بموافقة الملك... منح 200 متبرع ومتبرعة وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    الجيش اللبناني يتهم الاحتلال الإسرائيلي بخرق الاتفاق والتوغل في مناطق جنوب البلاد    "رينارد" يستبعد "الشهراني" من معسكر الأخضر في الكويت    مانشستر سيتي يواصل الترنح ويتعادل مع ضيفه إيفرتون    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من الرئيس الروسي    «الإحصاء»: إيرادات «غير الربحي» بلغت 54.4 مليار ريال ل 2023    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    المملكة رئيساً للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة «الأرابوساي»    وفد عراقي في دمشق.. وعملية عسكرية في طرطوس لملاحقة فلول الأسد    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    المملكة ترحب بالعالم    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    أفغانستان: 46 قتيلاً في قصف باكستاني لمخابئ مسلحين    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    %91 غير مصابين بالقلق    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعايات المأكولات والمشروبات في رمضان تستهدف الربح وتصرف الناس عن روح الشعيرة
نشر في المدينة يوم 02 - 08 - 2011

أكّد سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ في حوار خاص ل «المدينة» أن هناك برامج تلفزيونية، ومشاهدات فضائية تقدمها قنوات عديدة في شهر رمضان المبارك قد سلبت من الصائمين روح الصيام، وأبعدتهم عن طاعة الله، والإكثار من القربات، وأفسدت صومهم، مطالبًا الصائمين بكبح جماح غضبهم، وامتصاص ثورات الشاتمين من الناس، ناصحًا بعدم الدخول معهم في المهاترات، والالتزام في مخاطبتهم بوصية النبي المصطفى (إني صائم).
وقال سماحته: للأسف نرى بعض المسلمين يتخذون من صيام رمضان ذريعة للتهرب عن مسؤولياتهم، والتهاون في القيام بأعمالهم، والضعف في إنجازهم، وهذا أمر مخالف لمقتضى شهر رمضان، مؤكدًا أن الظواهر السلبية التي نشاهدها في شهر رمضان المبارك كثيرة، ممّا يتطلّب من المسلم السعي الحثيث إلى تحقيق مقاصد الصوم الشرعية، مشيرًا إلى أن رمضان ليس شهر الشره والسرف في الأكل والشرب، بل هو شهر الإقلال من الطعام والشراب، والكف عن الشهوات، والإكثار من نوافل الطاعات، مرجعًا انتشار تلك الظواهر السلبية إلى قلة الوعي بين الناس.
وأشار سماحته إلى أن ما تقوم به القنوات الفضائية بسعيها الحثيث في كسب المشاهدين من خلال البرامج الفاسدة، والمسلسلات الهابطة، والمشاهد المخلّة، الخادشة للحياء، الداعية إلى الرذيلة والفحشاء يُعدُّ محادّة لله ورسوله، داعيًا العلماء والدعاة والخطباء الى توعية الناس وتحذيرهم من سموم هذه الفضائيات، متطرقًا إلى ظاهرة التسول التي تزداد بقدوم موسم رمضان المبارك، فيؤكد عدم جواز أكل الأموال التي يجنيها المتسوّلون المتحايلون من خلال كسبهم لتلك الأموال بالتسوّل والادّعاء كذبًا الحاجة، وعدم القدرة على العمل.
وطالب سماحته عموم المسلمين باستلهام الدروس والعِبر من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسير السلف الصالح، معتبرًا ذلك أمرًا ذا أهمية بالغة في ترغيب الناس، وحثّهم على الفضائل والقيم النبيلة، خصوصًا في مواسم الخيرات كشهر رمضان المبارك.
فإلى نص الحوار:
* المدينة: كيف نستفيد من رمضان في إعادة اللُّحمة الاجتماعية للأسرة والمجتمع؟
** المفتي: إن شهر رمضان شهر المواساة، والتواصل، والتكافل، والتهذيب، والتصافي، وتتجلى هذه القيم والخصال في الأمور الآتية:
إن شهر رمضان شهر التقرب إلى الله بأنواع العبادات، وصفاء للقلوب من الأحقاد والضغائن، وتهذيب للنفس من الخصال والسلوكيات السيئة، وكف للسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والبهتان، وفحش الكلام، والسب والشتم وسائر الآفات، مع البعد عن الخصام والتشاجر والتباغض. وهذه الخصال كلها فيها تحبيب للنفوس، وتقريب للقلوب، وزيادة للمودة والأخوة بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين أفراد المجتمع بشكل عام.
كما أن من مقاصد صيام شهر رمضان إشعار الأغنياء بمعاناة الفقراء والمساكين الذين ربما لا يجد أحدهم قوت يومه وليلته، فيبيت هو وأولاده جياعًا، فإذا أحس الغني بألم الجوع والعطش تذكر إخوانه المحتاجين، فيرقّ قلبُه لهم، ويبادر بمواساتهم، ومساعدتهم بالتصدق عليهم، وتفطيرهم في أيام هذا الشهر الكريم، وهذا فيه تحقيق لمبدأ التكافل والتلاحم بين طبقات المجتمع المسلم وبين أفراده.
كما أن صلة الأرحام من الأعمال الجليلة التي جاء الترغيب فيها والحث عليها، ولا شك أنها آكد وأكثر فضلًا وثوابًا في شهر رمضان من غيره، وذلك لتميزه عن بقية الشهور بمضاعفة الأجور والحسنات، فيتأكد القيام بصلة الأرحام في هذا الشهر، ما يقوي الوشائج والعلاقات بين الأرحام والأقارب.
* المدينة: ما الذي ينظر إليه سماحتكم فيما يتعلق بالإسراف والتبذير حين دخول رمضان؟
** المفتي: الإسراف والتبذير منهي عنه في سائر الأيام والشهور، قال تعالى: «وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»، وقال تعالى: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا». فالواجب على المسلم اجتناب الإسراف، والاقتصاد في الأكل والشرب في هذا الشهر الفضيل، والاقتصار على الأكلات العادية، وعدم البذخ والتبذير وصرف الأموال في شراء أنواع الأطايب من الأطعمة والمشروبات، والحلويات ونحوها.
ولا شك أن للدعايات التي تطلقها كثير من الشركات قبيل شهر رمضان عن أنواع المأكولات والمشروبات، لها دور كبير في جلب الناس للإغراق في شراء تلك المواد والأغراض، والشركات تستغل هذا الموسم الكريم لزيادة أرباحها وتسويق منتجاتها الغذائية، وهذا أمر لا ينبغي، وهو مخالف لخصوصية هذا الشهر، وصرف للناس عن روح هذه الشعيرة العظيمة ومقاصدها، واستنزاف لأموالهم، فالواجب عليها الكف عن استغلال هذا الموسم الكريم لئلا تضرّ بالناس ولئلا تدفعهم نحو الإسراف والتبذير.
محادة لله ورسوله
* المدينة: كيف ترون دور المراجع العلمية والشرعية في هذا الشهر الكريم في ظل تكالب الفضائيات على جذب المشاهد وتشويه صورة الشهر الكريم، وتصويره على أنه شهر المسلسلات، والفكاهة والمسابقات؟
** المفتي: الواجب على العلماء والدعاة وخطباء المساجد توعية الناس بأهمية شهر رمضان، وبيان فضائله، وخصوصياته، وحث الناس على استغلاله في فعل الطاعات ونوافل العبادات، والتوبة والإقلاع عن الذنوب والآثام، والإقبال على أعمال البر، واستغلال أيام وليالي هذا الشهر الفضيل فيما ينفع المسلم في دينه ودنياه، والكف عن المنكرات، والفواحش، والعناية بتهذيب النفس عن الرذائل وتحليتها بالفضائل.
وكذلك تحذيرهم من مشاهدة تلك البرامج الداعية إلى الرذيلة والفحشاء، وأن الإقبال على مشاهدة تلك الفضائيات تفرغ هذا الشهر عن مضمونه ومغزاه، وأن سعي تلك الفضائيات لتخصيص شهر رمضان بتلك الأعمال المنافية للأخلاق، والمضيعة للأوقات، فيه محادة لله ولرسوله، فإن الله تعالى شرع صيام رمضان للعبادة، والتهذيب الأخلاقي، والسمو الروحي والإيماني، والكف عن المحارم والشهوات، وأما هذه الفضائيات فقد جعل هذا الشهر موسمًا لإغراق الناس في الشهوات، والدعوة إلى الفحشاء والمنكر، وضياع الأوقات فيما لا فائدة فيه، وصرف الناس عن العبادة، وقراءة القرآن، وقيام الليل، وعن الخيرات والحسنات.
* المدينة: كيف لنا أن نعيد روحانية رمضان إلى ما كان عليه السلف الصالح من الاستعداد لتلك الروحانية المباركة؟
** المفتي: يمكن تحقيق ذلك بتوعية الناس بفضل شهر رمضان المبارك، وتعريفهم على المقاصد والحكم من مشروعية صيام هذا الشهر الكريم، وترغيبهم للمسابقة في الخيرات والتقرب إلى الله بالطاعات، والتزود بالصالح من الأعمال والأقوال، وتعريفهم على سيرة السلف الصالح في العناية بهذا الشهر الكريم، واستغلاله في طاعة الله عز وجل، وتعظيمهم لحرمة هذا الشهر، واستبشارهم بقدومه.
ويتم هذا الأمر عن طريق الدروس، والخطب، والمحاضرات، ونشر المطويات، والكلمات والمحاضرات وإطلاق البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تعين على التذكير بفضائل هذا الشهر الكريم، وترغيب الناس في الخير، وتشنيف مسامعهم بالأذكار، والتلاوات، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.
* المدينة: نصيحة توجهونها للمسلمين للاستفادة من رمضان في إحياء مبادئ التآخي والتآلف والتراحم فيما بينهم؟
** المفتي: إن من مقاصد صيام رمضان مواساة الأغنياء لإخوانهم الفقراء والمحتاجين، والتعرف على أحوالهم، والأخذ بأيديهم، ولمّ جراحهم، وتخفيف معاناتهم، وبذلك تتحقق الأخوة الإيمانية المطلوبة في المجتمع المسلم، وتزول الضغائن والأحقاد والبغضاء من القلوب، وتزيد المودة، وتتآلف النفوس، ويتحقق التكاتف والتكافل بين أفراد المجتمع.
كما أن اجتماع الناس في المساجد، وعلى موائد الإفطار الجماعي، أو في المنازل والبيوت، سواء بين الأقارب، أو بين الجيران، إن في ذلك فرصةً للتلاقي، والتآخي، وتبادل الزيارات، وتقوية أواصر المحبة بين الأرحام، وبين الجيران، والتعرف على أحوال بعضهم لبعض، وبذل التعاون فيما بينهم.
ظاهرة التسول
* المدينة: ظاهرة التسول تزداد في هذا الشهر المبارك.. فما هو الرادع الديني والاجتماعي والأمني من وجهة نظركم لكبح جماح المتسولين؟
** المفتي: حيث إن شهر رمضان شهر الكرم والجود، وإخراج الصدقات الواجبة والنفلية، فإن بعض المتسولين -هداهم الله- يستغلون هذا الموسم للتسول في المساجد، وبذلك تزداد هذه الظاهرة في رمضان.
ولا شك أن الوازع الديني في مقدمة أسباب منع تلك الظاهرة، فقد جاءت نصوص كثيرة في التحذير من السؤال لغير حاجة، أو السؤال لأجل التكثر من المال، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» وقال في الحديث الآخر: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ».
فعلى المسلم أن يتقي الله في نفسه، وألا يعرض نفسه للعقوبة والعذاب بسبب سؤاله لغير حاجة، وأن ما يأخذه من المال -وهو قوي مكتسب- حرام لا يجوز له أكله، فقد جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرَفَعَ فيهما البَصَرَ وخَفَضَه، فرآهما جَلْدَين، فقال: «إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ».
ثم يأتي دور الجهات الأمنية وإدارة مكافحة التسوّل في منع هذه الظاهرة، والقبض على المتسوّلين الذين أغلبهم أناس متحايلون، غير محتاجين.
* المدينة: المعطلون لمصالح العباد في رمضان، لا يداومون ولا يلتزمون مكاتبهم، ولا يريدون استقبال المراجعين.. فما هو توجيهكم لهؤلاء الموظفين؟
** المفتي: لا يجوز لهؤلاء الموظفين أن يعطلوا مصالح الناس في شهر رمضان، فالواجب عليهم التقيد بالدوام الرسمي، والحضور في أماكن عملهم مع أول ساعة الدوام، واستقبال المراجعين كالمعتاد من غير مماطلة، أو تأخير عليهم، أو تعطيل معاملاتهم ومصالحهم.
بل إن المطلوب من الموظفين أن يكون حرصهم على الدوام والحضور في رمضان أكثر من الأيام العادية، وذلك -أولًا- لأن ساعات العمل تقل في رمضان عن غيره، فينبغي الحرص على سرعة إنجاز معاملات وأعمال المراجعين. وثانيًا لأن المراجعين ربما تأذوا بالتأخير والانتظار الطويل في رمضان أكثر من غيره؛ بسبب الحرّ، ولكونهم صائمين.
فينبغي للموظفين الاهتمام بشؤون المراجعين في رمضان، وهم مأجورون بذلك، ومثابون أعظم الأجر إن أخلصوا النية لله واحتسبوا ذلك؛ لكونهم في خدمة الصوّام، فالتخفيف عليهم، وسرعة إنجاز معاملاتهم فيه أجر وثواب إن شاء الله تعالى.
* المدينة: كيف نستفيد من رمضان في إعادة اللُّحمة الاجتماعية للأسرة والمجتمع؟
** المفتي: إن شهر رمضان شهر المواساة، والتواصل، والتكافل، والتهذيب، والتصافي، وتتجلى هذه القيم والخصال في الأمور الآتية:
إن شهر رمضان شهر التقرب إلى الله بأنواع العبادات، وصفاء للقلوب من الأحقاد والضغائن، وتهذيب للنفس من الخصال والسلوكيات السيئة، وكف للسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والبهتان، وفحش الكلام، والسب والشتم وسائر الآفات، مع البعد عن الخصام والتشاجر والتباغض. وهذه الخصال كلها فيها تحبيب للنفوس، وتقريب للقلوب، وزيادة للمودة والأخوة بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين أفراد المجتمع بشكل عام.
كما أن من مقاصد صيام شهر رمضان إشعار الأغنياء بمعاناة الفقراء والمساكين الذين ربما لا يجد أحدهم قوت يومه وليلته، فيبيت هو وأولاده جياعًا، فإذا أحس الغني بألم الجوع والعطش تذكر إخوانه المحتاجين، فيرقّ قلبُه لهم، ويبادر بمواساتهم، ومساعدتهم بالتصدق عليهم، وتفطيرهم في أيام هذا الشهر الكريم، وهذا فيه تحقيق لمبدأ التكافل والتلاحم بين طبقات المجتمع المسلم وبين أفراده.
كما أن صلة الأرحام من الأعمال الجليلة التي جاء الترغيب فيها والحث عليها، ولا شك أنها آكد وأكثر فضلًا وثوابًا في شهر رمضان من غيره، وذلك لتميزه عن بقية الشهور بمضاعفة الأجور والحسنات، فيتأكد القيام بصلة الأرحام في هذا الشهر، ما يقوي الوشائج والعلاقات بين الأرحام والأقارب.
* المدينة: ما الذي ينظر إليه سماحتكم فيما يتعلق بالإسراف والتبذير حين دخول رمضان؟
** المفتي: الإسراف والتبذير منهي عنه في سائر الأيام والشهور، قال تعالى: «وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»، وقال تعالى: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا». فالواجب على المسلم اجتناب الإسراف، والاقتصاد في الأكل والشرب في هذا الشهر الفضيل، والاقتصار على الأكلات العادية، وعدم البذخ والتبذير وصرف الأموال في شراء أنواع الأطايب من الأطعمة والمشروبات، والحلويات ونحوها.
ولا شك أن للدعايات التي تطلقها كثير من الشركات قبيل شهر رمضان عن أنواع المأكولات والمشروبات، لها دور كبير في جلب الناس للإغراق في شراء تلك المواد والأغراض، والشركات تستغل هذا الموسم الكريم لزيادة أرباحها وتسويق منتجاتها الغذائية، وهذا أمر لا ينبغي، وهو مخالف لخصوصية هذا الشهر، وصرف للناس عن روح هذه الشعيرة العظيمة ومقاصدها، واستنزاف لأموالهم، فالواجب عليها الكف عن استغلال هذا الموسم الكريم لئلا تضرّ بالناس ولئلا تدفعهم نحو الإسراف والتبذير.
محادة لله ورسوله
* المدينة: كيف ترون دور المراجع العلمية والشرعية في هذا الشهر الكريم في ظل تكالب الفضائيات على جذب المشاهد وتشويه صورة الشهر الكريم، وتصويره على أنه شهر المسلسلات، والفكاهة والمسابقات؟
** المفتي: الواجب على العلماء والدعاة وخطباء المساجد توعية الناس بأهمية شهر رمضان، وبيان فضائله، وخصوصياته، وحث الناس على استغلاله في فعل الطاعات ونوافل العبادات، والتوبة والإقلاع عن الذنوب والآثام، والإقبال على أعمال البر، واستغلال أيام وليالي هذا الشهر الفضيل فيما ينفع المسلم في دينه ودنياه، والكف عن المنكرات، والفواحش، والعناية بتهذيب النفس عن الرذائل وتحليتها بالفضائل.
وكذلك تحذيرهم من مشاهدة تلك البرامج الداعية إلى الرذيلة والفحشاء، وأن الإقبال على مشاهدة تلك الفضائيات تفرغ هذا الشهر عن مضمونه ومغزاه، وأن سعي تلك الفضائيات لتخصيص شهر رمضان بتلك الأعمال المنافية للأخلاق، والمضيعة للأوقات، فيه محادة لله ولرسوله، فإن الله تعالى شرع صيام رمضان للعبادة، والتهذيب الأخلاقي، والسمو الروحي والإيماني، والكف عن المحارم والشهوات، وأما هذه الفضائيات فقد جعل هذا الشهر موسمًا لإغراق الناس في الشهوات، والدعوة إلى الفحشاء والمنكر، وضياع الأوقات فيما لا فائدة فيه، وصرف الناس عن العبادة، وقراءة القرآن، وقيام الليل، وعن الخيرات والحسنات.
* المدينة: كيف لنا أن نعيد روحانية رمضان إلى ما كان عليه السلف الصالح من الاستعداد لتلك الروحانية المباركة؟
** المفتي: يمكن تحقيق ذلك بتوعية الناس بفضل شهر رمضان المبارك، وتعريفهم على المقاصد والحكم من مشروعية صيام هذا الشهر الكريم، وترغيبهم للمسابقة في الخيرات والتقرب إلى الله بالطاعات، والتزود بالصالح من الأعمال والأقوال، وتعريفهم على سيرة السلف الصالح في العناية بهذا الشهر الكريم، واستغلاله في طاعة الله عز وجل، وتعظيمهم لحرمة هذا الشهر، واستبشارهم بقدومه.
ويتم هذا الأمر عن طريق الدروس، والخطب، والمحاضرات، ونشر المطويات، والكلمات والمحاضرات وإطلاق البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تعين على التذكير بفضائل هذا الشهر الكريم، وترغيب الناس في الخير، وتشنيف مسامعهم بالأذكار، والتلاوات، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.
* المدينة: نصيحة توجهونها للمسلمين للاستفادة من رمضان في إحياء مبادئ التآخي والتآلف والتراحم فيما بينهم؟
** المفتي: إن من مقاصد صيام رمضان مواساة الأغنياء لإخوانهم الفقراء والمحتاجين، والتعرف على أحوالهم، والأخذ بأيديهم، ولمّ جراحهم، وتخفيف معاناتهم، وبذلك تتحقق الأخوة الإيمانية المطلوبة في المجتمع المسلم، وتزول الضغائن والأحقاد والبغضاء من القلوب، وتزيد المودة، وتتآلف النفوس، ويتحقق التكاتف والتكافل بين أفراد المجتمع.
كما أن اجتماع الناس في المساجد، وعلى موائد الإفطار الجماعي، أو في المنازل والبيوت، سواء بين الأقارب، أو بين الجيران، إن في ذلك فرصةً للتلاقي، والتآخي، وتبادل الزيارات، وتقوية أواصر المحبة بين الأرحام، وبين الجيران، والتعرف على أحوال بعضهم لبعض، وبذل التعاون فيما بينهم.
ظاهرة التسول
* المدينة: ظاهرة التسول تزداد في هذا الشهر المبارك.. فما هو الرادع الديني والاجتماعي والأمني من وجهة نظركم لكبح جماح المتسولين؟
** المفتي: حيث إن شهر رمضان شهر الكرم والجود، وإخراج الصدقات الواجبة والنفلية، فإن بعض المتسولين -هداهم الله- يستغلون هذا الموسم للتسول في المساجد، وبذلك تزداد هذه الظاهرة في رمضان.
ولا شك أن الوازع الديني في مقدمة أسباب منع تلك الظاهرة، فقد جاءت نصوص كثيرة في التحذير من السؤال لغير حاجة، أو السؤال لأجل التكثر من المال، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» وقال في الحديث الآخر: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ».
فعلى المسلم أن يتقي الله في نفسه، وألا يعرض نفسه للعقوبة والعذاب بسبب سؤاله لغير حاجة، وأن ما يأخذه من المال -وهو قوي مكتسب- حرام لا يجوز له أكله، فقد جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرَفَعَ فيهما البَصَرَ وخَفَضَه، فرآهما جَلْدَين، فقال: «إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ».
ثم يأتي دور الجهات الأمنية وإدارة مكافحة التسوّل في منع هذه الظاهرة، والقبض على المتسوّلين الذين أغلبهم أناس متحايلون، غير محتاجين.
* المدينة: المعطلون لمصالح العباد في رمضان، لا يداومون ولا يلتزمون مكاتبهم، ولا يريدون استقبال المراجعين.. فما هو توجيهكم لهؤلاء الموظفين؟
** المفتي: لا يجوز لهؤلاء الموظفين أن يعطلوا مصالح الناس في شهر رمضان، فالواجب عليهم التقيد بالدوام الرسمي، والحضور في أماكن عملهم مع أول ساعة الدوام، واستقبال المراجعين كالمعتاد من غير مماطلة، أو تأخير عليهم، أو تعطيل معاملاتهم ومصالحهم.
بل إن المطلوب من الموظفين أن يكون حرصهم على الدوام والحضور في رمضان أكثر من الأيام العادية، وذلك -أولًا- لأن ساعات العمل تقل في رمضان عن غيره، فينبغي الحرص على سرعة إنجاز معاملات وأعمال المراجعين. وثانيًا لأن المراجعين ربما تأذوا بالتأخير والانتظار الطويل في رمضان أكثر من غيره؛ بسبب الحرّ، ولكونهم صائمين.
فينبغي للموظفين الاهتمام بشؤون المراجعين في رمضان، وهم مأجورون بذلك، ومثابون أعظم الأجر إن أخلصوا النية لله واحتسبوا ذلك؛ لكونهم في خدمة الصوّام، فالتخفيف عليهم، وسرعة إنجاز معاملاتهم فيه أجر وثواب إن شاء الله تعالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.