في العدد الصادر يوم السبت 28 ربيع الأول 1434ه من هذه الجريدة نشر خبر عن مشاركة الأمير عبدالعزيز نجل الأمير تركي الفيصل في سباق سيارات بحلبة الريم.. ونجاته من حادث انقلاب تعرض له في السباق.. ونشرت مع الخبر صورة الأمير تركي الفيصل جالسا مع ابنه في حلبة السباق داعما له. وفي ذات الوقت قرأت خبرا موسعا عن تطويق أمني للمفحطين وصورا لعدد كبير من سيارات المرور في الموقع.. وجاء في الخبر أنه تم القبض على 397 من المفحطين والمتجمهرين من بينهم 78 حدثا.. في حملة شاركت فيها 144 دورية.. حجزت ( 237 ) سيارة!!. ومن خلال الخبرين يتبين أننا أمام قضية ينظر إليها بطريقتين متناقضتين.. في الأولى نجد فكرا تربويا ووعيا بتطلعات الشباب ورغباتهم.. شاهدنا نموذجا لها في شخص الأمير تركي الفيصل الذي تواجد مع ابنه داعما أثناء خوضه سباق السيارات. في الطريقة الرسمية الثانية نجد استخدام الأسلوب الأمني في التعاطي مع الأمر.. من تطويق وقبض وإيقاف وغيره.. ولقد أثبتت السنوات الطويلة الماضية أن الطريقة الثانية في التعامل مع هذا الموضوع لم تجدِ.. وغالبا لن تجدي. وطريقة التعاطي مع موضوع المفحطين تعكس المسافة التي تفصل بين فكر بعض المسؤولين وبين عقول الشباب والأسلوب المفترض التعامل معهم به. فهؤلاء المفحطون مقتنعون بما يمارسونه.. والتفحيط بالنسبة لهم هواية يعشقونها ويجدون فيها متعة كبيرة.. وعدد عشاق هذه الألعاب وجماهيريتها أكبر بكثير مما يتصوره البعض.. ما أن يسمعوا بإقامتها حتى يتوافدوا إليها بأعداد كبيرة.. والآن يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للإعلام عن إقامة مناسبات التفحيط.. الأمر الذي انعكس على الحضور الجماهيري الكبير لهذه المناسبات. وهذه المبادرات التي يقوم بها بعض شبابنا تعكس في واقع الأمر روح الشباب بكل ما تحمل هذه الكلمة في تضاعيفها من بوادر حب المغامرة وركوب الصعاب إلى حد الإبداع والفن المتألق.. وهي موجودة في الكثير من دول العالم.. ولكنها تمارس في ظل احتياطات آمنة تتيح للشباب إبراز مواهبهم وعرض قدراتهم.. كما تتيح للجماهير متابعتها والاستمتاع بها. أما مشكلتنا هنا فهي أننا أخطأنا ولازلنا نخطئ في التعامل مع ظاهرة التفحيط.. فتركناها تمارس دون تدخل لتنظيمها حتى أهدرت أرواح وسالت دماء.. ومن ثم تأتي الأساليب التقليدية ذات التأثير الوقتي الذي يعالج الأعراض دون التعمق في صلب المشكلة. لقد تابعت على «اليوتوب» بعض اللقطات للشباب المفحطين بهدف استكمال كتابة هذا المقال.. ووجدت إبداعا وفنا لافتا.. وشعرت بالحسرة من عدم تنظيم هذه الالعاب واحتضان مبدعيها.. تماما كما شعرت بالألم على الأرواح التي أهدرت في ممارساتها. إن هؤلاء الشباب المبدعين بحاجة إلى احتضان وتنظيم وتطوير تماما كما يحدث في الكثير من دول العالم. بل إنني أجدها فرصة ثمينة أن نستثمر في هؤلاء الشباب من خلال برامج صقل مواهبهم ومن ثم تشكيل فرق وتنظيم مهرجانات لألعاب السيارات المختلفة.. من الممكن أن تقام في مدن المملكة المختلفة بل وفي خارج المملكة.. حيث إن جماهيرية هذه الألعاب كبيرة بين الشباب. كما أن تنظيم هذه الممارسات من خلال إقامة حلبات لرياضة السيارات وسباقاتها تمثل مجالا رحبا لتفريغ طاقات الشباب واستثمار أوقات فراغهم وممارسة هواياتهم.. وذلك بدلا من إزجاء وقتهم وإفراغ طاقاتهم في أمور ضارة أخرى. إنني وفي الوقت الذي أكتب فيه هذا المقال قرأت خبرا عن إنجاز عربي كبير حققه المتسابق السعودي (يزيد الراجحي) بتتويجه بصدارة رالي السويد العالمي متحديا الثلوج وسط درجات حرارة تجاوزت العشرين تحت الصفر.. لقد بحت أصوات الشباب على مدى السنوات الماضية وهم يطالبون الجهات المختصة بتوفير حلبات لرياضة وسباقات السيارات يمارسون فيها هواياتهم في بيئة آمنة.. ولكن للأسف دون جدوى ودون أن تلقى مطالباتهم أي صدى.. إن على الرئاسة العامة لرعاية الشباب وأمانات المدن المبادرة نحو توفير حلبات رياضة السيارات وسباقاتها لضمان سلامة الممارسين والمشاهدين.. والعمل على صقل إبداعاتهم وتفريغ طاقاتهم.