يصر سكان البنان تلك القرية التي إن جاز التعبير تسميتها بالقرية كونها مجرد عشش متناثرة على العيش فيها تقطنها أفواه يجمعها البؤوس وتخيم على ملامح ساكنيها علامات الحزن والأسى. في البداية تقول أم بشير اعتدنا على حياة البادية، والسكن في منازل الخشب، فهي التي نتأقلم فيها ولا نستطيع التأقلم مع حياة المدينة التي نذهب لها للعلاج، إذ ان ابنائي الاربعة جميعهم مرضى، ولا نملك دخلا ثابتا يعيننا على تجاوز صعوبات الحياة الا من خلال تربية الماشية التي تعد قوتنا ومصدر دخلنا. يكمل الحديث أحمد عقيل العبدلي الرجل الستيني الذي اتخذ من عشة مجاورة تحيط بها الرمال من كل الجوانب مسكنا له، يقول العبدلي أسكن العشة التي تقوم على أعواد من خشب وتلفها قطع قماش من كل الجهات وبعض من السجاد القديم، فيما سقفت بأشرعة مهترئة لا تقي حر الصيف اللافح ولا زمهرير الشتاء ويغمره وأسرته الماء حين يهطل المطر. ويضيف العبدلي منازلنا عشش متناثرة لم نستطع أن نجد أفضل منها، ونعتمد على الفوانيس كي نكسر الظلام ونرى في عتمة الليل. يتحدث العبدلي عن جاره محمد الذي شاهدنا بالقرب من عششه ((حماراً مربوطاً في شجره)) سألته عنه فأجاب: كما هو حال غيره في هذا المكان لازلنا نستخدم الحمير كوسيلة نقل فيما البعض يقطع مسافات في قلب الرمال ميمماً نحو مركز ناوان لقضاء ما يحتاجونه من مستلزمات وأغذية. وللعبدلي ابن في عشة مجاورة يجلس عاريا وسط ذلك الهجير وتلك السموم التي تنفثها الصحراء سألته عن اسمه فقال: أنا خلف وأردف: أنا مريض. يقول العبدلي عن ابنه أنه لم يتعلم نهائياً وأنه مريض منذ الصغر كذلك المستشفيات بعيدة، وأضاف أن حالة ابنه ليست الوحيدة فكل بيت فيه شخص مريض أو مقعد.في عشة مجاورة التقينا بشير العبدلي الذي لديه 4 أبناء جميعهم يعانون المرض يسيرون حفاة فوق تلك الرمال ولا يستطيعون تقديم المعونة لأنفسهم ولا لذويهم رغم كونهم شباب. ((أبناء القرية)) لا يعرفون دورات المياه الحديثة حيث يدلنا أحمد العبدلي على دورة المياه التي كانت عبارة عن ((أخشاب تم غرسها في الأرض بشكل دائري ثم لفها بالسجاد والقماش وتركت دون سقف)) حياة البادية ألقت بظلالها على سكان البنان التي لا يريدون مغادرة الصحراء التي اعتادوا عليها يتحملون فيها البرد القارص وموجات الحر التي تتغير حسب فصول السنة، وأن فصل الصيف كما يقول ((محمد العبدلي )) وهو مسن يتوكأ عصاه ألتقيناه على عجل وسط تلك الرمال بالقرب من عشته يسرد المعاناة قائلا: الصيف هذا العام قاس وبسبب الحرارة العالية مات الدجاج الذي أربيه ونفقت مجموعة من المواشي القليلة التي كان يربيها الناس. وبحسب بشير العبدلي فإنهم يشترون الماء بمبالغ لا يقل عن 30 ريالا للوايت الواحد من الحجم الصغير. بدوره قال سعدي عوض الزهراني مدير مدرسة عبدالرحمن بن عوف والذي رافقنا وكان مرشدنا في تلك الرحلة عبر الرمال بعض الأسر محرومة من المعونات بسبب كونها لا تملك إثبات الهوية الوطنية والبعض لديه أبناء لم يضفهم بسبب الجهل وغياب الوعي وصعوبة الانتقال إلى القنفذة وقلوة والباحة للحصول على الهوية الوطنية أو لإضافة المواليد. ويؤكد سعدي أن هذا الواقع ألقى بظلاله على مقدار المعونات التي يحصلون عليها وعلى حصولهم على الضمان الاجتماعي وحتى على الإسكان الخيري مشيراً إلى أن بعض الأبناء لم يتسن له الالتحاق بالدراسة بسبب عدم تسجيلهم مع آبائهم ويضيف: معاناتهم تزداد وتتوسع فالأبناء يكبرون ويتزوجون وينجبون وتتكون عوائل لا تملك إثبات هوية والجهل يخيم على السكان في تلك المنطقة الصحراوية. وختم بالقول رمضان على الأبواب والصيف قاتل هنا ويأمل الأهالي أن يصل صوتهم عبر عكاظ الأسبوعية لتمتد لهم يد الخير بالمعونات العاجلة وتصحيح أوضاع من فاتهم تسجيل أبنائهم حتى يتمكنوا من الحصول على معونات الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية.