يتميز شهر رمضان الكريم في المدينةالمنورة بروحانية قد لا تتوافر في أي موقع آخر، إذ تستقبل طيبة الطيبة منذ غرة شهر الصوم عدداً كبيراً من المواطنين في المناطق الأخرى ومن دول عربية وإسلامية والذين يفدون إليها لقضاء أيام عدة، في رحاب المسجد النبوي، حيث يظهر كرم أبناء المدينةالمنورة الذين يتنافسون لكسب أجر تفطير الصائمين من خلال موائد تنتشر حوله. ويقول العم جميل سلطان إن لشهر رمضان المبارك روحانية عظيمة، ولأيامه تميزا خاصا وطعما متفردا في كافة المدن، ولكن في المدينةالمنورة تتضاعف هذه الروحانية بوجود المسجد النبوي الشريف وتوافد أعداد كبيرة من الزوار. ويتذكر العم جميل وهو يعيش ذكريات شهر رمضان، العديد من المظاهر الرمضانية الشعبية القديمة التي قد يكون بعضها اندثر تحت وهج الحضارة، ومن هذه المظاهر الجميلة التي اختفت منذ سنوات ويعتبرها من مميزات هذا الشهر وهي «المسحراتي بطبلته الصغيرة»، فمن المعروف أن لكل حي مسحراً رمضانيا أو أكثر حسب مساحة الحي وعدد سكانه، إذ يبدأ عمله قبل موعد الإمساك بساعتين تقريباً، حيث يحمل طبلته ويبدأ رحلته في إيقاظ سكان الحي والحارة للسحور أو للتسحر ويستخدم «المسحراتي» في عمله طبلة تعرف ب«البازة»، ويردد بعض الجمل التراثية مثل «قم يا نائم وحد الدائم» و «السحور يا عباد الله». أما محمد القحطاني قال إن شهر رمضان الكريم ارتبط بالكثير من المناسبات والعادات والتقاليد الجديدة، أبرزها التجمعات العائلية، مثل تناول طعام الإفطار أو السحور، وتبادل العوائل فيما بينها للمأكولات التي يتم طبخها في المنزل، وهذه السمة سائدة في معظم مناطق ومدن المملكة. في المقابل تؤكد الخالة أم أسامة أن الوجبات الرمضانية لها طعم ونكهة خاصة، كالعلاقات بين الناس التي كانت أكثر انفتاحاً وتكافلا، فالحياة كانت أكثر بساطة. وتحكي عما قبل دخول رمضان بقولها «كان لأيام رمضان طعم لم يعد موجودا عندما كنا نستقبله منذ منتصف شعبان بالذرة المحمص والحمص واللب واللوز والحلاوة الحمصية وطبطاب الجنة الأحمر والأبيض ووردية اللون والمشبك والقراويش واللحم البحري المجفف والتي تباع بسوق المناخ التي يتجه إليها أهل البلد لشراء كمية من مختلف المكسرات كل بحسب قدرته كاحتفالية استعداداً للشهر الكريم، وكأن تلك الليلة هي ليلة العيد، تذهب الأسر الصائمة فيها إلى الحرم المدني عصراً للإفطار فيه، وبعد ذلك يقوم الأطفال بزيارة العائلات في تقاليد قديمة لحارات المدينةالمنورة باسطين شالات أسفل نوافذ المنازل وهم يتغنون بأهازيج تراثية قديمة وهم يحملون «الأترايك» في حارات المدينة. وتضيف أن الحلويات المنزلية كالألماسية والساقدانة تستحوذ على اهتمام كثير من الأسر قبل ظهور حلوى الجلي والكسترد المعروفة حاليا بالأسواق، مشيرة إلى أن هناك الكثير ممن يفضلون حلوى الألماسية المعدة من الهلام البقري المحضر في المنزل، وتضاف إليها النكهات التي كان أشهرها نكهة عصير التوت أو البرتقال، بينما تعد حلوى الساقدانة المحضرة من الحبيبات البيضاء المحضرة من دقيق الأرز والتي تعد بالحليب والسكر وتضيف «وتحضر المهلبية من دقيق الرز الذي كنا نقوم بطحنه وتنقيته» وكذلك حلوى «الزبيبية» التي تحضر من حبوب العنب المجففة «الزبيب» المنقوعة بالماء والتي تحضرها ربة البيت قبل ذلك بيوم على الأقل.