هذه قصة امرأة خمسينية أحضرها ابنها لقسم الإسعاف والطوارئ بمجمع الأمل «نساء» وتركها في صالة الانتظار، ولاحظتها العاملات في القسم وهي جالسة وحيدة، وعندما جئنها أخبرتهن بأن ابنها أحضرها وتركها في هذا المكان وليس لديها ما يثبت هويتها ولكن بعض أعضاء الفريق المعالج تعرفوا عليها، حيث أن المريضة تعتبر من الحالات المزمنة المعروفة بالمجمع ومشخصة بحالة «فصام وجداني ثنائي القطب»، وقد نومت عدة مرات وبعد آخر تنويم كانت تراجع في العيادات الخارجية ويصرف لها الدواء اللازم وكانت آخر مراجعة قبل إحضارها بيوم واحد وكانت حالتها مستقرة. وعلى الفور شرعت ممرضات القسم بتقديم الرعاية التمريضية اللازمة وتقديم العلاج لها من واقع ملفها الطبي بالرغم من رفض المريضة التنويم بقسم الملاحظة بالطوارئ، مرددة بأن ابنها سيأتي إليها لأخذها، وكانت في حالة قلق وتوتر مستمر خوفا من عدم حضوره، وتطلب من العاملات الاتصال بابنها لكي يحضر لأخذها وهي تبكي وتتألم نفسيا بسبب تركه لها وعدم سؤاله عنها، ولسان حالها يقول: «ما الذي حول قلب أبني على حجر» وبالفعل تم الاتصال بولدها وبعد عدة محاولات رد عليهم ووعدهم بالحضور بعد نهاية الاختبار في الفترة المسائية ولكنه لم يحضر. وفي صباح اليوم التالي لاحظت الممرضات تغيرا في حالة المريضة الصحية، وتم إعلان الشفرة الزرقاء (code blue) والبدء في عمل الإنعاش القلبي الرئوي لها دون أن تكون هناك استجابة فتم الإعلان عن الوفاة من قبل الطبيب الاستشاري المختص نتيجة هبوط حاد بالدورة الدموية والقلب. وهنا أكد ل«عكاظ» استشاري الطب النفسي ورئيس قسم الصحة النفسية ورئيس لجنة الوفيات بمجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض الدكتور مازن أبو الهيجاء، تسجيل 23 حالة وفاة بمجمع الأمل في الفترة من 1/1/1430ه وحتى 30/8/1434ه، منها 13 حالة وفاة داخل المجمع و10 حالات وفاة حدثت خارجه، مشيرا إلى أن أسباب هذه الوفيات جميعها طبيعية مثل التوقف المفاجئ للقلب والتنفس ويتم تحديد سبب الوفاة وتثبيته من قبل فريق طبي متخصص. وأضاف: «معدل الوفيات في مستشفيات الصحة النفسية أعلى من معدل الوفيات في المستشفيات العامة بنسبة 2.5 في المائة»، مرجعا أسباب ذلك لعوامل كثيرة أبرزها أن المرضى النفسيين بالعموم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الجسدية المزمنة، وحصول تعقيدات مرضية مثل أمراض الجهاز التنفسي والدورة الدموية والقلب وأمراض أخرى، ويعود كل ذلك إلى طبيعة المرض النفسي الذي يجعل إدراك المريض لأعراض المرض العضوي وتمييزها أو الاهتمام بالإبلاغ عنها ضعيفا، أو قد يكون معدوما مما يجعل المرض العضوي يتفاقم ويدخل المريض في تعقيدات المرض العضوي مما يصعب عملية العلاج. وأضاف: «في بعض الحالات يتم اكتشاف وتشخيص المرض العضوي بشكل مبكر إذا كان المريض نزيلا في المستشفى لوجود كوادر طبية متخصصة تقوم بعمل كافة الفحوص المخبرية والطبية للمريض بشكل روتيني ويتم علاج المريض، يضاف إلى ذلك أن هنالك حالات مرضية نفسية يكون فيها خطر الموت بالانتحار أو الجرعة الزائدة من المخدرات عاليا». وزاد: «فيما يخص الأدوية النفسية وعلاقتها بالوفاة نود التوضيح أن الأدوية النفسية المستخدمة قديما كان لها علاقة غير مباشرة بحصول الوفاة، أما الأدوية النفسية الحديثة فإنها تمتاز ولله الحمد بنسبة عالية من الأمان على صحة المريض، حيث إن جميع الأدوية التي تستخدم حاليا مسجلة في دليل الأدوية النفسية بوزارة الصحة والمعتمدة لعلاج المرضى النفسيين من الهيئات الدوائية العالمية مثل الهيئة الأمريكية للغذاء والدواء ال(FDA) والجمعية الأوروبية للعلوم الدوائية وكذلك الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية». وقال الدكتور الهيجاء: «إن الحالات التي تصل إلى المجمع عبر الإسعاف والطوارئ يتم فحصها من قبل أطباء القسم، وفي حال وجود علامات دالة على الحياة يتم إعلان الشفرة الزرقاء بشكل عاجل وعمل الإنعاش القلبي الرئوي ويتم إحالته إلى أقرب مستشفى لإكمال إجراءات علاجه، أما إذا كان الشخص قد وصل متوفى فيتم إحالته إلى مدينة الملك سعود الطبية لأنها الجهة المخولة بإصدار شهادة الوفاة للأشخاص الذين يصلون متوفين». وختم بالقول: «فيما يتعلق بإحضار حالات وفاة نتيجة جرعة زائدة من المخدرات، لم يتم رصد خلال الخمس سنوات الماضية مثل هذه الحالات عدا حالة واحدة ناتجة عن سمية حادة من تعاطي كميات عالية من الكحول، أما فيما يخص إحالة حالات الوفاة إلى الطب الشرعي فيتم عادة في حال اشتباه في الوفاة، أو بطلب من أهل المتوفى ولم يحصل أن تمت إحالة حالات إلى الطب الشرعي سابقا».