تحفل بسطات النساء في سوق الثلاثاء الأثري في أبها، بكثير من المواقف الإنسانية، أبطالها مسنات، يرفضن الاعتماد على الآخرين، وفضلن كسب قوتهن بجهدهن. وعلى الرغم من الصعوبات التي تعترض نشاطهن وقسوة الحياة التي يعشنها، إلا أنهن متسلحات بالتفاؤل والاجتهاد في تدبير مصاريف الحياة لأسرهن الكبيرة. وتزاول أولئك النسوة عبر بسطاتهن بيع ما تحتاجه المرأة من ملبوسات تراثية وعطورات وعبايات وبخور، فضلا عن أدوات الطبخ الطينية وبيع النباتات بأنواعها، وغيرها من السلع، وتبدو متاجرهن متلاصقة تجمعهن المحبة والقناعة ويقضين نهارهن في سعادة وتفاؤل وتعاون. الثمانينية أم يحيى أوضحت أنها تعمل في سوق الثلاثاء منذ 21 عاما تبيع في متجرها أنواعا من الملابس التراثية والتي تجد إقبالا من النساء الكبيرات في السن، إضافة إلى الفتيات اللاتي يشترين تلك الملابس لإهدائها إلى أمهاتهن وجداتهن. وذكرت أنها تستأنس بكثرة عدد النساء في سوق الثلاثاء ما سهل مهمتها، وخفف عنها وفاة زوجها وأولادها العشرة الذين توفاهم الله وهم صغار آنذاك، معتبرة البائعات في السوق هن أسرتها، واعتادت كل إشراقة صباح أن تجدهن أمامها فيمكثن مع بعضهن من الصباح الباكر وحتى وقت الغروب يسلي وحدتهن البيع وتبادل أطراف الحديث وهذا منوالهن منذ سنوات طويلة. وأفادت أن أصعب المواقف التي واجهتها منذ امتهانها البيع في سوق الثلاثاء هو وفاة صاحبة المتجر المجاور لها، بعد أن اعتادت رؤيتها لمدة فاقت العشرة أعوام نتيجة مرض عضال ألم بها، موضحة أنها لا تجني سوى القليل من المال طوال السنة باستثناء موسم الصيف الذي تنتعش فيه تجارتها، وحددت دخلها اليومي هذه الأيام بأربعين ريالا ويتصاعد أحيانا ليبلغ المائة ريال. وفي متجر صغير مجاور لمتجر أم محمد كانت هناك امرأة كبيرة في السن تجلس على كرسيها داخل المحل، تعاونها فتاة من إحدى الجنسيات الآسيوية وتدعى أم فهد، ذكرت أن حاجتها للمال هيالتي دعتها للعمل في سوق الثلاثاء. وأشارت أم فهد إلى أنها تعول 10 أفراد وهم أبناء أختها الستة الذين هجرهم والدهم منذ ثمانية أعوام ولم يسأل عنهم طوال هذه المدة الطويلة، لافتة إلى أن الحمل بات ثقيلا عليها، ولم تعد قادرة على تحمل المسؤولية. وقالت: «الدخل لا يكفي لإطعام أفواه 10 أفراد، وما زاد المر مرارة هو غلاء الإيجار بالنسبة لواحدة مثلي والبالغ خمسة آلاف ريال سنويا، وكل ما أريده هو تخفيض الإيجار علني أتمكن من الإيفاء بالمتطلبات التي أصبحت ملزمة بها، مبينة أن سوق الثلاثاء يبقى من الأماكن التي يحرص السائح والزائر لأبها على زيارته والتبضع فيه وتذكر الماضي الجميل. في المقابل، أكد مصدر في أمانة عسير أن رسوم الإيجار في سوق الثلاثاء الشعبي تعتبر رمزية، حيث لا تتجاوز خمسة آلاف ريال في السنة.