الشاعر اللبناني لامع الحر في مجموعته الجديدة «يقول العاشق ليتني كنت سرابا» يأتي بقصائد تتسم بوجدانية جدية وحزن ذي صرامة موحية. وهو حتى في الكلام عن أمور الحياة التي يفترض أن تكون مفرحة ورموزا للأمل يذكر الفرح والأمل كنقيضين للآلام الكبيرة في الحياة، أي أن الطرف الأول المفترض أن يكون مفرحا لا يلبث أن يستحضر المحزن، إنه شاعر ممتلئ بالمفجع في الحياة وهو يحاول أن يتجاوز هذا المفجع بالشعر، لكن الشعر يأتي انعكاسا بل تجسيدا له. وشعر لامع الحر معظمه قصائد متعددة الأوزان والقوافي وبعض منها يلتزم وزنا واحدا وقافية واحدة وبعض منها كما في إحدى قصائده الطويلة يلتزم ما يشبه «وحدة في القافية» مع تعدد وزني في قسم كبير من القصيدة ليعود بعد ذلك إلى تعدد في الاثنين. وقصائد الشاعر طويلة عادة وبعضها طويل جدا، لكن هذا الطول لا يضعف نبضه الشعري فيها إجمالا. وقد وردت المجموعة في 159 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف للفنان اللبناني فارس غصوب وصدرت عن دار الفارابي في بيروت. يستهل الشاعر مجموعته بقصيدة كلاسيكية حزينة تحمل ما يبدو تناقضا ذاتيا.. فهي قصيدة أي «شعر» لكن عنوانها هو «وداعا أيها الشعر». والقصيدة مهداة إلى رفيقة عمره إلهام أبو مراد، يقول الشاعر: حشر عظيم يداني هوله الحشر من مات حتى اختفى في فيضه البحر إلهام ماتت فكل الأرض شاحبة ونكَّس الرأس في عليائه البدر رحيلك المرُّ زلزال به انكسرت أحلامنا وانطوى في دمعه النهر ماذا أقول وقلبي قبلة منيت بالقهر.. هل تعرف الزلزال يا قهر؟ إلهام في القلب أحلام مكبلة شوق يفجر شوقا ما له حصر أمضي ويمسكني دهري كأن به حزنا تشظى فكان الليل والهجر وفي قصيدة «الغيث» المهداة إلى ولديه يقول: «طفلان من فرح الحياة ومن بهاء سمائها» طفلان من شوقي إلى الماضي الذي يأبى الإياب.. ومن حنين الروح للزمن البعيد. طفلان من عمري المغني.. في خضم الغيب يسأل عن نسيم من صفاء الروح. عن جرح يعاند في الخضم ولا يبوح. طفلان يقتحمان أرض الدار ينهمران مثل الغيث فوق ترابنا العطشان يغتسلان قبل الفجر بالأزهار. يحتضنان أوراق الربيع ويركضان.. ويركضان.. إلى مكان لست أدري آخره وإلى زمان غامض مثل الشفاه المضمرة. في قصيدة «حوار» يبقى هذا الجو من الحزن الشفيف مسيطرا على القصيدة حتى حين يستذكر الشاعر لحظات حلوة، يقول: تجيئين لحظة ضوء تغطي المدى وسنابل تخفق كالزمهرير تناجي الغرام صباحا وتنساه بعد الأفول أفولا تصيرين بحر الجمال حضورا يباغت هذا الزمان العليلا. وفي قصيدة «رجوع» نقرأ الشاعر حيث يقول في نبرة مؤلمة: وددت الذهاب إليك وددت الذهاب إليَّ مشيت على صخرة القلب صاح أنا القفر فاحضن سرابي الجميل أكاليل مجد وغار وجدت الضحايا تظلل هذا الهدوء ضجيجا وتمنح هذا السكون لهيبا ونار رأيت ورودا بغير رحيق رأيت عذابي القديم على الأرصفة يلوِّن هذا الطريق وتلك الطريق ويسأل خبز الحياة قليلا من الأرغفة رأيت عذابي التليد يصافح ظلي ويسأل عني كأني نسيت فنون العذاب على صخرة من زمان الغياب أما في قصيدة «نسمة الروح» المهداة إلى مصطفى سعد شهيدا، عاطفة دفاقة مع حفاظ على قافية واحدة في القسم الأول من القصيدة دون توحيد صارم للأوزان.. يقول: سوف أطل من البعيد مخاطبا روحي وروحك أيها الزمن الدميم لم نأت هذي الأرض كي نلهو بكل متاعها فالمس طريقك يا صديقي كي يصون قصيدتي الشجر الحميم لم نأت هذي الأرض كي نتنفس الفرح الشهي إذا غزا شعري الحياة وعلَّني أنا نديم هذا الخراب طريقنا القسري فاحفظ ما تبقى من جمال الروح يوم الحشر آت والدجى نهر يعمد فيضه نور يتيم ولا يلبث أن يغير القافية الميمية ويعتمد تعددا في القوافي.. يقول: قدري الوفاء لأصدقائي السائرين إلى سكون الوقت لا أبكي ولا أستنجد الكلمات كي أحمي شوخ السنديان من اشتعالي قدري الوفاء لأصدقائي الذاهبين إلى سكون غامض حتى يصير الأفق قيض يدي ويغدو البحر مملكتي على أركانه اكتملت رؤى تغتاب أقدارا تبشر بارتحالي قصيدة «وردة على ضريح فاطمة» هي القصيدة الأطول في المجموعة ذات القصائد الطويلة، فقد جاءت في 41 صفحة وكرست لرثاء مؤلم للأم وللحياة.. يقول فيها: بعد ظهيرة يوم خميس أسود ماتت أمي كان الوحش على الأبواب يغازل ميزان الصبر ويخطفه كان الصبر نخيلا طول من قامة كل الأهوال فرغ الصبر ولم أعرف ما معنى أن يختال المرء على الأيام ويقول: من يعرف حزنا يشبه حزني من يعرف أقمارا ضائعة بين شجا الأرض وعتم الجوزاء من يعرف سر الموت إذا زلزل هذا الموت الكرة الأرضية ومن يتجاوز هذا السفر المفتوح على عمر ينسل إلى الضوء ويختلس الحرية..