لم تعد نساء نجران يشغلن أنفسهن بالضرة أو من تسمى«الطبينة» وهي الزوجة الثانية للرجل، إذ لم يعد الأمر يشكل هاجسا لهن بعد ظهور غول الديوانيات التي أصبحت مرتعا خصبا للأزواج ما حدا بالزوجات لترديد المثل المعروف «من جرف لدحديره يا قلب لا تحزن». فما إن يفرغ الشباب من أعمالهم، ويتناولون طعام الغداء ويحصلون على قيلولتهم، حتى يتوجهوا بعد المغرب إلى الديوانية مصطحبين شللهم الخاصة وحتى وقت متأخر من الليل، ما جعل الكثير من النساء يتذمرن من هذه الديوانيات ويصنفنها ب«مضيعة الشباب». وخلال جولة «عكاظ» على بعض الديوانيات، تحدث عدد من مرتاديها من الشباب عن أنها أصبحت الملاذ الوحيد الذي يبعدهم عن الرسميات والمقاهي المفتوحة، حيث أوضح الشاب فارس آل ملفي أن الديوانيات في نجران تشكل ملاذا خاصا يخرجه من الرسميات ويأخذه من المقاهي المفتوحة، لافتا الى أن أكثر ما يميزها هو تجمع شلة الأصدقاء المقربين بعيدا عن نظرات مرتادي المقاهي كما أن الشباب يعيشون كامل حريتهم المقننة داخل هذه الديوانيات بداية باللباس، فتجد الكثير منهم بالزي الرياضي أو البيجامات أو ثياب النوم فهم داخل هذه الديوانيات ينسلخون من الرسميات والزي الخاص بهم من غترة وعقال وخلافة، بالإضافة إلى أن الموضوعات المطروحة للنقاش والمسامرة بعيدة عن البرتوكولات الخاصة بالمجالس العامة والأحاديث الجادة. وأشار مهدي حشيش الى أن الأكلات التي تقدم في الديوانيات عادة ما يتم طبخها في الديوانية كالمضغوط والأكلات الشعبية، لدرجة أن الكثيرين منهم أصبحوا يتقنون الطبخ بطرق مميزة، حيث أكسبتهم الديوانيات خبرة في ذلك، مضيفا أن الديوانيات ذات المساحات الكبيرة أضحت كالأندية الرياضية الخاصة والصالات الرياضية المغلقة فالكثير منها يحتوي على حوض سباحة وملاعب كرة مزروعة وصالات للأجهزة الرياضية حيث أغنتهم عن الاشتراك في الاندية الرياضية الخاصة وصالات القوى، حيث يجد فيها الشباب متنفسا كبيرا لهم، لذا تجد الكثيرين من الشباب يلجأون إلى الديوانيات في الخامسة عصرا بلباسه الرياضي ويقوم باللعب ومن ثم يستبدل ملابسه الرياضية بعد أن يفرغ من أداء رياضته المفضلة، حيث تتوفر غرف نوم ودواليب لتغيير الملابس والاستحمام، وكأن الشباب في منزله، ما جعل الديوانيات تستحوذ على كل وقت الشباب، مبينا أنها أصبحت الملاذ الجديد البعيد عن أنظار الأسرة. ويؤكد فايز بن مانع وعبدالرحمن آل منصور أن ما يميز ديوانيات نجران هو التزام الكثير من الشباب داخل هذه الديوانيات بالعادات والتقاليد المتوارثة من خلق وأدب وإكرام للضيف، فالكثير من المناسبات والعزائم تقام داخلها والبعض يستغل وقته في الاهتمام بشأن أفراد قبيلته أو عائلته الخاصة من خلال تدارس الأفكار وحل بعض المشاكل العالقة مع أقاربه أو أصدقائه، كما أنها تستحضر الكثير منهم للحفاظ على الموروث الشعبي في تداول الشعر وقصص الفروسية التي تستثيرهم، بالإضافة إلى أداء بعض الرقصات الشعبية والمتوارثة. مضيفين أن الكثير من الديوانيات أصبحت مراكز ثقافية تقام فيها الأمسيات الشعرية والمسامرات الثقافية من قصص قصيرة وروايات وندوات ثقافية واجتماعية بعيدا عن الرسمية والبرتوكولات المعقدة.