يلقبه زبائنه ب"بروفيسور المعصوب" في مدينة جدة، فيما يضفي عليه آخرون ألقاباً أخرى ك"حسن موزة" أو "حسن معصوب".. ارتبط اسمه منذ أكثر من 40 عاماً بأكلة المعصوب التقليدية التي اختلف الطهاة في مصدرها التاريخي بين من قال إن أصلها يعود إلى اليمن، وتحديداً حضرموت، وآخرين يشيرون إلى أنها أكلة شعبية حجازية متطورة. فتح حسن صالح غازي (56 عاما) عينيه على مهنته في بلاد الحرمين منذ أن كان في الخامسة عشرة من عمره، أي أوائل سبعينات القرن الماضي قادماً من مديرية شرعب السلام - إحدى مديريات محافظة تعز اليمنية - التي تتميز بمدرجاتها الزراعية المنحوتة على قمم الجبال الشاهقة، وأوديتها الخصبة. الوصول إلى محل "بروفيسور المعصوب" حسن في عمق حي الصحيفة، أحد أحياء جنوبجدة الرئيسية، ليس سهلا رغم شهرة الرجل الواسعة في بيع الأكلة الشعبية، لن تصل إلى الرجل إلا إذا استخدمت شفرة الوصول إليه، والدخول إلى عالم المعصوب الخاص به بذكر "أين يقع معصوب الحرمين؟" المجاور للجامع الشهير في الحي منذ عقود طويلة.. جامع الحرمين، حينها فقط ستصل إلى المطلوب رقم واحد "حسن موزة". الرجل يحمل إطلاله وكاريزما وابتسامة واسعة مع زبائنه استمرت لسنوات طويلة. ورغم انتقال بعض زبائنه من أبناء الحي منذ سنوات الصبا إلى أحياء في شمال ووسط جدة، فما زالوا يفدون إليه للحصول على أكلتهم المفضلة. محسن باجبع قال إنه أحد الزبائن القدامى الذين يحصلون على أكلة المعصوب لدى محل حسن منذ أكثر من 34 عاماً، أما علي سالم بارشيد فيتردد عليه منذ 20 عاماً، ويقول" لا أستطيع أن أتذوق المعصوب إلا من بين يديه" في إشارة إلى حسن. أما حمود أحمد فيشير إلى أن سبب تعامله مع المعلم حسن منذ أكثر من 8 سنوات، هو الشخصية المرحة التي يتمتع بها، وقال "لولا ذلك لم أكن لأتردد على مطعمه". وجبة حسن، المعصوب، يستهويها مختلف الأذواق الآسيوية، والأفريقية، بالإضافة إلى العربية، وبين الفينة والأخرى تلحظ جنسيات أخرى تأتي خصيصاً لتذوق معصوب حسن. محمد بيران، ويوسف محيي الدين، وعبد الله محمد، ثلاثة عمال هنود يحتفظون بصداقة عمل مع حسن المعصوب منذ 20 عاماً، أحدهم يقول عنه إنه :"شخصية "حبوبة، ولولا شخصيته لما صاحبناه كل هذه السنين الطويلة". صبي المحل، وليد أحمد كتف، الذي بدأ العمل مع حسن منذ ثلاث سنوات يقول إن "المعلم حسن شخص طيب ومحب لعمله، وصاحب طرفة، ومرح، يعطي العمل لوناً مختلفاً ومحبباً". لا تظهر على مطعم حسن علامات "الحداثة العصرية"، فالتحسينات الحديثة في المطاعم المشابهة لم تجد طريقاً له "إلا قليلاً"، حيث ما زال محافظاً على هوية مطعمه التقليدي، خاصة في إعداد وجبة المعصوب الرئيسية، فحتى اليوم ما زال محتفظاً "بماكينة فرم فطائر البر مع الموز" التقليدية "فرامة السير" التي تنازل عنها الكثير من المطاعم المشابهة، واتجهت صوب الآلات الحديثة. وعلق حسن عندما سألناه عن سر احتفاظه بها بعبارة "قديمك نديمك". "لا صوت يعلو فوق صوت قعقعة الصحون".. ذلك الصوت هو المسيطر على الجو العام في المطعم، فالرجل من كثرة الإقبال عليه لن تجد فرصة للتحدث إليه إلا إن كانت "لغة المعصوب" هي أسلوب التواصل الوحيد، فمن الصعب التكلم معه في غير عمله. "حسن" يتبع لغة الإشارة في التواصل مع زبائنه، فضربة الكف المبسوط في الهواء تعني نصف وجبة معصوب، أما رفض هذه الإشارة فيعني أن الوجبة كاملة. معدلات التضخم الاقتصادي ودورها في ارتفاع أسعار السلع الأساسية لا تعني العم حسن من قريب أومن بعيد، ولا يبدي لها اهتماماً كالمطاعم الأخرى التي رفعت أسعار ما تقدمه من وجبات بحجة ارتفاع أسعار المنتجات، فقد احتفظ بتسعيرته الأصلية منذ أربعة عقود (النصف بريالين) ، والنفر الكامل (بثلاثة ريالات)، وحينما تسأله عن سبب ثبات تسعيرته يجيبك بكلمتين فقط "الله تعالى مبارك في الأمر".