في جنح الظلام، وتحت أسقف مكاتب من الزنك المتنقلة، تعقد صفقات الوهم التي يكون ضحيتها بسطاء من ذوي الدخل المحدود. تلك تفاصيل قضية المتاجرة بالعشوائيات التي استشرت في أطراف مكةالمكرمة وتنامت حتى تحولت لظاهرة باتت تؤرق الجهات المختصة التي تتحرك بين الفينة والأخرى لإزالة التعديات وحماية مواقع من سطوة المعتدين عليها. لجنة التعديات وحماية الأراضي في إمارة مكةالمكرمة حررت خلال الأشهر القليلة الماضية ما يزيد عن 01 ملايين متر مربع من سطوة لصوص الأراضي البيضاء في مواقع متعددة جرى التعدي عليها من قبل تجار وهوامير أراضٍ، فيما تعمل اللجنة على حصر الأراضي التي جرى التعدي عليها خلال العامين المنصرمين. وكشف رئيس لجنة التعديات بمكةالمكرمة ناصر النفيعي أنه خلال الأشهر الماضية أزالت اللجنة مواقع كثيرة خارج النطاق العمراني، مرجعا تأخر اللجنة في مهامها لغياب المساح المختص في الفترة الماضية والذي تواجد أخيرا ضمن فريق عمل الجنة. وقال النفيعي: «لم يكن يوجد لدينا مساح والآن وضعنا خطة مع المساح لحصر ما تم عمله خلال السنتين الماضيتين، لأن هذا المساحة التي تمت الإزالة فيها لا تذكر مع الإزالة خلال السنتين الماضية». وزاد النفيعي: «معظم التعديات التي تقوم اللجنة بإزالتها الآن هي اعتداءات على أراضٍ حكومية من قبل عشوائيين بشكل مريب جدا، ونحن لهم بالمرصاد، وتوجد اعتداءات على أراضي مواطنين»، وأكمل حديثه قائلا: «نحن في سباق مع العشوائيات، واللجنة ينقصها دعم لأن المناطق المعتدى عليها كبيرة وشاسعة ومنتشرة، واللجنة تواجه هذا الوضع بمفردها، ونحتاج إلى دعم أكبر بالمعدات والكوادر»، وذكر أن المناطق التي تتركز فيها الاعتداءات مناطق كبيرة وشاسعة وتحتاج إلى لجنة متواجدة باستمرار بمعداتها وبقوتها الأمنية، لضمان عدم عودة التعديات مرة أخرى. وذكر أن اللجنة تشرف على جميع المناطق ما عدا المناطق الداخلة في النطاق العمراني، في حدود عمل اللجنة ابتداء من السيل الكبير إلى مركز الشعيبة، مرورا بالمراكز الموجودة كلها «البراكة، البيضاء، وادي نعمان، بئر الغنم وجزء من منطقة عمق». وأكمل: «في الآونة الأخيرة أحس بأن المواطنين تفهموا الوضع لأن العشوائيات تضر باقتصاد البلد كمنظر غير لائق جدا، وخاصة في منطقة مثل مكةالمكرمة يأتيها ضيوف الرحمن من جميع أنحاء العالم، فالمنظر يسيء لنا كمواطنين». وكشف النفيعي عن وجود حالات نادرة من اعتراضات المواطنين، مطالبا إياهم بتفهم دور اللجنة وضرر العشوائيات بالمنطقة. وفي الوقت الذي كشفت فيه أمانة العاصمة المقدسة أن 51 في المائة من الأراضي المخططة داخل النطاق العمراني في مكة أراضٍ بيضاء يحتكرها تجار العقار الذين يفتقرون إلى الانتماء الذاتي مما ضاعف مشكلة الإسكان في مكةالمكرمة ودفع إلى ارتفاع جنوني في سعر المتر العقاري، سيطر سماسرة على 14 مخططا عشوائيا في أطراف مكةالمكرمة وشرعوا في تسويقها بطرق غير نظامية، حيث تنامت ظاهرة التعديات في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ زاد من حجم التعديات في أطراف مكة والتي تقع أغلبها في مجاري أودية وسيول خطرة. ومع توقف المنح السكنية ردحا من الزمن في مكة وسيطرة العقاريين على أراضي النطاق العمراني، برزت تلك التعديات كحل يلجأ إليه ذوو الدخل المحدود بحثا في تملك أراضٍ سكنية تحقق شيئا من طموحاتهم وتكون عصا سحرية يضربون بها الأرض بحثا عن مسكن يلم شتات أسرهم، وهي الأراضي الذي تحمل وثائق منعوتة بالحماية من كل معتدٍ أو معارض عدا الدولة. ووسط حزمة من الاحترازات اتخذتها لجنة التعديات في مكةالمكرمة للحد من تنامي ظاهرة التعديات على أطراف مكةالمكرمة ومنع العشوائيات في نطاقها العمراني، شرع سماسرة العشوائيات في التسويق لمخططات حديثة الميلاد في تلك الأماكن، غير آبهين بكل تلك الملاحقات، ووسط إقبال مواطنين لا هم لهم سوى تملك بضعة أمتار من الأراضي في أي بقعة يمتلكون قيمتها المادية المتواضعة. ومن خلال جولة ميدانية ل«عكاظ» على أطراف مكةالمكرمة تبين أن منطقتي المغمس «شرق مكةالمكرمة» ووادي نعمان «جنوبها» هما الأكثر استشراء للتعديات، حيث شرع سمسارة مجهولون في تخطيط أراضي تلك المناطق وتحويلها إلى أراضٍ تتراوح أسعارها بين 40 ألفا و80 ألف ريال وبمساحات متباينة. سماسرة العشوائيات وفي المغمس الواقع شرق مكةالمكرمة أوضح كل من المواطنين عبدالعزيز القناوي، خالد البقمي وسليم الدعدي أنهم تملكوا أراضي في تلك المنطقة وفق وثائق يمنحها ملاك تلك المخططات، يصفونها بأنه تحمي المشتري من كل معارض سوى الدولة، وقالوا: «عجزنا عن شراء أراضٍ داخل حدود الحرم بسبب الارتفاع الجنوني الذي لم يسبق له مثيل، حيث تجاوز سعر المتر المربع في مخططات الشرائع مثلا والتي تبعد مسافة 12 كيلومترا عن المنطقة المركزية، قرابة 2000 ريال، وهذا سعر يصعب معه تملك ذوي الدخل المحدود أراضي بصكوك شرعية، مما دفعنا إلى الخروج للبحث عن أراضٍ خارج النطاق العمراني نستطيع فيها تشييد مساكن، فلم نجد بدا من الشراء مع سماسرة العشوائيات بهذه الوثائق التي تنص على حماية المشتري من كل معتدٍ أو معارض إلا الدولة وأسعارها في متناول اليد». ولم تقف جولة «عكاظ» على عشوائيات أطراف مكةالمكرمة بل امتدت الجولة لتقف على أحدث تلك المناطق العشوائية عمرا، وتلك المنطقة هي وادي ملكان جنوبمكةالمكرمة، والتي انطلقت فيها موجة بيع وشراء ضخمة وسط إقبال كثيف من المواطنين، حيث تحدث ل«عكاظ» مواطنون بأنهم اقتنعوا بشراء قطع من الأراضي هناك تتناسب أسعارها مع ما يدخرونه من مال، وقالوا: «انتظرنا طويلا تحقيق حلمنا بتملك الأراضي في النطاق العمراني لكن الحلم بات يتلاشى مع ارتفاع أسعار الأراضي هناك وقلة العرض مع كثرة الطلب، وما زاد من إقدامنا على ذلك تأخر قوائم المنح في أمانة العاصمة المقدسة والتي لم تشهد تحركا منذ سنوات، لذا كان خيارنا الذي لا بد لنا منه شراء أراضٍ في منطقتي وادي ملكان ووادي نعمان، واللتين تتناسب أسعارهما مع إمكاناتنا المادية». 3 فئات وفند رئيس اللجنة العقارية في مكةالمكرمة منصور أبو رياش العشوائيات في مكةالمكرمة إلى ثلاث فئات وقال: «العشوائيات في مكةالمكرمة تقع في ثلاث فئات، وتحتاج كل فئة إلى تنظيم خاص، فالفئة الأولى هي «عشوائيات المنطقة المركزية» وهي عشوائيات مغرية جدا وذات جدوى اقتصادية عالية، لذا فإنها تكون عادة محل أنظار المستثمرين من أصحاب الأموال، والمفترض أن تسلم هذه العشوائيات إلى شركات تطوير تعمل على إعادة تنظيمها واستثمارها وفق الأطر العمرانية المتوافقة مع المخطط الشامل المعتمد، حيث تفتح الطرق الإشعاعية والطويلة والعرضية بها ويعاد تنظيمها بحيث تكون أماكن جاذبة للاستثمار وحضارية ولا تكون بؤرا للجريمة، فتنظيمها سيقضي على الجريمة ويعزز الناحية الأمنية فيها. أما الفئة الثانية من تلك العشوائيات فهي مناطق العشوائيات الطرفية والتي يقصد بها العمق الثاني في مكةالمكرمة، والتي تقع خارج حدود المركزية وتعتبر في واقع الأمر مناطق معقدة تمثل بؤرا للجريمة ويمكن وصفها ب«الأماكن الفقيرة»، وليس المقصود بذلك الإساءة إلى قاطنيها ولكن واقعها الديموغرافي والاجتماعي جعلها كذلك، وهذه تقع مسؤوليات تطويرها أولا وأخيرا على عاتق أمانة العاصمة المقدسة ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ولعل ما تحتاجه الآن هذه المناطق هو التنظيم الجزئي، بمعنى فتح الطرق العاجلة فيها طوليا وعرضيا، وكذلك معالجة المباني السكنية فيها معالجة موضوعية بحيث يسمح فيها بنظام تعدد الأدوار وربطه بالارتدادات التنظيمية، بمعنى أن يسمح لملاك المباني بإعادة البناء مع منح تسهيلات لهم بدلا من التعويضات المالية، ومن تلك الأماكن حارة السلمان، وادي جليل، جبل النور، حارة الصبوح، البحيرات، المسلفة والنكاسة وغيرها. أما الفئة الثالثة من تلك العشوائيات فهي تلك المناطق الحديثة الإنشاء خارج نطاق مكةالمكرمة العمراني والتي توصف دوما ب«التعديات»، ولعلي هنا أشير إلى أن التعامل مع هذا المسمى عفى عليه الزمن، فبعد إيقاف صكوك الاستحكامات استشرت هذه المناطق، والسبب معروف للجميع، غلاء عقارات مكةالمكرمة، لكن ظل «سلطان الإزالة» يهدد تلك المناطق، لذا نتأمل من المخطط الشامل معالجة ذلك من خلال تمليك الناس تلك المواقع وتحويل وثائقها إلى صكوك يلحق بها أنها منح وتوصل لها الخدمات. والخطوة الأهم قبل ذلك هي إعادة إعداد مصورات جوية لمكةالمكرمة وإعطاء فرصة جديدة مع هذه الخطوة». وبالرغم من محاولات لجنة مراقبة الأراضي وإزالة التعديات في مكةالمكرمة إيقاف تلك التعديات في أطراف مكةالمكرمة والتي تمكنت خلال الأعوام الثلاثة الماضية من تطهير 200 موقع من سماسرة التعديات إلا أن الإمكانات البشرية والآلية لا تزال عاجزة عن إيقاف زحف التعديات واستشرائها في تلك الأماكن، حيث ركزت اللجنة في عملها مؤخرا على حماية الأراضي الحكومية، لاسيما الأراضي المملوكة لصالح عين زبيدة، فيما وضعت اللجنة قائمة سوداء لسماسرة وتجار الأراضي البيضاء بعد تكرر اعتدائهم على الأراضي. من جهتها حررت لجنة التعديات وحماية الأراضي في بلدية الشرائع شرق مكةالمكرمة في وقت سابق ستة ملايين متر مربع من سطوة سماسرة الأراضي البيضاء، بعد أن أحبطت محاولة تعدي مواطنين على أراضٍ حكومية في مساحة تقدر بستة ملايين متر مربع بشمال غرب مخطط العسيلة، تقع على قمم الجبال الخلفية، حيث أوقفت اللجنة المعتدين وقامت بحجز إحدى المعدات، ومن المتوقع أن تطبق بحقهم العقوبات الرادعة بعد استيفاء الغرامة المترتبة على ذلك، حيث إن هذه المواقع العشوائية تمت إقامتها بطرق غير نظامية من قبل بعض المواطنين المخالفين ممن يعتدون على الأراضي الحكومية دون وجود ما يثبت ملكيتهم لها. مبان مخالفة ورصدت البلدية في جولات ميدانية سرية لمراقبي اللجنة والبلدية عددا من الأحواش والمباني غير النظامية والمقامة بطرق عشوائية والتي لا يحمل أصحابها صكوكا شرعية مما استدعى إزالتها بالكامل، وذلك بمشاركة عدد من منسوبي الجهات الأمنية بالعاصمة المقدسة، وتمت إزالة 13 موقعا عبارة عن تعديات على أراضٍ حكومية، وذلك ببناء حوشين في مخطط (11) بمساحة 1200 متر مربع تقريبا، وموقعين آخرين بالعسيلة بمساحة 7000 متر مربع، وموقع آخر بمخطط الخضراء بمساحة 400 متر مربع، وفي مخطط المعيصم إزالة تعدٍ عبارة عن رضوم من الحجر بارتفاع نصف متر بطول 20 مترا، وأكدت البلدية أنها ستواصل مهامها في إزالة أي مواقع تعديات دون تأخر أو تهاون، وأهابت بجميع المواطنين عدم السعي وراء الأراضي والمخططات العشوائية وعدم البناء بطرق مخالفة حتى لا يكونوا عرضة للجزاءات التي نص عليها النظام. فيما أرجع خبير في التعديات ورئيس سابق للجنة مراقبة الأراضي وإزالة التعديات في مكةالمكرمة «فضل عدم ذكر اسمه» أسباب تنامي التعديات في أطراف مكةالمكرمة إلى رخص الأراضي خارج النطاق العمراني والتي لا تقارن مع أسعار الأراضي داخل النطاق مطلقا - على حد قوله. واقترح في حديث ل«عكاظ» ضرورة تحرك أمانة العاصمة المقدسة لتخطيط تلك المواقع ومنحها للمواطنين بدلا من تركها في أيادي سماسرة العشوائيات. أسعار خيالية يشار إلى أن الأراضي التي داخل المخططات المعتمدة في النطاق العمراني بلغت أسعارا خيالية، لذا من الضرورة أن تأخذ الأمانة على عاتقها تخطيط الأراضي العشوائية وتوزيعها على المواطنين أصحاب الدخل المحدود الذين يلجأون إليها لمناسبة أسعارها لمداخيلهم المادية.