تصب أغلب مشكلاتنا اليوم في بوتقة التربية، فلا يكاد يمر بنا حكيم أو شيخ كبير إلا وقال (كنا زمان لا نعاني ما تعانونه)، ولعل ذلك ظاهر في الفجوات التي أصبحت بمثابة هاوية بين الآباء والأبناء، فهم ينظرون للحياة بمنظار مختلف تماما عن ذلك الذي ينظر به الوالدان، وربما أبعاد المنظار الثلاثية مختلفة أيضا إلى درجة كبيرة، فالجودة والخبرة والمحاكاة لها دورها الكبير في التأثير على الشخصية ومميزاتها وطريقة تفاعلها وتأثرها وتأثيرها في الآخرين. وإن كنا نتفق جميعا على أن التربية هي عملية ديناميكية ترافق الإنسان في سائر مراحل حياته، إلا أنه انطلاقا مما قاله العلماء وعلى رأسهم فرويد والملخص في أهمية السنوات الخمس الأولى في حياة الإنسان، فشخصيته تتمركز وتتمحور وفقا لما ارتكزت عليه آثار التربية في تلك السنوات، وأن نتاج اليوم من السلبيات والإيجابيات في الشخصية الإنسانية ما هي إلا ثمار لبذور الأمس التي غرسها الوالدان والأسرة وسائر مؤسسات التنشئة الاجتماعية. وقد جرت العادة أن نتحدث عن واجبات الأبناء تجاه والديهم وحقوقهم عليهم، وما لذلك من ثواب وعقاب، ووفقا للقاعدة التي تقول إن ما يغرسه الآباء يجنيه الأبناء، إذن فإننا نؤكد على أهمية الدور الذي يلعبه الوالدان في حياة طفلهما، وعلى تكوين شخصيته بكل ما تحمل من نواح مثمرة أو مقفرة. ولعل أول الواجبات ينعكس في اختيار الأم الصالحة والأب الصالح، فحسن اختيار كل من الزوجين للآخر هو أمر غاية في الأهمية، ومن شأنه بناء حياة زوجية سعيدة تسودها المحبة والرحمة والألفة والاستقرار، وما يصنعه الزوجان ينعكس عليهما في ما بعد وعلى سائر أفراد الأسرة مستقبلا. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا، ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقرا، ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره، ويحصن فرجه، أو يصل رحمه، بارك الله له فيها، وبارك لها فيه) رواه الطبراني. * أستاذ الصحة النفسية والمحاضر بكلية التربية جامعة أم القرى.