يتوقف كثيرون من مختلف الشرائح أمام محل متواضع في تجهيزاته يقع على أعتاب سوق جازان الداخلي الشعبي، لارتشاف الشاي الذي يعده رجل سبعيني، خط الزمن آثاره على وجهه، بيد أنه لم يفت في عضده، وينهك قواه، فتراه يتحرك كالنحل في «دكانه» المتواضع يقدم المشروب الساخن المعد بإتقان واحترافية، لزبائنه من المثقفين ورجال الأعمال والبسطاء من سكان المدينة، وتحول موقعه إلى منتدى ثقافي اقتصادي تاريخي يتجاذب فيه كبار السن أبرز الإنتاج الأدبي، وأسعار البورصة والذهب، إضافة إلى المواقف والأحداث التي شهدتها المنطقة سابقا، يجري ذلك في حين ينهمك صاحب المحل العم سالم محمد سلمان في تحضير الشاي لهم، وأحيانا يشاركهم الأحاديث مستندا إلى سني عمره المديدة. ويرتبط العم سلمان أو «ملك الشاي في جازان» كما يحلو للبعض تلقيبه، بزبائنه بعلاقة وطيدة، وصداقات وثيقة، يمازحهم بلطف ويسألونه عن أحواله الصحية والمعيشية، يتعامل مع كل من حوله بجدية، ولا يقبل الهدايا والهبات، لأنه يرى أنه ليس ضعيفا ولا عاجزا عن العمل. وبين العم سالم أنه يعمل في هذا المحل منذ 50 عاما، وهو مصدر رزقه الوحيد، خصوصا أنه يعيش وحيدا يصارع من أجل تأمين لقمة العيش، مشيرا إلى أن براعته التي جاءت نتيجة لخبرات طويلة في إعداد الشاي وبطريقته الخاصة ساعدته على جذب زبائن من مختلف طبقات المجتمع الجازاني والمقيمين الذين يكون تواجدهم بكثرة بعد صلاة العصر من كل يوم. وأكد ملك الشاي أن محله جعله أيضا على معرفة بالكثيرين ممن يسكنون في أبها وتبوك والقصيم، الذين يترددون بين فترة وأخرى على جازان بقصد السياحة وحضور بعض المؤتمرات، ولم يخف العم سالم أنه على الرغم من معاناته من آلام في إحدى فقرات الظهر، إلا أنه لم يركن للراحة، فهو لا يتخيل نفسه دون عمل في المتجر الذي ارتبط به منذ نصف قرن، وكون من خلاله صداقات وباتوا أهله. وأضاف: ولا أخفي عليك أنني عندما أغيب عن الحضور أفاجأ بمجيئهم إلى غرفتي فإن وجدوني متعبا أخذوني للمستشفى للعلاج، وإن كنت متأخرا بسبب ظرف خارج عن الإرادة ساعدوني على تجاوزه، فهذا كله نتيجة العلاقة الحميمية التي تكونت عن طريق هذا المحل الذي لن أفارقة إلا متجها صوب مقعد لا أستطيع التحرك منه، أو إلى قبري لملاقاة ربي. ويظل محل سالم مقصدا لكثير من أبناء وزوار جازان الذين يتذوقون طعم الشاي المميز من يديه، ويعشقون الجلوس في المكان الشعبي العريق الذي اكتسب قيمته من وجود رجل عفيف يطاول بعزة نفسه جبال السراة.