العم حكمت والشاب برهان الدين، يختلفان في عمريهما ولكنهما يلتقيان في مهنة واحدة تسير بسرعة الصاروخ نحو هاوية «الانقراض»، فقد احترفا مهنة الخرازة التي انتهى عمرها الافتراضي، وأصبحت جزءا من الماضي، لا تسمن ولا تغني من جوع، فقد ورثاها أبا عن جد وتعلقا بها منذ عهد الطفولة، إلا أن الرابط الوحيد بينهما هو أنهما لا يعرفان القيام بعمل آخر غير هذه المهنة، وهما اللذان كانا يشاهدان جديهما ووالديهما وأعمامهما يعملون بها. يقول الخراز حكمت الأفغاني الجنسية في حديثه ل«عكاظ»: أصبح الآباء لا يفضلون استمرار اولادهم في هذه المهنة، ويحرصون على اكمال تعليمهم، مشيرا إلى أن الاقبال على شراء هذا النوع من الاحذية بدأ في الانخفاض، ما يعني أن تلك الحرفة لم تعد تساوي اليوم أي شيء، وأن العديد ممن كانوا يحترفونها تخلوا عنها، أما البقية القليلة التي ما زالت تمارسها، هم من يتمسكون بها على مضض، وهي التي كانت في الماضي رافدا اقتصاديا للكثير منهم، إذ لم يعد هذا النوع من الأحذية مطلوبا بين الرجال، حيث أصبحوا يميلون إلى التي تجمع ما بين الأناقة والجودة والأصالة، وهذه المواصفات متوفرة في الاحذية المستوردة من الخارج والتي بدأ يفضلها الكثير من الأجيال الجديدة، لأسعارها المناسبة وموديلاتها المتجددة بإستمرار، إضافة الى التنوع في أشكالها الخارجية وألوانها التي تتوافق مع تقليعات العصر. ودافع العم حكمت عن إنتاج مهنته من حيث الجودة بقوله: تتصف أحذية الخرازة بمواصفات عالية الجودة ونوعية تجعلها قادرة على منافسة المستورد من الأحذية الحديثة. وعن أنواع تلك الأحذية التي يصنعها أجاب بأن هناك الزبيرية ذات اللون الأسود بالكامل ودون أي نقوش أو تزيين والتي لا يزال عليها الطلب كثيرا، خاصة من كبار السن، مبينا أن مهنة الخراز يجب أن تتوفر فيها صفات المهارة ودقة النظر والسرعة بإتقان. أما الخراز الشاب برهان الدين فلم يخف قلقه من اندثار مهنته بسبب ضعف الإقبال عليها خلال السنوات الأخيرة، مرجعا ذلك الى أن الرجال بمختلف الأعمار باتوا يفضلون تغيير الحذاء عوضا عن إعادة إصلاحه لدى الخرازين، حيث ساعدهم في ذلك استيراد الأحذية ذات الجودة المتوسطة التي تكون بأسعار مناسبة في هذا الزمن. وعن مقدار ما يجنيه في اليوم من عمله في مهنة الخرازة ذكر برهان الدين أن مايكسبه في اليوم الواحد لا يتجاوز ال50 ريالا بسبب ضآلة الزبائن رغم أن إصلاح الحذاء الواحد لا يتجاوز الخمسة ريالات، مشيرا إلى أنه يستخدم في إصلاحها الخيط والإبرة لخياطة الحذاء بالكامل، مضيفا: هذا العمل يأخذ وقتا وجهدا كبيرين، وأنت تشاهد تجاعيد الزمن قد أخذت من صحتي ونظري الشيء الكبير.