم بتخليه عنه وخسارته لكل رهاناته السابقة بما فيها رهانه بعجز المجتمع الدولي عن الإقدام على اتخاذ قرار بضرب النظام المستبد في دمشق. ثالثا: إن أحدا لا يستطيع التكهن بما ستقوم به إيران من أدوار في ظل توجيه الضربة لحليفها الأول في المنطقة «الأسد» سواء للوقوف إلى جانبه للحد من تداعيات الضربة.. أو الإقدام على عمل جنوني غير مسؤول تجاه بعض الجيران وإن كان ذلك غير وارد لاعتبارات كثيرة يرد في مقدمتها إدراك النظام الإيراني مدى خطورة الإقدام على مغامرة كبيرة كهذه عليها قبل أن تكون على المنطقة بأسرها. الأسد بين العناد والطوق الروسي رابعا: إن من يعرفون شخصية الأسد «العنيدة» والقريبة في تكوينها من شخصية «صدام حسين» لا يبدون متفائلين بإمكانية تنازله وانسحابه من المشهد بالكامل وفق ترتيبات يتفق عليها الروس والإيرانيون مع الولاياتالمتحدة ودول الغرب وبعض دول المنطقة.. وإن كنت أعتقد أن إقدامه على خطوة كهذه خيار غير مستبعد بالرغم من تهديدات الأسد ووزير خارجيته المعلم بالقيام بعمل هائل ومفاجئ في إشارة إلى توجيه ضربات استباقية إلى بعض من يصنفهم النظام السوري في عداد الأعداء له. خامسا: إن الوضع المرتقب في سوريا - في حالة سقوط نظام الأسد.. يبدو وكأنه - بالنسبة للكثيرين - غامضا وغير مطمئن لعدم توفر اتفاق واضح بين قوى المعارضة السياسية في الداخل والخارج.. وكذلك بين قوى المواجهة العسكرية على الأرض ومن الداخل السوري.. نتيجة تعدد الجهات التي تقوم بأعمال عسكرية ضد النظام من خارج إطار الجيش الحر المقبول محليا وإقليميا ودوليا. الموقف العربي بين التضخم والتخاذل هذه العوامل متفرقة أو مجتمعة.. تجعل المراقب السياسي غير قادر على تبين حقيقة توجه المنطقة في ظل الأحداث المتسارعة بدءا من مطلع الأسبوع القادم. فالضربة المتوقعة.. ما زالت محل خلاف عنيف.. ليس فقط داخل الدول المتحمسة للإقدام عليها في الولاياتالمتحدة وفرنسا وإيطاليا ومن يشاركهم في هذا التوجه.. وإنما داخل الوطن العربي أيضا.. فما دار في اجتماعات وزراء الخارجية الأخير المنعقد بالقاهرة الأحد الماضي.. يفسره ذلك البيان «الإنشائي» الذي صدر عن الجامعة العربية.. بعد اللقاء وعكس مدى الاختلاف الشديد بين دولنا العربية تجاه اتخاذ موقف قوي واضح ومسؤول تجاه نظام قتل أكثر من (110) آلاف من مواطنيه ودمر بلاده خلال العامين والنصف الماضيين وليس لديه مانع في أن يقتل كل الشعب ويدمر كل الوطن السوري.. إن هو تمكن أكثر.. أو قدر له أن يستمر في السلطة بعد اليوم. ويمكن تقسيم المواقف العربية إلى ثلاثة مستويات: المستوى الأول: موقف واضح وقوي ومباشر تقوده المملكة ودول مجلس التعاون الخليجية والأردن واليمن والمغرب. المستوى الثاني: موقف محكوم بظروف محلية وإقليمية معقدة لدول مثل مصر.. وتونس.. وليبيا.. بحكم طبيعة الظروف التي تمر بها.. وكان موقفها مع إدانة وتحميل النظام السوري كامل المسؤولية عما جرى ويجري لكنها لم تكن مع قرار توجيه الضربة لاعتبارات تخصها. المستوى الثالث: موقف متخاذل لدول عربية أخرى لها حساباتها الخاصة التي تمليها عليها مصالحها وتحالفاتها الإقليمية، بالإضافة إلى أوضاع داخلية غير مستقرة.. ومن هذه الدول العراق.. ولبنان والجزائر.. لذلك فإن صيغة البيان كانت فضفاضة في محاولة من الجامعة العربية للخروج بموقف غير محدد وغير نهائي.. كعادة المجموعة العربية التي أكدت باستمرار أنها لا ترغب في تحمل المسؤولية.. بفعل خضوعها لعوامل ضغط داخلية أو خارجية أو لحسابات مرتبكة لا تقوم على مبادئ أو مصالح واضحة. لا مجال لتأجيل أو إلغاء الضربة لكن الأمر الواضح هو: أن المستوى العربي الأول قد حسم أمره واختار الوقوف إلى جانب الشعب السوري.. وليس مع النظام المتجبر.. لا بل وأكد على أهمية إحالة هذا النظام ورموزه لمحكمة العدل الدولية بعد إزاحته والإجهاز عليه.. هذا الموقف الواضح والقوي.. تقابله مخاوف من أطراف عربية أخرى بعضها مبرر.. مثل توقع حدوث تداعيات أخطر تؤدي إلى امتداد الحرب خارج سوريا.. وإن كانت الحسابات الدقيقة تقول إن هذا الاحتمال غير وارد في ظل إحكام الضربة وتوجيهها إلى أهداف محددة يرد في مقدمتها رأس النظام.. والبعض الآخر غير مبرر لأنه قائم على أساس فكرة عدم القبول بالتدخل الخارجي في الشؤون العربية قطعيا.. وهو مبدأ لا يختلف عليه الجميع وإن شابه عيبان هما: أولا: إن الأسد هو الذي استقوى بإيرانوروسيا وحتى حزب الله ضد شعبه وبذلك أسقط مقولة إن التدخل الخارجي مرفوض.. وثانيا: إن استمرار النظام في قتل شعبه واستخدام أسلحة نووية ضده هو الذي يبرر هذه الضربة لمعاقبته على فعلته تلك.. وبالتالي فإنه الوحيد الذي يتحمل مسؤوليته تجاه ما يحدث له.. وضده.. صحيح أن التدخل بكل أشكاله وألوانه مرهون - في الأصل - بتحقق إرادة دولية يحددها صدور قرار من مجلس الأمن.. لكن هذا القرار عطل كثيرا بسبب «الفيتو» الروسي والصيني المتكرر على مدى سنتين ونصف.. وأنه حتى بعد ظهور نتائج جولة ممثلي الأممالمتحدة على المواقع التي ضربها السلاح النووي في مناطق الغوطتين السورية.. وإدانتها للنظام وتحميله مسؤولية تلك الجريمة.. فإن روسيا وإلى جانبها الصين ستقفان ضد صدور قرار كهذا وسوف تمضيان في الوقوف إلى جانب الأسد حتى وإن كرر هذه الجريمة كثيرا.. وهذا يعني أن الأممالمتحدة سوف تظل عاجزة عن تطبيق البند السابع من ميثاقها لإنزال العقوبة المناسبة بحق هذا النظام وتلك هي المأساة.. لأن الأسد لن يتوقف عن الاستمرار في قتل الشعب السوري حتى وإن أعطي مهلة كافية للتراجع عن اقتراف تلك الجرائم.. لا بديل عن الضربة.. لماذا؟ فإذا نحن استسلمنا أمام عجز مجلس الأمن.. وكذلك أمام تخاذل الموقف العربي الموحد لمواجهة فظائع نظام الأسد ضد الشعب السوري.. فإن علينا أن نتقبل ما هو أسوأ من هذا النظام ومن شركائه وهم متفقون على مواصلة جهودهم للسيطرة على المنطقة كلها.. وفرض الأمر الواقع على الجميع وتحويل دولنا وشعوبنا إلى مستوطنات لمستعمرين جدد جاء الوقت ليحققوا أحلامهم الكبيرة في السيطرة على المنطقة وفرض التغيير الذي يخدم مصالحهم وأجنداتهم الخاصة.. لذلك كله فإن المصلحة العربية العليا.. مصلحة دول وشعوب المنطقة تفرض القبول بخيار الضربة شريطة أن تكون حاسمة وقاضية على كل مصادر الفوضى الحالية في سوريا.. بل وعلى كل مخططات الأطراف المشاركة في الفظائع التي تجري فيها، وبالتالي القضاء على المخطط الرهيب الذي تسعى إيرانوروسيا والأسد إلى تنفيذه.. وذلك بالسيطرة على مفاتيح المنطقة وعلى مقدرات شعوبها وثرواتها وقرارها السياسي.. وإذا حدثت الضربة بالشكل المحكم والمرسوم لها.. فإن الروس كعامل ثان لن يغامروا بالدخول في مواجهة مع الأطراف التي ستوجهها للاعتبارات التالية: 1) أنهم يدركون ومنذ وقت طويل أن استمرار الأسد في السلطة بات أمرا مستحيلا.. وأن وقوفهم إلى جانبه كان بهدف الحصول على نصيب وافر من الكعكة المنتظرة لرسم مستقبل سوريا.. 2) إن الروس يسعون من خلال اتصالاتهم السرية مع الإدارة الأمريكية في هذه الأيام الحاسمة للحصول على ضمانات أمريكية أوروبية عربية للبقاء في المنطقة بدور فاعل ومؤثر تحدده حجم المصالح المتفق على تبادلها مع كل الأطراف.. وذلك يمكن الاتفاق على خطوطه العريضة مقابل عدم الاستمرار في دعم الأسد حتى في لحظات النزع الأخير. 3) إن الروس وإن خسروا الحليف السوري إلا أن بيدهم ورقة إيران.. وهي الورقة التي يعتقدون أن الفرصة متاحة لهم الآن للتلويح بها بوجه دول المنطقة التي لا تنظر بارتياح للأطماع الإيرانية فيها.. وكذلك بوجه الغرب الذي يهمه ألا ينتقل الدعم الروسي من الوقوف وراء الأسد إلى مناطق التوتر الأخرى في المنطقة العربية.. حفاظا على مصالحه الكبيرة فيها.. وهذا يعني أن الروس وإن خسروا نصيرا عنيدا لهم كاد يحقق لهم عودة ظافرة إلى أمجاد (الاتحاد السوفيتي) القديمة في المنطقة إلا أنهم لا يجدون ما يبرر خسارتهم للعالم ودخولهم في مواجهة شاملة معه. هذا التوجه ترجمه وزير الخارجية «لا فروف» في تصريحات أخيرة له بأن بلاده لن تشارك في أي مواجهة للضربة المتوقعة ضد الأسد.. بالإضافة إلى إلغاء روسيا صفقتي أسلحة وصواريخ طويلة المدى في الوقت الراهن وإعادة النظر في الطلب السوري بعد ثلاث سنوات.. وهي مدة كافية لمعرفة أبعاد تطورات الموقف هناك.. خيارات إيران محدودة للغاية أما بالنسبة للموقف الإيراني فإنه وإن ظل «ضبابيا» حتى الآن إلا أن إيران تدرك أن نظامها يعاني من مشاكل اقتصادية وأمنية حادة.. وأن الملف النووي الإيراني ما زال مفتوحا حتى الآن.. وبالتالي فإنها لا تبدو مستعدة لتلقي ضربة قاصمة كانت موعودة بها منذ فترة.. كما أن حكومتها الجديدة برئاسة «روحاني» أخذت تتجه ومنذ الأسبوع الأول لممارستها السلطة نحو التهدئة مع دول العالم وكذلك مع دول المنطقة تخفيفا للضغط الذي تعيشه إيران وورثته هذه الحكومة.. من عهد الرئيس السابق.. «محمود أحمدي نجاد». ولولا أن قدمها قد زلت بالدخول إلى سوريا.. فإن روحاني الذي يبدو أكثر تعقلا من سلفه.. من النوع الذي يسعى إلى التقليل من تورط إيران في المنطقة بالصورة التي اعتادت عليها.. ولذلك فإنه يبحث عن مخرج أخلاقي من المستنقع السوري حتى يمضي في تنفيذ برنامجه الحكومي الأكثر تركيزا على إعادة بناء إيران من الداخل اقتصاديا.. والبحث عن مدخل ملائم لاستئناف حوارها مع دول العالم حول ملفها النووي.. صحيح أن الجناح المتشدد داخل إيران لا يبدو مستعدا لمصالحة حقيقية بينها وبين جيرانها.. بهدف إعادة بناء الثقة مع محيطها الجغرافي لكن الأكثر صحة هو أنه حتى هذا الجناح لا يملك رؤية واضحة للتوفيق بين استمرار بلاده في سياساتها تلك بالحد الأدنى من المخاطر وبين الإبقاء على دور فعال وقيادي لإيران.. لذلك فإن أقصى ما تستطيع أن تفعله طهران هو توفير المخرج الآمن لحليفها الأسد في ظل ترتيبات متفق عليها مع روسيا كشريك أساسي آخر يواجه نفس الورطة.. متى ضمن الإيرانيون والروس أمرين هامين هما: عدم ملاحقة الأسد وكبار أركان حكمه ولا سيما في القوات المسلحة وبقية مفاصل الدولة والحزب.. قضائيا - كما حدث في اليمن - وتعويضهما عن خسارتهما للشريك السوري بتقاسم مغانم المرحلة القادمة في إطار إعادة رسم الخارطة الجديدة للمنطقة..بدلا من خسارتهما لكل شيء.. وفي تصوري أن تأخير موعد البت في الضربة من جانب الأمريكان ليس تجسيدا لتردد الإدارة الأمريكية.. وإنما بسبب إعطاء الفرصة للطرفين الروسي والإيراني بعرض مالديهما وتحديد الموقف النهائي معهما.. يتبقى بعد ذلك موقف الأسد نفسه.. فجائية الضربة وقوتها هذا الموقف يتحدد في نقطتين هامتين هما: 1) مدى استجابته للرأي القائل بضرورة التنحي مع ضمان سلامته وأعوانه.. وذلك يتعارض كلية مع تكوينه العقلي ومع تركيبته الشخصية.. بسبب واحد هو أنني لا أعتقد أن الأسد في وضع يمكنه من الإقدام على مغامرة ضخمة.. مثل استخدامه لأسلحة دمار شامل ربما تتوفر لديه ولا يعرف أحد عنها إلا بضعة أشخاص من المقربين إليه من المهددين بمصير مجهول وميئوس من سلامته والذين قد يشجعون على استخدامه في ظل حالة اليأس التي قد يصلون إليها لا سيما إذا تأكد لهم أن الشريكين.. الإيراني والروسي غير مستعدين للذهاب معه أبعد مما ذهبا.. وإن كان حزب الله يرى غير ذلك لأنه يشعر أنه مستهدف بنفس القدر من الخطورة بالضربة المحتملة.. 2) مدى إتقان أمريكا لتوقيت البدء في الضربة وكذلك مدى وضوح الأهداف الحيوية والاستراتيجية المقصودة.. بما فيها رئيس النظام ومفاصله المؤثرة وضربها بالدقة الكافية وبالدرجة الساحقة للحيلولة دون مبادأة النظام بالضربة.. أو بتمكينه من الرد الفوري عليها وبصورة مجنونة.. وفي أكثر من اتجاه ليس من بينها بكل تأكيد إسرائيل.. لأنه ينظر إلى جيرانه العرب من المناوئين له على أنهم سبب القضاء عليه بمناصرتهم لخصومه في الداخل السوري.. لكن توقع شل القدرات العسكرية للأسد منذ اللحظة الأولى قد لا يحدث بالصورة المطلوبة وهذا - في حد ذاته - سيشكل أكبر خطر على المنطقة.. وسيضاعف حجم الخسائر في الداخل السوري وربما في الأطراف.. والخشية كل الخشية هي أن يكون الهدف من الضربة ليس هو رأس النظام السوري وبنيته الحاكمة وإنما الهدف هو أبعد من ذلك وأخطر وذلك سوف يرى منذ الأيام الأولى من عمر الضربة.. ولو حدث هذا.. فإنه سيكشف عن مخطط بعيد المدى هدفه أبعد من رأس الأسد.. وغايته إكمال خطة التغيير الشامل في المنطقة.. وإن كنت أعتقد أن الوقت غير مناسب لا.. لأمريكا.. ولا للدول الأوروبية المشاركة معها في تنفيذ الضربة.. فضلا عن أنه يتناقض مع سياسات «أوباما» وتوجهاته الشخصية نحو التقليل من تورطات أمريكا في حروب أفقدتها أكثر من (10) آلاف مقاتل أمريكي حتى الآن في أكثر من منطقة وبالذات في أفغانستان والعراق.. هل تتحول سوريا إلى بؤرة توتر خطير في الإقليم؟ صحيح أن إقدام «أوباما» على اتخاذ قرار القيام بالضربة كان يمثل خروجا على تلك السياسات.. لكنه وبكل تأكيد لم يتوصل إلى القناعة الجديدة بضرورة اتخاذ هذا القرار إلا بعد أن لمس عن كثب مدى تضرر بلاده ووصمها في مبادئها وتعهداتها والتزاماتها بالدفاع عن العدالة والديمقراطية ومواجهة العنف والإرهاب بقوة. ذلك أن تحول سوريا إلى بؤرة جديدة لتوتر شامل من شأنه أن يفقد المنطقة نهائيا حالة التوازن النسبي المتوفر حتى الآن.. ويسلمها لواقع جديد أشك في أن أمريكا قادرة على السيطرة عليه وحماية مصالحها في المنطقة مع اشتعال فتيله.. فصائل تهدد أمن المنطقة واستقرارها أما بالنسبة للهدف الخامس والأخير.. وهو شكل الوضع في سوريا في ظل سقوط الأسد وانهيار نظامه..فإن ذلك وإن كان يمثل مشكلة حقيقية بفعل وجود أكثر من طرف في الداخل السوري يقف بمواجهة النظام.. وبعض هذه القوى والفصائل يخطط بقوة للانقضاض على الحكم.. والقفز على السلطة العسكرية الوحيدة التي يثق بها المجتمع الدولي ولا يتردد في تقديم الدعم الكافي لها للسيطرة على الموقف بمؤازرة من الائتلاف السوري المعترف به إقليميا ودوليا.. إلا أن الدول المتضامنة للعمل على دعم كفاح الشعب السوري ضد الطاغية بشار حريصة على عدم وقوع ذلك.. وبالتاكيد فإن لديها أكثر من سيناريو للتعاطي مع هذا الوضع وعدم التمكين له في إعاقة انتقال سوريا إلى حياة سياسية وبنائية مستقرة.. وإلى وضع أمني واقتصادي موفور المناخ وإن جاء هذا بعد سنتين من قيام مؤسسات الدولة الجديدة بواجباتها على أكمل وجه. وللحقيقة فإن الوضع بداخل سوريا خطير وغير مطمئن.. ولا علاج له بالمرة إلا إذا توفرت إرادة دولية راغبة في استقرار سوريا.. أما إذا كانت هناك رغبة في استمرار الفوضى.. فإن تلك الفصائل المتباينة في أهدافها.. وسياساتها.. ورؤاها.. وأيدلوجيتها ستكون أدوات مناسبة لإشعال سوريا.. وتغيير وجه المنطقة من الداخل بالكامل.. وبكل تأكيد فإن السيطرة على هذه الفصائل - دون حاجة إلى تسميتها لمعرفة الكل لها - يبدأ بقطع شرايين تواصلها مع كل من إيران.. وحزب الله.. والعراق بدرجة أساسية ثم مع روسيا.. باعتبارها الطرف الذي يستثمر فيها ويستلم أثمانا عالية من إيران لضمان أدائها لمهامها على الأراضي السورية في المستقبل حتى تظل بمثابة أدوات يستخدمها الإيرانيون ولو عن بعد لتبني خططها وبرامجها المنطلقة من الأراضي السورية.. استمرارا للسياسات التي مارسها النظام السوري منذ فض الوحدة السورية / المصرية وحتى اليوم كمقرات لمنظمات الخطف.. والقتل.. والتصفيات الجسدية.. وإرسال العربات المفخخة إلى أكثر من دولة عربية شقيقة ودول أخرى غير شقيقة أيضا لنشر الفوضى ومختلف أشكال الدمار والخوف في أرجائها.. وتلك واحدة من الأخطاء الكبيرة التي مارسها النظام السوري طوال السبعين عاما الماضية.. وكان بسببها محل عدم ثقة وطمأنينة أشقائه في وقت سلم فيه الجولان لإسرائيل طواعية ولم يوجه نحوها صاروخا واحدا على الإطلاق.. المنطقة من الداخل بيد أنظمتها المستقرة ذلك هو الموقف العام للوضع السوري.. سواء قبل أو بعد الضربة المحسومة.. رغم وجود بعض التشكيك في إتمامها.. وهو تشكيك ندرك أن له غاية واحدة هي..الإبقاء على حالة التوتر في المنطقة في ذورتها.. وإرباك حسابات دولنا وشعوبنا وشل قدرتنا على التفكير السليم.. وزعزعة الثقة فيما بيننا.. وضرب شعوبنا بعضها ببعض.. ثم ضربها بدولها وأنظمتها المستقرة أيضا.. ولذلك فإن ما تحتاج إليه المنطقة الآن هو.. حالة هدوء نفسي وقدرة على التخطيط السليم.. وإتقان للتوقيت.. وكفاءة في التنظيم لتجاوز مرحلة صعبة غير هينة.. ستحدد في نهايتها مصائر دول وشعوب المنطقة بدرجات متفاوتة.. وإن كانت آثار الوضع السوري على الجميع ستتوقف إلى حد كبير على مدى التماسك الداخلي لكل دولة. وأخيرا.. فإن الكلمة القوية التي ألقاها الأمير سعود الفيصل في مؤتمر وزراء الخارجية العرب بالقاهرة مساء الأحد الماضي قد وضعت النقاط على الحروف.. وعبرت عن موقف واضح وصريح وغير رمادي كما فعل الآخرون.. وبالذات حين تساءل عن البديل لضربة ساحقة تستهدف رأس النظام السوري الذي ارتكب أبشع مجازر في التاريخ المعاصر تجاه شعبه.. وذلك بعد أن عطل الروس والصينيون صدور قرار من مجلس الأمن على مدى سنتين ونصف للتعامل مع الطاغية بعد أن رفض جميع النصائح والآراء والأفكار التي قدمها له الأشقاء والأصدقاء على حد سواء.. وكذلك بعد أن ظهر شيء من التراخي العربي تجاه اتخاذ قرار حازم وحاسم.. وبكل تأكيد.. فإنه ليس فقط للتعاطي مع النظام السوري الحالي.. وإنما بالنسبة لقضايا المنطقة المصيرية فإن العرب بحاجة إلى اتخاذ مواقف حازمة وحاسمة ضد تجاوزات مخلة بكل القيم والأخلاقيات والأنظمة والأعراف الدولية بدل الاستمرار في اتباع سياسات «رمادية» كانت وما تزال وسوف تظل سبب كل مصائبنا.. واختراق القوى الإقليمية والدولية لصفوفنا.. والإبقاء على منطقتنا في حالة عدم توازن باستمرار.. وذلك وحده هو الذي يخدم أهداف أعدائنا كل أعدائنا سواء كانوا من داخل الإقليم أو من خارجه.. فهل نفيق.. ونتعاون.. ونتضامن.. ونقف - كما قال الأمير سعود الفيصل - ولمرة واحدة.. مع العدل.. ومصلحة الأمة.. واستقرار الأوطان؟.