حذر شرعيون عموم التجار من استغلال المستهلكين قرب رمضان، مطالبين إياهم بتقوى الله سبحانه وتعالى، ومذكرين بأن المملكة لا تفرض عليهم الضرائب، وبينوا أن ارتفاع الأسعار كل عام قرب المواسم لا مبرر له. ولفتوا إلى أن المستهلك له دور في ذلك عند شرائه غير المقنن، مطالبين بالربح المنضبط بأصول والبعيد عن المبالغة التي تثقل كاهل المحتاج. وأشاروا إلى مساوئ الإسراف في رمضان، إذ يسهم في رفع الأسعار، ويضر بالجسد حتى بات شهر الخير بمثابة موسم التخمة لدى البعض، وبخاصة أن شهر الصيام بمثابة الحمية للمؤمن. شددوا على دور وزارة التجارة في مراقبة الأسعار، كما شددوا على ضرورة اقتصاد المستهلك في مشترياته لمنع بعض التجار من استغلاله، وعملا بقوله تعالى: (إن الله لا يحب المسرفين). وأوضحوا أن رمضان للتقوى وتهذيب النفوس لا الجشع أو الإسراف أو السمات غير الحميدة. ونادوا بتهذيب المرء لأخلاقه طيلة الشهر وتعويدها على الصبر، مبينين أن البعض يحرص على الفضائل في بداية الشهر ثم يتناساه في آخره. بداية، يقول عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي الدكتور عبدالله المطلق: رمضان للعمل الصالح لا لزيارة الأسواق كل ليلة أو التبضع بما ليس فيه حاجة، ثم يشتكي المرء من زيادة الأسعار، مستشهدا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل دخل عليه رمضان فلم يغفر له». وأردف: المسلم يتقرب إلى الله في رمضان بغية الحسنات والتخفيف من السيئات، إذ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقال عليه السلام أيضا: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». وزاد: رمضان يعود المرء على تقديم الأفضل في أعماله، ويحسن من ذاته، كما يسهم في إقلاعه عن ذنبه، مضيفا: ينبغي أن يخطط الإنسان لنفسه في كيفية استغلاله الشهر بعيدا عن متاهات المعصية، أو في ضياع الأوقات في التبضع والشراء. وأوضح المطلق أن التخطيط للعمل الصالح يساعد على استغلال رمضان، مطالبا الجميع بوضع خطة لأعمال الخير والشروع في تنفيذها، كقراءة القرآن الكريم وتدبره والتأثر به، والعمل بما فيه لقوله تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد). الاغتنام في المفيد من جانبه، انتقد عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن منيع الإسراف، خصوصا ما يظهر في رمضان، موضحا أن كميات المواد الغذائية في مشروع إفطار الصائمين تذهب أحيانا لحاويات النفايات بدلا من بطون الفقراء. وشدد ابن منيع على اغتنام الشهر بالمفيد بدلا من التبضع أو التنزه، ذاكرا بعض الأدلة على فضله، منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». الشهر للمناجاة أما عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور علي بادحدح، فبين أنه وبحلول رمضان تظهر مفارقات تناقض روحانية الشهر، إذ يبذر البعض ويسرفون في الطعام بمأكولات لا تظهر طيلة العام، مشيرا إلى أن كثيرا من الصور غير الحميدة تسببت في الخمول. وذكر أن شهر الخير يجب أن يجسد فيه صور الجود والإنفاق، إذ هو بمثابة الحمية للجسد وليس السمنة. ولفت إلى التناقضات الملحوظة في شهر رمضان كضيق الصدر والغضب وعدم استغلال الأوقات، منوها بأن شهر الرحمة ينبغي أن يحيى بالتلاوة لا بالنوم عن الصلوات أو قضاء الوقت في الشراء والتنزه قائلا: جعل الشهر للمناجاة، لا لصرف اللسان في اللغو والقيل والقال، محذرا من أن يكون رمضان على المسلمين لا لهم. وشدد على ضرورة تجسيد فقه الصيام وليس في قضاء الشهر في التبضع والأسواق. وأشار إلى إمكانية شراء الإنسان ما يحتاجه في الأيام الأولى من رمضان ليتفرغ للطاعة، مطالبا بضرورة تفقد أحوال المساكين، وصلة الأرحام والحرص على الخصائل الحميدة. ظهور السلبيات إلى ذلك، رأى الداعية علي سمير أن شهر القرآن بات موسما لظهور سلبيات لا تبدو واضحة على مدار العام، قائلا ينبغي أن نراجع أنفسنا في الأخطاء التي نرتكبها في رمضان خاصة وغيره من الشهور، وأن نستغل شهر الخير في الأعمال الصالحة. وأرجع أسباب سوء استغلال الشهر إلى ضعف التخطيط فيه، وعدم وضوح الرؤية في الطرق المتبعة لتنفيذ أعمال الخير، مطالبا التجار بتقوى الله في المستهلك وعدم استغلاله، كما نادى وزارة التجارة لتفعيل دورها بصورة أوسع قبل وأثناء رمضان حماية للمستهلك. وأضاف: لا ينبغي الوقوع في الخطأ السنوي للبعض، إذ يحرصون على الفضائل وتجسيد ذلك على أخلاقهم في بداية الشهر، ثم يتناسوه في آخره، منوها بأهمية تعويد النفس على الصبر خصوصا أن رمضان موسم لاكتساب الفضائل. وتطرق لقصة عمر بن الخطاب في غلاء الأسعار وكيفية الحد من الجشع، إذ جاءه من يشتكي غلاء اللحم، فقالوا له: سعره لنا، فقال: أرخصوه أنتم فقالوا: نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين ونحن أصحاب الحاجة، فتقول: أرخصوه أنتم؟ وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال رضي الله عنه: اتركوه لهم، موضحا أن تجاهل السلع يقود التاجر إلى خفض سعره والحد من جشعه، كون الاستغلال منشؤه الاستهلاك غير المقنن. للشهر حرمة وحذر الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم التابعة لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بصفر التجار من استغلال المواطنين، مؤكدا أن التاجر الذي يرفع الأسعار قلبه خال من الشفقة. وقال على المستهلك عدم الإسراف والتبذير لأن تجنبهما من سمات المؤمن، مبينا أن الإسراف لا يرضاه الله. وطالب بإنفاق المال على الفقراء والمساكين، خصوصا في شهر الصيام، والالتزام بحرمة الشهر والإقبال على كتاب الله والإكثار من ذكره واستغفاره مع مراعاة جانب الصبر والخلق وحفظ اللسان. وقال: «رمضان من أفضل الشهور، إذ أنزل الله فيه القرآن وفرض الصيام وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، كما تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين وتتجلى قيم الإيمان والتراحم والتسامح». يثير الدهشة وحذر الأمين العام للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة الدكتور عبدالله المصلح التجار من استغلال المواسم بغية رفع الأسعار لجني الأموال، قائلا ما نشهده من تهافت على الأسواق للتبضع قبل رمضان يثير الاستغراب، إذ لا مبرر لهذا التسوق لعدم وجود مشتريات خاصة برمضان إلا ما ندر، مبينا أن البعض يحتج في تهافته برغبته في التفرغ للعبادة طيلة الشهر، إلا أن ما يثير الدهشة أن طيلة الشهر يشهد الازدحام. وأوضح أن البعض يعد من ضمن المسرفين وهو لا يعلم، والله سبحانه وتعالى نبذ أهل التبذير والإسراف، فقال في كتابه (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)، كما قال سبحانه وتعالى: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين). وأضاف: لا نمانع المأكولات لكونها من الحلال لقوله تعالى: (ويحل لهم الطيبات)، وإنما نمانع طريقة الحصول عليها والتي تنم عن أن الكثيرين مشغولون عن الواجبات في هذا الشهر. وانتقد التخمة التي تصيب البعض رغم أنه شهر الصيام، كما استاء من التهافت على المأكولات رغم أن الناس في رمضان أقل تناولا للأطعمة، كما استاء من تغير النفوس رغم تصفد الشياطين كجشع التجار الذين يرفعون الأسعار للفئات المستهلكة، وهذا مؤثر على بعض الطبقات، ناصحا عموم المسلمين الحرص على تقديم عمل نافع يميزهم عن شهورهم الأخرى وأن يتمسكوا بقوله تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى). ونصح عموم المسلمين بتقوى الله في كل حين والعمل على استغلال الأيام المباركة في النافع، والبعد عن الملهيات والأسواق أو البحث عن مختلف أنواع المأكولات، والحرص على التسابق على عمل الخير والطاعة والبر والإحسان لقوله تعالى: (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم). مهدرة للمال أما إمام وخطيب جامع الملك سعود في خزام سعيد القرني، فقال: الإسراف مذموم حتى في العبادة، ولا يتوافق مع شهر الهداية، إذ يسبب الإسراف الضلال في الدين والدنيا كما قال تعالى: (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب). وبين أن التبذير مهدر للأموال ومسبب للعقوبة، ويعمي القلب ويؤثر على العبادة. ولفت إلى أن شهر الطاعة يجب أن يراعي المرء فيه العمل الصالح بدلا من غيره، مشيرا إلى أن المبالغة في الاهتمام بالشراء يصرف عن العبادة، كما يؤدي إلى الكبر والعلو، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة». وحذر المسرفين من أن يكونوا إخوة للشياطين، كما قال تعالى: (ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)، مطالبا بتجنب ظواهر الآثام وبواطنها، لافتا إلى أن من معالم الوسطية في الإنفاق ما جاء في كتاب الله: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)، أي لا يتجاوزون ما شرعه الله، مطالبا عموم المسلمين بعدم الإسراف في المآكل والمشارب والملهيات والملذات.