ربما يكون الدكتور عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان، عضو هيئة كبار العلماء، من أبرز العاشقين والمدافعين عن الأماكن والآثار التاريخية، والمحافظة على قيمتها، والألم على طمسها، وهو من أكثر العلماء والباحثين في تاريخ مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة، وكتبه تدل على تلك المعرفة وذلك الاهتمام، ويكفيه في ذلك المجال كتابه (باب السلام في الحرم المكي ودور مكتباته في النهضة العلمية والأدبية الحديثة) (حصل على أفضل كتاب عام 1428ه)، (الحرم الشريف الجامع والجامعة.. المقدمة التاريخية للنهضة الفقهية في مكةالمكرمة في القرن ال 14 الهجري) (1417ه)، (الحرمان الشريفان وجامع الزيتونة)، (مكتبة مكةالمكرمة.. دراسة موجزة لموقعها وأدواتها ومجموعاتها) (1416ه)، (العلماء والأدباء الوراقون في الحجاز في القرن ال14 الهجري) (1423ه). ويعد أبو سليمان من أكثر العلماء انفتاحا على المذاهب المختلفة، فهو يرى أن الفقه صناعة وابتكار وإبداع، ولا يقف عند الجمود والمقولات فقط، وهذا إثبات أن شخصيته تتميز بالقبول والانفتاح على الآخر، ويملك درجة عالية من التسامح والقبول، يدعو في كتاباته ومحاضراته إلى تلك القيم والآداب. ويعود السبب لغزارة علم أبو سليمان ورسوخه، تتلمذه على أيدي علماء الحرم المكي الشريف، أبرزهم العلامة المحدث الفقيه القاضي الشيخ حسن محمد المشاط، حيث لازمه سبعة أعوام منذ أن كان في المرحلة الثانوية، اكتسب منه غزارة العلم، والكياسة، والفطنة، ورجاحة العقل، فلم يكتف بثني ركبتيه عنده في المسجد الحرام بل لازمه في بيته، تعلم منه بإتقان: الفقه وأصوله، الحديث وعلومه، اللغة العربية بأنواعها؛ النحو، البلاغة، والمنطق، ومن حبه لشيخه المشاط؛ فإن أبوسليمان حقق كتاب (الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة) للشيح حسن المشاط، في طبعة ثانية (1411ه)، ولعل بره بأمه انعكس في حياته توفيقا وتميزا في حياة علمية وعملية مشهود لها، حيث أفنى جل حياته ملازما لها حتى وفاتها. بذلك، تجتمع في الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان عدة جوانب؛ أبرزها: عمق ورسوخ علمه، معرفته التاريخية بمكةالمكرمة والمشاعر المقدسة، انفتاحه على ما لدى المذاهب في كل الجوانب، وكثافة إنتاجه العلمي. كما أنه لا يمكن إغفال الجوانب الإنسانية للدكتور عبدالوهاب أبو سليمان التي ربما لا يعرفها الكثيرون، فهو مع ما يملكه من علم ومعرفة فإنه شخصية متواضعة أمام كل من يقابله، وله شفاعته عند الآخرين للمحتاجين، صاحب ابتسامة عريضة لا تفارقه عند لقائه الناس، زاهد عن الإعلام إلا بعض المقالات والأبحاث التي ينشرها بين فترة وأخرى في بعض الصحف أو المجلات حسب الحاجة، أما الفضائيات فإنه راغب عنها بشكل شبه كلي. ولد عبدالوهاب أبو سليمان في مكةالمكرمة عام 1356ه، متلقيا تعليمه بها، فالمرحلة الابتدائية في دار الأيتام (تخرج منها عام 1369ه)، ملتحقا بعدها بالمعهد العلمي السعودي (تخرج منه عام 1373ه)، لينضم بعدها إلى كلية الشريعة (كانت تابعة لجامعة الملك عبدالعزيز في جدة قبل أن تصبح جامعة أم القرى، وتخرج منها عام 1377ه). وحصل صيف عام 1382ه على دبلوم التربية من الجامعة الأمريكية في بيروت، وفي عام 1385ه ابتعث للدراسات العليا في جامعة لندن، وحصل منها عام 1390ه على درجة الدكتوراه مع التوصية بطبع رسالته (أثناء دراساته العليا في جامعة لندن حصل على دبلوم في القانون الانجليزي والدراسات الحقوقية). وكان أبوسليمان قد بدأ حياته العملية عام 1378 مدرسا لمادتي الفقه والتفسير في مدرسة الزاهر المتوسطة (أعد في تلك الفترة تفسيرا للأجزاء المقررة)، نقل بعدها إلى المدرسة العزيزية الثانوية لتدريس العوم الدينية (أخرج في تلك الفترة مخلصا مدرسيا لكتاب عبقرية الصديق لعباس محمود العقاد)، وفي عام 1384ه عين معيدا في كلية الشريعة في مكة (جامعة أم القرى حاليا) لمادتي أصول الفقه والفقه المقارن. عقب نيله الدكتوراه عين عام 1390ه أستاذا مساعدا في كلية الشريعة في مكةالمكرمة (كانت في ذلك الوقت تابعة لجامعة الملك عبدالعزيز)، وفي عام 1398ه رقي إلى (أستاذ مشارك)، ثم (أستاذ أصول الفقه) عام 1403ه. له عدة أعمال إدارية في الجامعة؛ مثل: عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية 1391-1393ه (رأس أثناء عمادته لجنة تطوير مناهج الكلية، ولجنة تطوير مناهج الدرسات العليا الشرعية في الكلية عام 1405ه)، رئيس للجنة تقويم المخطوطات 1391-1395ه، عضو المجلس العلمي 1405-1414ه، عضو مركز التراث الإسلامي، عضو مجلس عمادة شؤون المكتبات (1409ه)، عضو في لجنة الترقيات العلمية في جامعة أم القرى (حتى عام 1414ه)، عضو في لجنة معادلة الشهادات الجامعية في وزارة التعليم العالي عام 1397ه، (زار في فترة عضويته للجنة جامعات أوروبية وأمريكية). له عدة عضويات خارج جامعة أم القرى؛ منها: عضو في هيئة كبار العلماء (1413ه)، عضوا في جائزة الملك فيصل العالمية فرع الدراسات الإسلامية (حتى عام 1420ه)، عضو في جائزة الأمير نايف العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية (1422ه)، عضو في لجنة خبراء الموسوعة الفقهية في مجمع الفقه الإسلامي، عضو في اللجنة العلمية في البنك الإسلامي للتنمية، عضو في الهيئة الشرعية العالمية للزكاة في الكويت، عضو في المجلس الاستشاري لمشروع الفقه المالكي بالدليل في دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث في دبي، عضو لجنة المستشارين لموسوعة مكةوالمدينة وعضو في مجلسها العلمي (شارك في اجتماعاتها في اسطنبول عام 1415ه، وفي لندن عام 1420ه). ومن أعماله الأكاديمية في خارج المملكة: أستاذ باحث في كلية الحقوق في جامعة هارفارد الأمريكية عام 1996م (ألقى في مركز الأديان محاضرة في الفقه الإسلامي، وأخرى في جامعة بوستن حول القانون الإسلامي وتطبيقه في المملكة)، أستاذ زائر في جامعة ديوك الأمريكية (1401ه)، أستاذ زائر في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا (عامي1990 و1992م)، أستاذ زائر في الإمارات العربية عام 1999م (كلية الدراسات العربية والإسلامية في دبي، جامعة الإمارات في العين، مركز جمعة الماجد للبحوث والدراسات الإسلامية). كما شارك في تقويم منهج الدكتوراه في كلية الدراسات العليا في أكاديمية نايف للعلوم الأمنية (1423ه)، وإعداد منهج الماجستير في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في الإمارات (2001م). مع مشاركته في العديد المؤتمرات الدولية والندوات العلمية والحلقات الدراسية داخل المملكة، فإن أبو سليمان شارك في الكثير منها خارج المملكة، منها: الملتقى الخامس والسادس والعاشر للتعرف على الفكر الإسلامي في الجزائر (أعوام: 1392،1393، 1396ه)، ممثل عن المملكة في حلقة دراسات القانون الدولي في جنيف (1976م)، الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي (1407ه)، ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي في تونس (1406ه) وفي اسطنبول (1407ه) وفي القاهرة (1409ه)، الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة في القاهرة (1409ه)، ندوة الأسواق المالية الإسلامية في الرباط (1410ه)، الندوة العالمية لإحياء ذكرى الإمام الشافعي في كوالالمبور (1412ه)، ندوة الذكرى الألفية لإمام الحرمين الجويني في قطر (1419ه). ومن الكتب والأبحاث للدكتور عبدالوهاب أبوسليمان المتعلقة بالفقه: الفقه الإسلامي مشاكله ووسائل تطويره (1395ه)، دور العقل في الفقه الإسلامي (1396ه)، النظريات والقواعد في الفقه الإسلامي (1398ه)، خصائص التفكير الفقهي عند الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1401ه)، ترتيب موضوعات الفقه الإسلامي ومناسباته في المذاهب الأربعة (1409ه)، فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة آفاق وأبعاد (1414ه)، منهج البحث في الفقه الإسلامي خصائصه ونقائصه (1416ه)، منهجية الإمام الشافعي في الفقه والأصول تأصيل وتحليل (1420ه). ولعل كتابه (فقه المعاملات الحديثة) أكثر كتب فقه المعاملات تداولا، حيث تضمن عدة أبحاث كتبها أبوسليمان في عدة مؤتمرات وندوات ومجلات علمية؛ من هذه البحوث: خيار الشرط نظريا وتطبيقيا في المعاملات المصرفية (الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي 1407ه)، عقد التوريد.. دراسة فقهية تحليلية (الموسوعة الفقهية الاقتصادية، مجمع الفقه الإسلامي 1415ه)، عقد الاختيارات.. دراسة فقهية تحليلية (مجلة البحوث الفقهية المعاصرة 1413ه)، عقد المزايدة في الشريعة الإسلامية (مجلة البحوث الفقهية المعاصرة 1414ه). وحظيت دراسات مناسك الحج باهتمام خاص من أبوسليمان، ويأتي كتابه (المقاصد في المناسك) من أكثر الكتب انتشارا لدى العامة في موسم الحج (الكتاب عبارة عن محاضرة ألقاها في مركز دراسات مقاصد الشريعة عام 1427ه، طبعها المركز في كتاب)، وله بحث (تحفة الناسك بأحكام المناسك) نشرته مجلة البحوث الفقهية المعاصرة في عددها الصادر في 26 عام 1416ه. وقد جمعت أبحاثه حول مناسك الحج في كتاب (بالاشتراك مع الدكتور معراج نواب مرزا) موسوم ب(الحج المشعر والشعيرة.. دراسة فقهية جغرافية حضارية)، اشتمل على عدة أبحاث نشرت في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة في أعداد مختلفة، منها: مواقيت الحج الزمانية والمكانية (العدد 29 عام 1416ه)، عرفات.. المشعر والشعيرة (العدد 37 عام 1418ه)، المزدلفة.. المشعر والشعيرة (العدد 45 عام 1420ه)، منى.. المشعر والشعيرة (العدد 49 عام 1421ه)، المسجد الحرام والمسعى.. المشعر والشعيرة (العدد 52 عام 1422ه). وفي مجالات الوقف والزكاة والبيوع له عدة أبحاث، منها: الوقف.. مفهومه ومقاصده (ندوة المكتبات الوقفية، المدينة 1420ه)، عناية المسلمين بالوقف خدمة للقرآن الكريم (ندوة عناية المملكة بالقرآن، المدينة 1421ه)، زكاة المال الحرام (الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة، البحرين 1994)، ونشرت له مجلة البحوث الفقهية المعاصرة بحثين حول الزكاة، هما: أداء الزكاة وحسابها الاقتصادي وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية (العدد الرابع 1410ه)، زكاة الديون المؤجلة (العدد الثامن 1411ه)، عقد الإجارة مصدر من مصادر التمويل الإسلامي (1413ه)، البطاقات البنكية.. دراسة فقهية قانونية اقتصادية تحليلية (1419ه). مما كتبه عن التشريع الإسلامي والفكر الأصولي: التشريع الإسلامي في القرن ال14 (1393ه)، الضرورة والحاجة وأثرها في التشريع الإسلامي (1402ه)، تجديد الفكر الأصولي نظريا وتطبيقيا عند إمام الحرمين الجويني (1419ه)، الترقيع الجلدي في العمليات الجراحية (1415ه)، المنهج الإسلامي في مكافحة الجريمة في المملكة (2001م)، الفكر الأصولي. دراسة تحليلية نقدية (1404ه)، دراسة كتاب (الجواهر الحسان في من لاقيته من الأعيان) للعلامة الفقيه الشيخ زكريا عبدالله بيلا (بالاشتراك مع الدكتور محمد إبراهيم علي).