تتجه معظم العائلات والأطفال إلى برحة العيدروس المقابلة لمدرسة الفلاح التاريخية بجدة، إذ تتسع البرحة لمرتاديها.. في أول أيام العيد وتزدان أمام زائريها بدءا من ساعات الصباح الأولى حتى نسائم فجر اليوم التالي من خلال استمتاعهم بالألعاب الشعبية والبسطات والخيول المتواجدة كرمز تراثي جميل في حارة المظلوم والشام واليمن مرددين الأغنيات الحجازية المعبرة عن أصالة الماضي وعراقته، ولم تفلح المرافق الترفيهية والخدمية والملاهي التجارية الحديثة المقامة على كورنيش جدة الشمالي والأوسط في التغلب على سحر ورونق ألعاب البرحة البدائية والتراثية على الرغم من أن أغلب هذه الألعاب والمراجيح تدار باليد.. ويعود تاريخ مسمى هذه البرحة إلى وجود أحد التجار الكبار الملقب «بالعيدروس» حيث كانت البرحة موقعا مناسبا لبعض السكان في ذلك الزمن الجميل لتبادل الحكايات والأخبار فيها، وكانت تعتبر نقطة انطلاق للمسحراتي الذي يحمل آلة الطبلة ويخبر السكان والأهالي بالعيد من خلال ضربه على الطبل، مطلقا مقولته الشهيرة : «من العايدين والفايزين» .. وينطلق في حينها الأهالي لإعطاء المسحراتي بعض الهدايا، وتحولت بعد ذلك إلى مقر لإقامة كرنفال شعبي ممزوج ببعض الألعاب البدائية في أيام العيد، والتي يقيمها سكان الحارة، بالإضافة إلى أنها كانت مقرا لتجمع سكان الحارات المجاورة في يوم العيد، بالإضافة إلى لعبة المزمار المشهورة في جدة وترديد بعض الأغاني القديمة فيها بين السكان وأهل الحارة. ومنذ يومين بدأ سكان برحة العيدروس بنزع حلتهم التي استقبلوا فيها شهر رمضان المبارك، وبدؤوا في لبس حلة جديدة خاصة بعيد الفطر المبارك، حيث بدأ المشرفون في تركيب الألعاب البسيطة، وإعادة نصبها كما هو معتاد سنويا في كل عيد، حيث ظلت هذه البرحة متنفسا للأطفال منذ أن انطلق جرس البهجة منذ أكثر من 60 عاما إذ كان أهل الحارة في ذلك الوقت يقومون بنصبها خلال فترة العيد، وكانت اللعبة الواحدة لا يتعدى ثمنها ربع ريال قبل 25 عاما، أما في أيامنا هذه فارتفع السعر قليلا وأصبح لا يتعدى سعر البعض منها 10 ريالات، ويقوم المشرفون والقائمون على هذه الألعاب بترديد بعض العبارات التي تجذب إليهم الأطفال مثل «طرمبة طرمبة وشربنا الشوربة» .. وغيرها من العبارت الأخرى، كما يقوم آخرون بجلب بعض الخيول والجمال، التي يقومون بحمل الأطفال عليها وأخذ لفة كاملة على البرحة والتقاط الصور لهم. ويرى عدد من المواطنين والمقيمين أن معاني العيد التي تتميز بها جدة القديمة تحديدا بها الكثير من التواصل والتعاضد الذي يبين أهمية صلة الرحم، حيث تجتمع العائلات مع بعضها وتعد موائد الطعام، ويلهو الأطفال ببراءة تعزز من القيم الإيجابية التي تتجسد في الأعياد والمناسبات. فيقول العم عبدالرحمن صالح: في «برحة العيدروس» تكثر العائلات والأطفال لتصبح البرحة ممتلئة عن آخرها في صباحات العيد النقية، فتجد الحارات تضج بها الحياة، ويرتفع الصخب حيث توجد عربة تبيع المأكولات الشعبية هنا، وأخرى تقدم الألعاب لأطفال صغار هناك، حين تنطلق شمس الصباح إلى السماء معلنة قدوم العيد وبهجته، مشيرا إلى أنه يتمنى أن يعود إلى أيام العيد السابقة بعد أن بقي وحيدا.. ويوضح عبدالرؤوف الحطامي «بائع أقمشة» في أحد المحلات بالبلد أن المظاهر الشعبية والاجتماعات التي يقوم بها مختلف القاطنين في الشوارع المحيطة ببرحة العيدروس تمثل أهمية بالغة تشي بوضوح لإبراز القيمة الكبيرة التي من المفترض أن تكون عليها المجتمعات، وربما اختلفت اهتمامات الأطفال فأصبح جيل التقنية لا يصعد المرجيحة ولا يتلاعب في الرمال كثيرا، إلا أن الجميع يدركون فرصة الاتصال معا لزيادة أواصر المحبة، لافتا إلى أن ليلة العيد تشهد اختناقا وتوقفا في الحركة المرورية بسبب ضيق الطريق، بالإضافة إلى الازدحام أمام المحلات التجارية لإنجاز جميع المتطلبات، ويضيف رضوان عبد العليم «من سكان حي البلد» : تشعر وأنت تمر عبر هذه الأمكنة بمعنى أن تكون العائلات والأسر إلى جوار بعضها حيث تتلاصق القلوب كتلاصق جدران تلك البنايات التي مر على بنائها زمن طويل فأيام العيد بالبرحة لا تنسى ولها طعم آخر مختلف عما سواها.