تتحول المنطقة التاريخية في جدة (وسط البلد) خلال شهر رمضان المبارك إلى خلية نحل، من بعد صلاة العصر وحتى يرفع أذان الفجر، فيغص المكان طيلة تلك الفترة بالزوار والمتسوقين، فوجدها البعض فرصة لبيع العديد من الأطعمة والسلع فيها، وتأتي الكبدة والبليلة أشهر ما يباع هناك، من خلال البسطات النظامية التي تقدمها أمانة جدة عبر رسوم رمزية. وتحظى تلك البسطات بإقبال كثيف من الزبائن بمختلف انتماءاتهم، خصوصا أنهم لا يجدون تلك الأطعمة إلا خلال شهر رمضان. وأوضح محمد صالح أنه يحرص على إقامة بسطة الكبدة في جدة التاريخية سنويا، ما أكسبه العديد من الزبائن الذين يأتون إليه من أنحاء جدة لتناول الكبدة المعدة على الصاج، ملمحا إلى أن والده كان يصطحبه وهو صغير إلى البسطات في جدة القديمة، ما حبب إلى نفسه هذه المهنة. وبين صالح أن شقيقه يشرف على الطهو في البسطة، ويقدم الوجبات للزبائن، بينما يتعاونون معه في أجواء مغلفة بالمتعة، مبينا أنهم يقدمون في البسطة الكبدة والقلوب بأنواعها. إلى ذلك، يفضل أحمد المرعشي بعد الانتهاء من الدوام في وظيفته الحكومية نهارا، العمل في بيع الكبدة عبر إحدى البسطات من بعد صلاة التراويح، لافتا إلى أنه يحضر الوجبات للزبائن حتى يحين موعد السحور. وقال: «الجميع يشجعونني على مزاولة هذا النشاط، حتى أن زملائي في العمل ورؤسائي يحضرون إلينا ونقدم لهم أطباق الكبدة والحاشي البلدي»، لافتا إلى أنه يتوجه بعد صلاة الفجر وقبل دوامه الحكومي إلى محل الجزارة ليظفر بأكبر كمية من الكبدة الطازجة. وأكد أنه يشرف على تجهيزها بنفسه بعد ذبح الخراف والجمال، مبينا أن ليس كل أكباد الجمال أو الخراف تنال إعجاب الزبائن، مشيرا إلى أن الإقبال يتزايد على كبدة الحاشي الصغير من الجمال فقط، والحري من الخراف، مبينا أنه يحصل على خمسة إلى ستة من أكباد الخراف، في حين يباع كبد الجمال بالكيلو. وذكر أن سعر الكيلو من كبدة الحاشي يصل إلى 80 ريالا، وأحيانا يصل إلى 120 ريالا، بينما كبدة الخروف الواحدة ب 50 ريالا في الغالب، ويتحكم في ذلك الجزار، بالإضافة إلى قلوب الحاشي، وهي تأتي مع الكبدة بنفس السعر، مبينا أنه يقدم سعر الصحن الواحد من الكبدة بثمانية ريالات، متمنيا الحفاظ على هذه العادات المميزة للمجتمع الحجازي وأن تشرف عليها جهة رسمية للمحافظة على التراث، في ظل زحف التطور والتقنية. من جهته، أكد محمد الحربي أنه يرتاد منطقة جدة التاريخية منذ الصغر لتناول الكبدة والبليلة التي تنتشر بسطاتها في المكان، لافتا إلى أنهم كانوا يزاولون الألعاب الشعبية البسيطة في المكان بعد الفراغ من تناول الكبدة. في حين، يحرص سلمان الزهراني على التردد على وسط البلد منذ عشرات السنين، مبينا أنه يتذكر حين كانت لا تزيد قيمة طبق الكبدة على أربعة قروش، لافتا إلى أنه ارتبط بالمكان لأنه يعيش بالقرب منه، ولا يستشعر روحانية شهر رمضان إلا بالتردد عليه. والجلوس لتناول الكبدة في الهواء الطلق، لافتا إلى أنه ورث هذه العادة لصغاره، إذ يحرص على اصطحاب ابنه علي إليها كلما حل شهر رمضان.