«لقد هجر الأهالي بيوتهم منذ زمن طويل ولم يعد في الحي إلا الأجانب، والبائعون، فنسبة السعوديين لا تتجاوز ال 01% فالمكان أصبح خاويا من أهالي جدة، حتى المنازل القديمة أصبحت مسكنا للأجانب». بهذه الحسرة بدأ البائع محمد البارقي حديثه عن سوق قابل، بعدما تذكر بحزن عبق الماضي، الذي تحول مع مرور السنين إلى صورة لا يرتضيها أحد. فهنا حسب وصف البارقي المنازل الخربة التي يكسنها المجهولون والمشردون والمجانين، يستخدمونها للنوم وقضاء حاجاتهم، وما يشعرنا بالخوف أن هناك بعض المنازل يستخدمها أصحاب النفوس الضعيفة من باعة الممنوعات كأوكار للترويج وتوزيع السموم، «زاعما أن شرطة المنطقة باشرت أكثر من مرة الوضع وألقت القبض على المخالفين»، مضيفا: «إلا أنهم يعودون باستمرار لممارسة بيع الممنوعات مرة أخرى». ويرى ناصر عبد الرحمن أن الأحياء الشعبية إذا لم يم الاعتناء بها ومراقبتها جيدا فإنها في الغالب تصبح أوكارا للمتخلفين ومأوى للمجهولين، بسبب تدني قيمة الإيجارات فيها وتوفر الخدمات، مضيفا: «تجد في الأسواق الشعبية وفي سوق قابل تحديدا سلعا مختلفة تباع، مأكولات وخضروات واكسسوارات تملأ الأرصفة والمتاجر، فالكل يطلب رزقه بطريقته الخاصة بتصريح نظامي أو دونه من غير خوف أو قلق أو ترقب المنع». ويبدو التباين في سوق قابل الذي يعد ركيزة سوق البلد، ففي الشارع أيضا تختلط عليك الروائح، فرائحة البخور والمسك ودهن العود ورائحة المساويك والعصيرات والأقمشة ومحال بيع الأحذية ومحلات الخردوات والعطارة كلها في مكان واحد، وفي الشارع أيضا لحوم مكشوفة معلقة على أبواب المحلات، من غير عناية مطلوبة ولا حذر من مباغتة الذباب. وبين أنه توجد صهاريج عملاقة تحت الأرض كانت تستخدم في السابق لحفظ مياه الأمطار، وهذه الصهاريج كبيرة جدا: «وإذا لم تستغل بشكل صحيح فإنها ستصبح مخابئ تستخدم بطريقة خاطئة، وينبغي علينا الحفاظ على تراثنا والعناية به والاستفادة منه». ويتحسر محمد عبد القادر على الحال الذي بلغه الحي: «إذ توجد في الأحياء القديمة الكثير من المخالفات، أهمها بيع (المقلدة) وأحيانا بيع البضاعة الممنوعة والمنتهية الصلاحية، كل شيء تجده في البلد، فبدلا من أن تستخدم الأحياء القديمة كتراث يرمز إلى الماضي العريق صار ضعاف النفوس يستغلونها أماكن لترويج المخالفات وبيع الممنوعات». تراخيص نظامية «عكاظ» واجهت المهندس عوض هاشم المالكي رئيس بلدية جدة التاريخية الذي يعمل مع فريق كامل في ملاحقة المخالفات، حيث أكد أن: «الحملات هنا يومية، وعند اكتشاف مخالفات تتخذ فرقة الرقابة عدة إجراءات حيال المخالف ومكان المخالفة.. والعربات العشوائية أكثر أصحابها من مجهولي الإقامة، ويتم حجز العربات حال هروب الباعة ويتم تسليم سلعها إلى الجمعيات الخيرية». وأفاد المالكي بأن جميع محلات شارع قابل رسمية تعمل بتراخيص. والقليل مخالف وتتم معالجة أوضاعها أولا بأول، مضيفا: «تسلمت مهام عملي منذ فترة قريبة. وبدأنا العمل ميدانيا مع وضع هيكلة جديدة للبلدية لتفعيل دور المراقبة والخدمات، وأما ما يخص الممنوعات وبيع السموم وغير ذلك من الممنوعات فإننا إذا علمنا بمثل تلك الأمور فإننا نخاطب الجهات المسؤولة ونبلغهم حتى يتمكنوا من إلقاء القبض عليهم وإحالتهم للجهات المختصة كي يلقى كل مذنب جزاءه الرادع» ، مشددا على أنه: «نسعى للحفاظ على تاريخنا بالطريقة الصحيحة ونرغب في أن تصبح المدينة التاريخية مزارا للجميع لنعكس الصورة الحقيقية الجميلة عن جدة وأهالي جدة». وعن المدينة التاريخية وعمليات الترميم والبناء أوضح المهندس المالكي أن ذلك ليس من اختصاصه: «لأن مهام البلدية تتلخص في النظافة ومتابعة الأسواق والباعة الجائلين والمرافق ومراقبة المباني، وهناك مشاريع كبيرة للمنطقة التاريخية سيكون لها صداها الإيجابي فهناك مبان قديمة أعيد ترميمها وهناك ترميم للساحات وعمل أرصفة، ونرغب في أن تكون جدة القديمة خالية من المشكلات، بعيدة عن طفوحات الصرف الصحي الذي نتعاون فيه مع مصلحة المياه». كرسي للصهاريج من جانبه أكد عمدة الشام والمظلوم ملاك باعيسى أن الصهاريج عبارة عن أماكن منفذة أسفل البيوت القديمة، وتستخدم لمياه الأمطار والسيول، ولابد من صيانتها واكتشافها والاستفادة منها أو إنشاء متاحف فيها، ويجب أن تستغل بشكل سليم حتى يتم الاستفادة منها، وقال: «لأننا ندرك أهمية الاستفادة من تلك الصهاريج قمنا بمخاطبة جامعة الملك عبد العزيز بهذا الشأن وأبدت موافقتها وتوقيعها مذكرة تفاهم وإنشاء كرسي علمي حول دراسة نظم الصهاريج والمياه الجوفية بالمنطقة التاريخية في حارة الشام والمظلوم والهدف منها الاستفادة الأكاديمية والهندسية في صناعة الصهاريج، تحويل الصهاريج إلى متاحف تحت الأرض لإثراء المنطقة التاريخية هو هدف خيري فتستخدم الصهاريج لتزويد المنازل والمساجد بالمياه، بالإضافة إلى ري الحدائق في الأماكن الضيقة. وأوضح أن الأمر يحتاج لمسألة وقت فقط للبدء بتنفيذ المشروع، حيث تبلغ تكلفة المشروع أربعة ملايين ريال كقيمة مبدئية لدراسة المشروع وترميم أحد الصهاريج: «وسنسعى جاهدين لأجل العمل على جميع الصهاريج الموجودة في الأحياء القديمة ومعالجتها والاستفادة منها، فهناك مشرفون على الكرسي سعوديون ونخبة من الأجانب». وحول أوكار المتخلفين وبائعي الممنوعات أضاف باعيسى: «في كل مكان يوجد مخالفون، ويجب علينا كأهالي محبين لبلدنا الإبلاغ عن مثل تلك المخالفات للجهات المسؤولية كي يتم تطهير جدة من هؤلاء المخالفين، والمتسببين في نشر الفساد»، مشيرا إلى أنه بالنسبة للمنازل غير الصالحة للسكن في الأحياء القديمة هناك مكتب استشاري وفني يعمد لتقديم خدمات استشارية وفنية مجانية وذلك لتشجيع الأهالي على الإسراع في عمليات الترميم. وأشار إلى أنه: «لا يخفى على أحد أن المنطقة التاريخية أصبحت في الوقت الحالي تجارية أكثر منها سكانية، ونحاول مستقبلا وبقدر الإمكان تهيئة المنطقة لكي تصبح مزارا من المهتمين بالآثار والسياحة، ونتمنى أن تصبح منطقة سياحية، ففي الوقت الحالي رممت الأمانة (3) حدائق، ويعمدون لعمل المزيد.. ومن جهتنا نرفع بكل ملاحظاتنا للجهات المسؤولة التي تسعى جاهدة للوصول بالمنطقة التاريخية إلى ما يرضي طموح وتطلعات الأهالي. المراقبة مطلوبة أوضح الناطق الإعلامي بشرطة جدة الملازم أول نواف البوق أن مشكلات المخدرات في المنطقة التاريخية أو الأحياء القديمة هي بالأساس من اهتمام مكافحة المخدرات بالمنطقة، ولكن عموما فإن الشرطة تنفذ عمليات مداهمة وجولات ميدانية، وحين إبلاغ الأهالي عن مثل تلك الأوكار فإننا ننسق مع الجهات المختصة والقبض على المتسببين في المخالفات.. داعيا الأهالي إلى مساعدة الجهات الأمنية والإبلاغ عن مثل تلك الأوكار وأصحاب المخالفات فور اكتشافهم، ومطالبا التجار ملاك المحلات والمنازل بالحرص والتأكد من هوية الساكنين أولا بأول، فقد يستأجر أحد الأشخاص السعوديين مبنى سكنيا ولا يسكن فيه، بل يمنحه لمخالف للإقامة والعمل، أو مروج مخدرات، فيجب على التجار مراقبة أملاكهم ومتابعة ساكني المنازل.