ارتبطت «قهوة الصوماليين» وسط جدة، الحي الأقدم الذي يحمل رسميا اسم الصحيفة، إلا أن انتشار الجالية الصومالية فيه حول الاسم شعبيا إلى الأكثر شعبية وشيوعا بين الناس «حي الصوماليين». وعرف الحي الذي أشبه ما يكون بالعاصمة الصومالية مقديشو بأنه سوق المسروقات، وبحسب الأحاديث المتداولة بين الناس فإنه المدان الذي بإمكان أي شخص فقد هويته أو أي إثبات رسمي ما عليه إلا التوجه إليه وهناك تبدأ المساومات. ويذكر أحد الصوماليين المقيمين في الحي منذ قرابة العشر سنوات اعتياد كثيرين على أن يجدوا غالبية المسروقات الثبوتية التي يعيدها السماسرة لصاحبها مقابل ألف ريال، ومن المتداول عن الحي كثرة أوكار التزوير في ظل وجود عمالة مخالفة امتهنت خصيصا هذا العمل. ويضيف أن قلب الحي يعلق على جدران منازله وبعض المحال التجارية في كثير من الأحيان صور للإقامات والبطاقات والرخص المفقودة، مذيلة برقم المحتفظ بها للتواصل واستعادة ما فقد منه. من جهته، قال عمدة الصحيفة منصور عقيلي: كل شيء ممكن في «سوق الصومال» وتنفذ الجهات الأمنية حملات دهم باستمرار لكن يبقى دور المواطنين مهما بعدم تأجير منازلهم لمخالفين. الحي نشأ في اقدم اسواق جدة التجارية هو (سوق الصحيفة) الا ان اكثر ما يسود سمعة هذا الحي العريق بتاريخه وأهله وسكانه ذلك الجزء الذي استوطنته جالية صومالية حتى لتشعر وأنت تتجول فيه انك في «مقديشو» حيث يستأجر الواحد منهم منزلا شعبيا بإيجار زهيد وغالبا ما يكون بإقامة مزورة على الارجح يقيم فيه من 15-20 شخصا بإيجارات من الباطن لمخالفين من بني جلدته، فيما تنطلي «الحيلة» على مكاتب العقار وأصحاب تلك المنازل. وأضاف: هجر كثير من المواطنين منازلهم في الصحيفة وانتقلوا إلى شمال المدينة وتركوها للإيجار وأصبح لا يهمهم سوى الايجار الذي يقبضونه. ومن الظواهر التي ذكرها بعض سكان الحي تلك التي لا تخفى على مرتادي الحي وساكنيه والمتمثلة في تجول أعداد كبيرة من العمالة الوافدة والمخالفة في ساعات متأخرة من الليل، إضافة لعصابات تمتهن سرقة المنازل وبعد مضي فترة من الزمن تعيد بيع مسروقاتها. من جهته، ذكر نبيل أحد سكان الحي منذ نحو أربعة عقود، أن الموقع اشتهرت فيه قهوة الصوماليين التي يحلو للبعض تسميتها بقهوة المسروقات، مضيفا «في حال سرقت من مقيم أو مواطن أوراقه ومحفظته يوصى بأن يرجع القهوة ومفاوضة من اشتهر بالمتاجرة في المسروقات». وزاد «كثير ما يجد من سرقت منهم أشياؤهم في قهوة الصوماليين ويتم استعادتها مقابل مبالغ ماليه تصل إلى 2000 ريال». «عكاظ» حاولت الوصول إلى قهوة الصوماليين، وهناك لم نجد من يدلنا عليها حيث إن لغة العيون والإشارات تتحدث بمجرد أن يدخل غريب إلى الحي، وحاولنا الحديث مع أحدهم وطلب معرفة موقع القهوة إلى أنه ذكر أن في الحي ثلاثة مواقع تحمل اسم «قهوة الصوماليين». في الأزقة المحيطة بقهوة الصوماليين لا يوجد لها سوى مخرج واحد ولا تستطيع الهروب أبدا، لأن غالبية الموجودين داخل السوق من الوافدين المتخصصين في سرقة الإقامات. وبحسب أحد سكان الحي فإنه في حال عدم وجود رقم هاتف على الإقامة، فما عليك سوى التوجه إلى هذه السوق، وهناك سيعرف النشالون أنك تبحث عن وثيقة فقدت منك، وتتزعم مجموعة متخصصة سرقة الإقامات وتسليمها إلى الرؤساء، وبدورهم يباشر الرؤساء عمليات الاتصال والتفاوض مع أصحابها، وفي حال عدم دفع المبلغ يقوم رئيس المجموعة ببيعها لأحد المقيمين بطريقة غير نظامية، كما أن الموقع يقسم إلى ثلاث فئات فئة خارج السوق وهي التي تحضر المفقودات والفئة الثانية هي التي تكون على أسوار وحدود السوق والتي تستقبل أصحاب المفقودات وتأخذ منهم معلومات عن ما فقدوه وتدخل إلى السوق لتسأل الفئة الثالثة الذين هم من يدير عمليات البيع في السوق. ويذكر محمد علي أن العمالة تحدد أسعار لكل وثيقة مسروقة مما يعني أن سعر رخصة القيادة يختلف تماما عن سعر جواز السفر وكذلك الإقامة أو أي ورقة ثبوتية أخرى فكلما زادت أهمية الوثيقة زادت قيمتها. وأضاف أن المعني بتسليم ما يبحث عنه الناس يشترط أن يكون موقع التسليم بنفس مزايا المكان خاصة من ناحية العشوائية ووفرة الأزقة والممرات الضيقة وتتم عملية التسليم بشكل مبسط يعتمد على تسليم المبلغ أولا ومن ثم تحديد موقع تم إخفاء الوثيقة فيه حتى يتسنى لصاحبها العثور عليها. من جهته أرجع مالك باعيسى (عمدة حي الشام والمظلوم في جدة) أسباب تفشي ظاهرة السرقات بين أوساط الجالية الصومالية إلى عدة أسباب منها تكاثرهم بشكل ملفت من حيث المواليد فامرأة واحدة ربما تقوم بالحمل والولادة لأكثر من 12 طفلا ليقوم الشارع بتربيتهم بديلا عن والديهما، وبالتالي فإن هذا ينعكس سلباً على نشأة الأطفال من حيث الفكر والثقافة الاجتماعية ونجدهم في المستقبل سارقين وفاسدين ومن هذا المنطلق تبدأ رحلة البحث عن لقمة العيش وبأي طريقة كانت فليس مهما إن كانت صحيحة أو عكس ذلك، وأيضاً ساعد تكاتفهم فيما بينهم الشعور بالقوة وليس بالضعف كما يتصور البعض فهم متقنون جيداً للهجة العربية وخاصة الجداوية، وقبل عدة أعوام كان نشاطهم لافتا للأنظار ولا ننكر ذلك فانتشارهم في المناطق المأهولة بالسكان وخاصة في المناطق الشعبية والمناطق التاريخية في جنوبجدة ساعدهم كثيرا في الاختباء والتواري عن أنظار الجهات المسؤولة وكما يعلم الجميع فإن أغلبهم يعتبرون من مجهولي الهوية وليس لهم وجود، كل تلك الأسباب ساعدتهم في نشاطاتهم المشبوهة، ناهيك عن ممارسة سيئة كممارسة الرذيلة والشعوذة والسحر والإضرار بالناس، وخاصة بين أوساطهم هم أنفسهم. ويعود باعيسى للقول «في الوقت الراهن وخلال العامين الماضيين قلت نسبة مشاكل الجالية الصومالية بشكل لافت وربما يصل لأكثر من 50 في المئة وذلك نظير تفاعل الجهات الرسمية وعلى رأسهم الشرطة والمباحث، وذلك بإلقاء القبض على كثير منهم وبمساعدة كثير من المواطنين والمتضررين ساعد كثيراً في القضاء ولو بنسبة ضئيلة على الفساد المتفشي بين الجالية الصومالية، ومؤخراً أيضاً قمنا نحن عمدة حي الشام والمظلوم بتعيين حراسات أمنية خاصة على مداخل ومخارج الأسواق الشعبية وغير الشعبية لنرى مدى فعالية دورهم وبالفعل تمت العملية بنجاح وقلت نسبة السرقات والنهب والسطو بشكل كبير طبعاً كل ذلك لقاء أجر مادي يقوم بدفعه جميع ملاك المحلات التجارية ولكن مؤخراً أدى تقاعس بعض أصحاب المحلات عن الدفع إلى انسحاب كثير من أفراد الحراسات الأمنية مع أن المبلغ المطلوب منهم شهريا بسيط جدا لقاء ما يقومون بدفعه لإيجارات محلاتهم وبضائعهم، فالمبلغ المطلوب منهم شهرياً لا يتجاوز ال130 شهريا، وحاليا نحن ننظر لحلول جذرية أخرى مثل تركيب كاميرات مراقبة على الأسواق وداخل الأحياء ومراقبة الأوضاع بشكل أفضل وأدق دون الخوض في معارك أو مشاكل مباشرة مع المخالفين، ولكن كما يعلم الجميع الموضوع ليس بهذه السهولة فهناك عدة جهات لا بد من أخذ موافقتهم مسبقاً وأيضاً وضع ميزانية مالية وترتيبات أخرى وهذا ما ندرسه في الوقت الراهن. من جهته، أوضح المتحدث الإعلامي لشرطة جدة الملازم نواف البوق أن عالم الجريمة لم يعد حصرا أو حكرا على شريحة محددة أو جنسية معينة، ففي ظل الأوضاع الراهنة وازدياد أعداد المخالفين لنظام الإقامة تنوعت وتعددت أساليب كثير من الجنسيات وخاصة الإفريقية منها باحتراف وامتهان السرقات والنشل والسحر والشعوذة والدعارة. ويضيف البوق، إن ما نشاهده الآن من انتشار لعالم الجريمة هو في الأساس نتاج سنين طويلة من التراخي أو دعنا نقول عدم تعاون كثير من المواطنين أو المقيمين الذين يتعرضون للسرقات والنهب والنشل، وذلك إما يكون ناتجا عن خوف نفسي ومعنوي، وربما يكون للمقيمين أسباب نعلمها تتلخص في عدم إبلاغهم للجهات الرسمية يكونوا هم أطراف أو أسباب غير مباشرة وكمثال هروب بعض المقيمين من كفلائهم ومن ثم يقعون في شر أعمالهم، فتسرق منهم أوراقهم الثبوتية في أماكن بعيدة عن أعمالهم وبالتالي يجعلون من أنفسهم عرضة مباشرة للابتزاز من قبل بعض ضعاف النفوس، وكما انتشر في الآونة الأخيرة عن بعض من الجنسية الإفريقية وخاصة الصومالية، أنهم هم من يقومون بسرقة الأوراق الثبوتية كالإقامات والجوازات ومن ثم يقومون بالاتصال على ضحاياهم لمساومتهم في استرجاع أوراقهم وهوياتهم بمقابل مادي.