أطل أبوطبيلة «المسحراتي» مودعا الشهر الكريم بعد أن قطع قرابة 210 كلم سيرا على الأقدام وهو يردد أهازيج مختلفة عن بداية الشهر، حيث تسمى هذه الليالي ليالي الوداع، ومن الأهازيج الواداعية «الوداع الوداع يا شهر رمضان.. الوداع الوداع يا شهر الرحمن، اقعد اقعد يا عابد باقي ليلتين وتعايد، اقعد اقعد وحد المعبود عسى هالفرحة علينا تعود». أبوطبيلة «المسحراتي» عرفته الشعوب الإسلامية منذ القدم وبالرغم من التقدم وما نعيشه من طفرة صناعية، وامتلاك الكثير منا الأجهزة الذكية والإلكترونية وتغير نمط الحياة الاجتماعية، حيث لم يعد حاضرنا كما كان عليه أجدادنا. مما يقلل أهمية دور أبو طبيلة «المسحراتي» والذي كانت مهمته في السابق ومنذ العصور الأولى لظهور الإسلام إيقاظ الناس وتنبيههم لتناول وجبة السحور حيث يلف الأزقة والأحياء بطبلته المصنوعة من الجلد والتي يعلقها على كتفه الأيسر ويضرب عليها بيده اليمنى بعصاة تكون حوافها ناعمة حتى لا تتلف الطبلة، وهو يردد الأهازيج التي يذكر الله فيها ويوحده ومن أشهرها في العالم الإسلامي «اصح اصح يانايم وحد ربك الدايم». أبوطبيلة الذي نغم آخر أهازيجه ليلة أمس ودع الصائمين ودعا لهم بالقبول، ويقول جاسم صالح بوحمد مسحراتي بلدة المركز شرق الأحساء «عملت مسحراتيا للمركز منذ 15 عاما وأقطع ليليا 7 كيلومترات سيرا على الأقدام أي 210 كيلومترات شهريا، أجهز طبلتي وأهيئ نفسي قبل الإمساك بوقت كاف حيث يستغرق دوراني حول البلدة قرابة الساعة ونصف الساعة سيرا على الأقدام حاملا طبلتي وأضرب عليها وأردد (لا إله إلا الله محمد رسول الله.. اصحى اصحى يا نايم وحد ربك الدايم) وفي سحور أمس رددت بصوت حزين (الوداع الوداع يا شهر رمضان.. الوداع الوداع يا شهر الرحمن)». عن أهمية المسحراتي، يرى بوحمد أن أهميته لا تقل شأنا عن السابق، فكان في الماضي يوقظ الناس من نومهم لوجبة السحور، أما الآن فهو يوقظهم من غفلتهم حيث إن الحياة تغيرت والكثير من الناس في غفلة أمام شاشات التلفاز والأجهزة الإلكترونية، و في المقاهي، وفي الملاعب الرياضية. ومهنة أبوطبيلة «المسحراتي» يراها البعض عادة سنوية يحبذها الجميع ويخافون عليها من الاندثار، وأضاف بوحمد «الآن الكل جالس ولا ينامون إلا بعد صلاة الفجر فتجد الأطفال يدورون معي القرية ويرددون ما أقوله، وكثيرا ما يستوقفني الناس مع أطفالهم الصغار لالتقاط الصور التذكارية لأطفالهم وهم يضربون على الطبل. بوحمد قدم تفاصيل لعمله طوال الشهر الفائت، متمنيا عودة الليالي في الأعوام المقبلة بذات الألق والحضور وقال «في اليوم الرابع عشر من الشهر وبعد صلاة العصر أخرج بطبلتي في الشوارع ويقوم الأهالي بإعطائي نقودا كل حسب مقدرته وتسمى (المقسوم) أي ما قسمه الله لك من رزق، وبعض الناس يسميها (المغطة) أي المدة وهي مأخوذة من مدة اليد بما تحمله من نقود ويقال كل ومدت يده ، فأنا لا أشترط مبلغا معينا، ولم آخذها مهنة بل هي عادة محببة لدى الجميع وسبق أن اعتذرت عنها لكن الأهالي يصرون على بقائي فهم يتذكرون أيام الماضي وعادات رمضان الجميلة». في مثل هذا اليوم من كل عام.. يوم العيد السعيد سيخرج المسحراتي بطبلته إلى الشوارع وحوله الأطفال بملابسهم الجديدة ومظاهر الفرحة بالعيد على وجوههم وهم يقدمون له الحلويات والعصائر. وأضاف «هناك بعض المواقف التي تعرضت لها.. عندما تكون الرطوبة عالية ينخفض صوت الطبلة فيطالبني الأطفال بالضرب بقوة على الطبلة فهم يظنون بأني تعبت، وتجد آخر يمازحني: صوت طبلك منخفض سنخصم عليك.. وهذه أيام ومواقف جميلة في حياتي لن أنساها مهما تغير الزمن».