تعاني سوق الثلاثاء في أبها من الفوضى، تكدس بضائع.. تزاحم باعة ومتسوقّين.. باعة العسل متكدسين في ركن خاص بهم.. وبجوارهم نساء يبعن النباتات العطرية «الريحان، البرك، النعناع وغيرها من النباتات».. وفي مكان غير بعيد عنهن يصيح بائع التمور بأعلى صوته مخاطبا المتسوقين بأن بضاعته رهن التجربة، ومن ثم لهم الحكم على جودتها من عدمها.. هذا بالنسبة للبسطات المتحركة.. أما باعة المحال فأغلبهم نساء مضى على عمل بعضهن داخل السوق ما يقارب أكثر من 16 عاما، عدد منهن أكدن أن الوافدين ضيقوا عليهن الخناق. أم محمد أقدم صاحبة محل داخل السوق، كانت مشغولة بالتفاوض مع زبونة حول سعر جلابية نسائية، وقالت بضاعتي يعرفها المترددون على السوق، خصوصا من النساء، وعملت في هذه السوق منذ نقلها إلى هنا قبل أكثر من 15 عاما، وأبيع الملابس التراثية الخاصة بالنساء مثل الجلابيات التي أجلبها من بعض الدول مثل الأردن، وتجد رواجا كبيرا من الزبونات، خصوصا في فصل الصيف، حيث يصل ثمن الواحدة منها إلى 300 ريال، كما أبيع سلعا تراثية أخرى مثل «فرن الميفا» وحافظات خبز البر والبخور وأغطية الرأس القديمة التي كانت ترتديها النساء في الماضي، وهي بضائع أجلبها من جازان ونجران والدرب. ولكن أم محمد باحت ببعض السلبيات التي تعكر صفو النساء البائعات داخل السوق، وأبدت تذمرها والعديد من النساء، من زيادة عدد الباعة الوافدين داخل السوق، والمضايقات التي تصدر منهم. وتواصل أم محمد حديثها بنبرة يكسوها الألم قائلة «أغلب النسوة من أصحاب المحال هنا كبيرات في السن، ولا بد أن يجلبن معهن من يساعدهن في عمليات البيع والشراء، فلذلك نصطحب معنا بعض العاملات الآسيويات اللاتي يعملن لدينا في المنازل، من أجل مساعدتنا في السوق، ولكننا لاحظنا بأنهن يتعرضن لمضايقات من قبل بعض العمالة الوافدة، ناهيك عن تحكمهم في الأسعار ونظراتهم المريبة للعاملات داخل السوق مما جعلنا نعيش في خوف وقلق دائمين. وزادت «تقدمنا بشكوى لمكتب العمل لإبعاد هذه العمالة عن السوق، كون أغلب الباعة فيها نساء، كما أن أغلبهم يعمل هنا ومهنته الأصلية سائق أو مزارع ومنهم الهارب من كفيله، فأين الرقابة والمتابعة لمثل هؤلاء العمالة المخالفة. أعول 10 أفراد وفي متجر صغير مجاور لمتجر أم محمد كانت هناك امرأة كبيرة في السن تجلس على كرسيها داخل محل تعاونها فتاة من إحدى الجنسيات الآسيوية، تدعى أم فهد بينت أن حاجتها للمال هو ما دعاها للعمل في سوق الثلاثاء، حيث إنها تعول عشرة أفراد، وهم أبناء أختها الستة الذين هجرهم والدهم منذ ثمانية أعوام ولم يسأل عنهم طوال هذه المدة الطويلة. وأضافت الحمل بات ثقيلا علي، والمسؤولية لم أعد قادرة على تحملها، والدخل لا يكفي لإطعام أفواه عشرة أفراد، ومازاد المر مرارة هو غلاء الإيجار بالنسبة لواحدة مثلي إلى خمسة آلاف ريال سنويا، فكل ما أتطلع إليه هو تخفيض الإيجار، علني أتمكن من الإيفاء بالمتطلبات التي أصبحت ملزمة بها ولا مناص من الوفاء بها. وزادت الوضع في السوق لم يعد يحتمل، حيث إن بعض أصحاب المحال يعينون عاملين وافدين في محالهم، وهذه العمالة باتت تضايقنا وتضايق زبوناتنا بنظراتهم وتصرفاتهم، ولا زالت الشكاوى متكررة من العاملات الآسيويات من تصرفات العمالة الوافدة. وفي زاوية من زوايا السوق يوجد شاب سعودي في مقتبل العمر يبيع العسل ويدعى زميم النواب وضع أمامه عددا من الحافظات المملوءة بالعسل، قال «أنهيت دراستي الثانوية قبل ثلاثة أعوام، ولم أجد عملا، ووالدي رجل طاعن في السن وأسرتي بحاجة إلى من يعولهم، فاضطررت أن أمتهن بيع العسل، فتجدني تارة هنا في سوق الثلاثاء في أبها، وتارة أخرى في محافظة بلجرشي لأبيع العسل في سوق السبت، والاثنين في مركز بللسمر للعمل في سوق الاثنين، وأختم الأسبوع الشاق بالتواجد في سوق الجمعة في الواديين». وبين أنه يبيع نوعين من العسل، هما السدر والسمرة، حيث يبلغ سعر الكيلو الواحد من عسل السدر 250 ريالا، بينما يبلغ سعر الكيلو الواحد من عسل السمرة 150 ريالا، لافتا إلى أن نقل المناحل من مكان الى آخر، والتنقّل من محافظة إلى أخرى لبيع العسل، يكلفه من الجهد والمال، ما يجعل دخله يتراجع بشكل كبير. جلابيات قديمة ولوحظ في سوق الثلاثاء انتشار الباعة الوافدين وخاصة في محال بيع الملبوسات النسائية، وقال برهان من بنغلاديش «كفيلي كبير في السن أحضرني للعمل في محله، كونه لم يعد قادرا على البيع والشراء»، لافتا إلى أن بعض الجلابيات النسائية الموجودة في المحل سعر الواحدة منها يصل إلى 200 ريال وهي قديمة جدا، يصل عمر الواحدة منها إلى 300 عام.