65 مخططًا ومنطقة عشوائية باتت تحاصر مكة من جميع الجهات.. خبر قد يمر للوهلة الاولى على البعض مرور الكرام، لكنه بالنسبة للمسؤول أو المخطط يعنى وجود خلل كبير في التنظيم والتشريع والمتابعة.. فأين المشكلة بالضبط، هل تكمن في تأخر المنح، أم غياب البديل السكني المناسب لعمليات الازالة الجارية حاليا من اجل المشروعات التطويرية الكبري في المنطقة المركزية، ام التخطيط المركزي للمستقبل؟، اسئلة كثيرة مطروحة للنقاش نحاول البحث عن اجابات لها من خلال هذه الجولات. زحف نحو العشوائيات والأودية بدأت المخططات العشوائية الجديدة في أطراف مكةالمكرمة تحظى باهتمام السكان الذين أزيلت مساكنهم لصالح مشروعات التوسعة أو الطريق الموازي أو غيرهما. وقد اختار هؤلاء المخططات العشوائية رغم الجهود المبذولة لإيجاد بدائل إسكان نموذجية ضمن استراتيجية المنطقة “مكة نحو العالم الأول” وتشير التقارير إلى أن الأمانة رصدت حتى الآن 65 مخططًا ومنطقة وحيًا عشوائيًا بمكةالمكرمة تتفاوت درجة عشوائيتها في ظل وجود مناطق لها مقومات استثمارية تشجع القطاع الخاص على المشاركة بتطويرها، وهي قريبة من مركز المدينة والمحاور التجارية الهامة والشوارع الرئيسية، ومناطق عشوائية ليس لها مقومات استثمارية ولا تشجع القطاع الخاص على المشاركة في تطويرها وثالثة مناطق عشوائية لها إمكانية ذاتية للتحسين والتطوير وهذه المناطق العشوائية غير مرخصة استكملت بوضع اليد دون مستمسك شرعي وتقع غالبًا في أطراف الكتلة العمرانية. من خلال الجولات الميدانية اتضح أن المخططات العشوائية الجديدة منتشرة في جميع جهات العاصمة المقدسة ففي شرق مكة انطلاقًا من مشعر عرفات تجاه طريق الطائف رصدنا عشرات المخططات والمساكنالجديدة في وادي نعمان والجعرانة على جانبي الطريق حتى نقطة تفتيش “الكر” وضاحية الشرائع بعضها مبني بطريقة حديثة لا توحي للمشاهد أنها غير نظامية، وقد بذلت لجنة التعديات جهودًا كبيرة في إزالة مئات الوحدات السكنية والاستراحات والفلل لكن البناء يقام في الإجازات وعطلة نهاية الأسبوع وبعض المواقع لم يُعَدْ بناؤها منذ إزالتها. وفي شمال مكة على طريق المدينةالمنورة أكثر من عشرة مخططات عشوائية أبرزها مخطط “بئر الغنم”، الذي بدأت الجاليات تتجه إليه من حي النكاسة والكعكية، وفي جنوبمكة مخطط العكيشية العشوائي وعلى امتداد طريق الساحل عدد من المخططات غير النظامية أبرزها “عمق” الذي شهد بناء مئات الوحدات، وقامت لجنة التعديات بإزالة العشرات من المساكن والاستراحات ثم أعاد أصحابها بناءها، ولا يزال المخطط مجهول المصير، وفى الجنوب الغربي يعد مخطط الحديبية والشميسى على طريق مكة - جدة السريع وأم الجود من أكثر المخططات التي تشهد زحفًا لسكان المناطق العشوائية. نقص في المتابعة وكشفت جولتنا أن جنوبمكة على طريق الساحل من أكثر المناطق، التي تشهد مخططات عشوائية باعتبارها منطقة ساحلية قليلة الجبال، وتبين إقامة عشرات بل مئات المخططات خلال العشرين السنة الماضية على أراضٍ حكومية وبعضها على أراضٍ تعود ملكيتها للقبائل، التي تعيش في تلك القرى، التي يقول بعضهم أنهم توارثوها أبًا عن جد، ومع التوسع وبحث سكان الحاضرة عن استراحات وأماكن ترفيه في أطراف وخارج النطاق العمرانى وفي ظل الإغراءات المادية التي يقدمها بعض هوامير تجارة الأراضي اضطر الكثير من ابناء القبائل لبيع هذه الأراضي التي تقدر مساحتها بملايين الأمتار بعيدا عن عيون الرقابة. والتقينا خلال جولتنا على مخططات وادي عمق على بعد “50كم” جنوبمكة عددًا من أهالي تلك المخططات. في البداية يقول المواطن عوض حسين العتيبى: هذه قرانا نعيش فيها منذ عشرات السنين قبل أن تصبح مخططات وتكتظ بالسكان، كانت عبارة عن حواري متباعدة وكنا نعيش في خيام وبيوت من الصفائح المعدنية وقبل عشرين سنة بدأنا نشعر بالحاجة للخدمات بعد وصول الكهرباء الى القرى المجاورة وتقدمنا بطلباتنا للجهات المسؤولة ولا زلنا ننتظر وصول الخدمات. وتعد “بئر الغنم” من المناطق الواقعة غرب مكة وكانت عبارة عن قرية نائية محدودة السكان وشهدت خلال الخمس سنوات الماضية عملية بيع وشراء للأراضي المنبسطة، وقام هوامير الأراضي بتخطيطها وبيعها لأبناء الجاليات الآسيوية الذين هبوا لشراء الأراضي. وفى بداية الأمر كانت قيمة الأراضي السكنية لا تتجاوز خمسة آلاف ريال، ومع توجه المشترين وصل سعر القطعة (600م2) لأكثر من خمسين ألف ريال حاليًا قابلة للزيادة خاصة أن بعض المواقع فيها خدمات الكهرباء. وقد زرنا المنطقة والتقينا عددًا من الأهالي الذين يسكنون فيها منذ عقود، وأكدوا أن هذه الأراضي موزعة بين القبائل التي عاشت في المنطقة، وقام بعض تجار العقارات بشراء مساحات كبيرة من أصحابها ثم تولوا تخطيطها وبيعها على الراغبين. وأكدوا أن أكثر من اشترى الأراضي هم من الجالية البرماوية والبنغالية التي تسكن أحياء النكاسة والزهور وحارة القمامة التي يتوقع إزالتها خلال العامين القادمين ضمن مشروع تطوير عشوائيات مكة. يقول المواطن جميل اللحيانى من سكان “بئر الغنم”: هذه منطقة سكنية ممتازة بدأت تشهد زحفًا كبيرًا من سكان مكة، والبلدية تقوم بجولات ميدانية لمنع إقامة المساكن غير النظامية وتتم أعمال الإزالة بين فترة وأخرى لكن لا يزال هناك العديد من المساكن التي تشيد أسبوعيًا، مطالبًا الجهات المسؤولة بتوفير الخدمات اللازمة والمزيد من التنظيم خاصة بعد الزحف الكبير لسكان العشوائيات في مكة. واوضح ان تجاهل هذا الأمر يعيدنا للوراء وتوجد مجموعات كبيرة من المناطق العشوائية حول مكة يقطنها وافدون سيكون لهم تأثير على الحياة العامة في القرى. من جانبه يرى المواطن ريان العتيبي أن الأراضي في هذه المنطقة تحولت لمخططات بعد قيام أصحابها الذين ورثوها أبًا عن جد ببيعها لتجار العقار الذين حولوها لمخططات والآن أصبحنا أمام الأمر الواقع وليس هناك حل سوى تنظيم هذه المخططات وإيصال الخدمات إليها وتوفير الدوريات الأمنية. وأضاف في السنوات الأخيرة لاحظنا إنشاء مخططات عشوائية جهة منطقة اللحيانية ومجاري السيول، وهناك جالية آسيوية كبيرة بدأت تزحف من النكاسة والأحياء العشوائية داخل مكة باتجاه الجعرانة وبئر الغنم لتقيم مساكن بطريقة غير نظامية، أما نحن فلدينا القناعة بالبقاء في هذه الأراضي التي هى ديارنا منذ القدم. زحف إلى المخططات من جانبه يرى المواطن عابد محمد الحارثى من أهالي الجموم “بئر الغنم” أن قرى غرب مكة تحظى باهتمام الجهات المسؤولة، داعيًا لجان التعديات إلى اليقظة حتى لا تتحول مستقبلًا لمخططات عشوائية، لكن بالنسبة لأراضي ومخططات بئر الغنم والجموم فأكثرها اشتراها المخططون من أصحابها الأصليين، ومادام اصحابها باعوها لهؤلاء الأشخاص فمن حقهم البناء نظاميا. ويعد وادي ملكان إحدى المناطق التي تضم عددًا من المخططات العشوائية والتقينا خلال جولتنا عددًا من السكان الذين أكدوا أن غياب الخدمات ساهم في تشكيل عدد من المخططات العشوائية لأن بعض اصحاب الأراضي ذات المساحة الشاسعة باعها أصحابها لتجار العقار الذين قاموا بتخطيطها بمساحات صغيرة وبيعها لمواطنين بعضهم للمتاجرة وبعضهم لإقامة مساكن واستراحات. وقال المواطن ساعد الهذلي إن السنوات الخمس الأخيرة شهدت زحفا كبيرا لأهالي مكةالمكرمة تجاه مخططات الجعرانة ووادي ملكان ووادي نعمان حتى نقطة الكر، ويقترح تنظيم المناطق حول مكةالمكرمة لوجود مساحات كبيرة من الأراضي تتعرض إلى التعديات على مدار العام. وطالب بتشكيل لجنة لمتابعة الأراضي حول مكة وسرعة توزيعها على المواطنين لقطع الطريق أمام أطماع لصوص الأراضي. وفي وادي نعمان شرق مكةالمكرمة تنتشر المخططات العشوائية بطول الوادي، وفيما بنى في بعض المواقع استراحات بقي بعضها مسورًا فقط. ويقول المواطن (ع.ز) إنه اشترى قطعة أرض بسعر معقول يناسب حجم دخله المحدود لإقامة مبنى سكني له إذا ما قدر له ذلك، وسيسكن هناك لأن دخله لا يسمح له بدفع إيجار شقة سكنية له ولأسرته في مكةالمكرمة لارتفاع الإيجارات. ولفت إلى أن قرب وادي نعمان من مكةالمكرمة وسهولة إيصال أبنائه للمدارس يشجع على السكن هناك، وبسؤاله إن كان اشترى الأرض بموجب صك شرعي قال إنه اشتراها بموجب وثيقة عادية من أحد مكاتب العقار. فيما أشار مواطن آخر فضل عدم ذكر اسمه إلى أنه اشترى مخططًا كبيرًا بمنطقة وادي نعمان بمبلغ معقول من صك زراعي من مواطن من أهل المنطقة وفي أعلى وادي نعمان التقينا مواطنا قال إنه يسكن في المنطقة منذ عهد آبائه وأجداده، وقال إن عددًا كبيرًا من المخططات التي ظهرت في السنوات الأخيرة في وادي نعمان بدون تنظيم. البار: تمليك المعتدين على الأراضي العشوائية 600م وبيع باقي المساحة بأسعار متدرجة أحمد الأحمدي - مكة قال أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة بن فضل البار إن لائحة تطوير وتنظيم الأحياء العشوائية بمنطقة مكةالمكرمة اشتملت على بند خاص بالأراضي العشوائية القديمة المعتدى عليها يقضي بأن يتم تنظيمها وتمليك المواطنين المعتدين على تلك الأراضي مساحة 600 م منها وهو ما يعادل المنحة البلدية المقدرة ب 620 مترًا مربعًا وإن وجدت زيادة في المساحة يتم بيعها بأسعار متدرجة. والمح البار الى أنظمة جديدة ستطبقها وزارة الشؤون البلدية والقروية عند اعتماد المخططات بناء على قرار مجلس الوزراء والذى قضي بتشكيل لجنة من وزارات المياه والكهرباء والمالية والاقتصاد والتخطيط والقطاعات ذات العلاقة بهدف التأكد من إدراج مبالغ إيصال الخدمات الضرورية والأساسية الهامة لهذه المخططات . واشار الى ان هذه الخطوة تهدف الى تلافي الاخطاء السابقة المتمثلة في توزيع أراضى منح بدون خدمات لافتا الى أن أغلبية مخططات المنح بمكةالمكرمة والتي لم تتوفر بها الخدمات ثم اعتمادها منذ سنوات طويلة قبل صدور هذا القرار . مكاتب عقار تحمِّل الأمانة المسؤولية وتتهم بعض المراقبين بالتواطؤ حمَّل عدد من أصحاب مكاتب العقار بمكةالمكرمة أمانة العاصمة المقدسة مسؤولية تزايد المخططات العشوائية لضعف الرقابة وغياب آلية تحديد مواقع المخططات النظامية والمخالفة وسرعة إزالة المخالفات. وطالب أصحاب مكاتب العقار وزارتي الشؤون البلدية والقروية والإسكان بحصر الأراضي الحكومية وتحديدها وسن أنظمة تطبق ضد من يقوم بالاعتداء عليها وتوزيع أراضي المنح على جميع المتقدمين، وبذلك نضمن عدم إقامة مخططات عشوائية. وقال عدنان محمد علي صاحب مكتب عقار، أمانة العاصمة المقدسة لا يوجد لديها نظام واضح لمراقبة الأراضي، متهمًا بعض اعضاء اللجان الرقابية بالتواطؤ مع هوامير الأراضي على حد زعمه. وأضاف: من خلال خبرتي الطويلة في مجال بيع وشراء العقار في مخططات كثيرة بمكة هناك مواقع محدثة لا تقف عندها لجنة التعديات، وفي المقابل نجد مواقع تزيلها اللجنة مرة واثنتين وثلاثًا، وشدد على أهمية تشكيل لجان محايدة لا تعرف المجاملات لإزالة التعديات بدون استثناء. ويرى صالح محمد الزهرانى صاحب مكتب عقار أن عشرات المخططات العشوائية ظهرت في مكة وغيرها خلال العقود الثلاثة الماضية وبعضها أخذت صفة شرعية مثل مخططات الحسينية والعوالي وما جاورها، مشيرا إلى أنها بدأت عشوائية بطريقة الاعتداء ثم اشترى بعض أصحاب النفوذ مساحات كبيرة من أصحابها الأصليين وتم اتباع الطرق النظامية واستخراج صكوك شرعية لعدد كبير من المخططات. وقال إن الحل الآن يكمن في منح جميع المواطنين أراضي في المخططات المنتشرة في المدن، مؤكدًا أن التأخير يساهم في الارتفاع غير المبرر لأسعار العقار وانتشار المخططات العشوائية.