دخل «البعوض» في تحد معلن مع أمانة جدة، متحديا إمكانية استنفاع الأهالي بأكثر من 80 حديقة شيدتها الأمانة في عدد من الأحياء خلال الأربعة أعوام الماضية. وباتت المبالغ الباهظة التي دفعتها الأمانة تروح «هباء منثورا» بعدما أصبح البعوض هو الزائر الوحيد لعشرات من الحدائق خاصة مع غروب الشمس، ليهرب الأهالي من الحدائق خوفا على أبنائهم من لدغات البعوض، وللحفاظ على أجسادهم. وفيما يعتقد بعض المتنزهين لحدائق الأحياء أن البعوض نتيجة أساسية لإهمال الرش، يرى البعض الآخر أن عشرات المشاريع التي تملئ شوارع جدة، والهدر المائي الكبير والذي خلف وراءه مستنقعات، هو السبب الرئيسي في ملايين من البعوض الذي يغزو كل الحدائق بلا استثناء لكونها في شمال أو جنوب المحافظة. ففي إحدى حدائق شمال جدة على سبيل المثال قرر عبدالرحمن الجهني أن يلملم حاجياته بعد أن جلس لدقائق برفقة أطفاله، رافضا توسلاتهم بمواصلة الجلوس وتناول العشاء والاستمتاع بألعاب الأطفال الخالية من المستخدمين إلا أنه أصر على القرار وغادر بسيارته إلى منزله بعد أن شاهد الخطر بعينه. ويعلق الجهني بالتأكيد على أنه «منذ أن جلست برفقة أطفالي في قلب الحديقة شبه الخالية رغم أن المساء لم يكن متأخرا، فوجئت بهجوم الآلاف من البعوض المتعطش للدماء والذي بالتأكيد يتوالد في مستنقعات كانت نتاجا لمطر ربما عفا عليه الأثر، ولم يجد من يقضي عليه بالرش المتواصل». ويضيف «حاولت أن أكمل دقيقتي الأولى ولكن لم أستطع، فقد كان الهجوم شرسا والمخاوف من حمى الضنك تلوح في الأفق، ولذلك قررت أن أهرب بعائلتي بعيدا عن الحديقة الجميلة والتي تحتوي على كل وسائل الترفيه الحديث والهواء النقي العليل». ونفس الحال في حديقة بشارع الحيوية غربي شارع الأربعين وشمالي شارع فلسطين، حيث يفر الأهالي من الحديقة التي تم إنفاق آلاف الريالات عليها لإنشائها، لكنها لم تجد من يهتم بها، فظلت مظلمة ومليئة بالمستنقعات، الأمر الذي قاد قوافل البعوض إلى مداهمة من يتجرأ على التنزه داخلها مع حلول الليل. ويشير صالح الشيخ القاطن بالقرب من حديقة مسجد أم المؤمنين عائشة بحي الصفا إلى أن الأمانة لم تقصر عندما نفذت الحديقة بطريقة جميلة وبغطاء أخضر مميز والعاب أطفال وملاعب كرة، ولكن مع هذا البعوض لا يمكن أن تتم الاستفادة منها حتى يقضى عليه سريعا، مضيفا «أشاهد هروب الأهالي يوميا بعد مكوثهم لفترة قصيرة خوفا من حمى الضنك ومن لسعات البعوض التي لا ترحم». وفي أقصى جنوبجدة حيث الحديقة القديمة الواقعة بين حي المنتزهات وطريق الحرمين بات بقاء العائلات ليلا مرتبطا بقوة الهواء، فكلما كانت سرعة الهواء جيدة كان طرد البعوض المنتشر في أرجاء الحديقة واردا بقوة، ولكن حين يتوقف الهواء تخرج كميات مهولة من أسراب البعوض لتحرم سكان الأحياء المجاورة من المتنفس الوحيد. خالد بالبيد والذي حضر مشيا على الأقدام برفقة طفليه للترفيه عنهم في الألعاب يصف المشهد بالمرعب، مشيرا إلى أن الأعداد كبيرة والجلوس خلال سكون الرياح ضرب من المستحيل لأن نتيجته أما الانشغال بصد الهجمات الغوغائية للبعوض أو تحمل اللسعات المتوالية وانتظار الإصابة بالأمراض المعدية. ويواصل: أسكن بالقرب من الحديقة ومنذ هطول المطر قبل أسبوعين لم أشاهد سيارات رش المبيدات الخاصة بالأمانة سوى مرة أو اثنتين، ولذلك يستمر الوضع المأساوي لسكان المنتزهات في حربهم غير المتكافئة مع البعوض، ولن يخمد نيرانها إلا التدخل العاجل لفرق الأمانة بالمبيدات الحشرية القادرة على درء الخطر المرتقب. من جهته قال الدكتور عبدالعزيز النهاري المتحدث الإعلامي باسم أمانة محافظة جدة: إن فرق المكافحة تعمل بشكل متواصل لتغطية مختلف الأحياء المتضررة بالبعوض في مختلف النواحي، مبينا أن الحدائق من ضمن المواقع التي تهتم برشها فرق المكافحة بكافة أنواع المبيدات الكفيلة بالقضاء على البعوض وذلك في الأوقات المخصصة لها. مقاييس علمية نفت أمانة جدة ما يتردد عن عدم صلاحية المبيد المستخدم في مكافحة البعوض، مشددا على أن «هذا الكلام غير صحيح، هناك مقاييس علمية لخلط المبيد قبل رشه في الأجواء، ويشرف عليه مهندسون متخصصون من قبل عدة جهات من الأمانة للتأكد من فاعلية المبيدات الحشرية الخاصة بالبعوض وغيره».