الإنسان بطبيعته لا يرتاح للشيء الغصب في طعامه وملبسه وحتى زواجه، أو يسمع ويشاهد مالا يقنعه. وقبل أيام بشرنا وزير الإعلام في كلمته إلى منتدى الإعلام الخليجي، إن المرحلة المقبلة لن تشهد (غصب 1 وغصب 2) التي شاعت في الماضي عن القناتين الأولى والثانية في تلفزيوننا العزيز، حتى انطلاق الإعلام الفضائي ثم الثورة المعلوماتية الإلكترونية التي قلبت موازين الإعلام التقليدي وخلعت سقف ضوابطه، وفرضت عليه أن (يكون أو لا يكون). فالمشاهد يتمتع بذكاء وقدرة عالية على التقييم والفرز وفي يده الريموت، وبالتالي قراره في اختيار قنواته المفضلة أو يقلب وجهه ويبحث عن البديل حتى لو القادم من وراء البحار، إذا كان يقدم له الخبر والتحليل والبرامج القوية المصروف عليها ولو كانت غير منصفة، وكذا الإعلام الاليكتروني الجديد، أزال الحدود وجعل العالم بين أصابعنا بلا حدود ولا غصب، والبركة في الانترنت والكمبيوتر وتقنيات الاتصال. الجميل في كلام معالي الوزير الدكتور عبد العزيز خوجة وهو الشاعر الرقيق والدبلوماسي العتيد، أن إشارته إلى قنوات (غصب) تحمل بصراحة دلالة موضوعية عن حقيقة سنوات الغصب الإعلامي، وهي صراحة لم تبادر بها الوزارة من قبل عندما كان الصمت أبلغ من الكلام، بأن المشاهد أسبق من المسؤول، ولايزال ينتظر الكثير من إعلامنا المحلي رغم وجود مئات القنوات المفتوحة والمشفرة والمحجوبة ترمي له شباكها. أيضا عالم الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي هي الأسهل والأكثر تفاعلا بالكلمة والصوت والصورة، وللأسف اختلط فيها الحابل بالنابل، والفضيلة بالرذيلة، والغث والثمين، والموضوعية بسموم الفتن والفرقة والخوض في الأعراض، بينما مجتمعاتنا لم تستقر بعد في الاستفادة الجادة من تلك التقنيات.. هذا الواقع يحتاج اليوم إلى ما هو أكثر من القوانين الضابطة على أهميتها، لأن التأثير الإعلامي بات صراعا أكثر منه منافسة، وتشوبه فوضى فجة خارج سياق العقل والأخلاق، لا ينفع معها (غصب) ولا يحمي منها خلع الأبواب.. بل يحتاج أولا وبشدة إلى تكريس الوعي الذاتي والمجتمعي بمفهوم وحدود الحرية وأدب الحوار والرأي، وإلى دور متكامل لمؤسسات المجتمع التربوية لثقافة الحوار، وإعلام وطني رحب يؤثر ويقنع ويبني الوعي الفكري، ويناقش قضايا الوطن وهموم وتطلعات المواطن بمسؤولية، ويتسع للحقيقة بشفافية وموضوعية.